( قوله : ويباع لو ويعتق إن وجد الشرط ) بيان للمدبر المقيد وأحكامه ، وحاصله أن يعلق عتقه بموته على صفة لا بمطلقة كتقييده بموته في سفر أو مرض مخصوص ، أو بمدة معينة يعيشان إلى مثلها ، أو بزيادة شيء بعد موت المولى كقوله قال إن مت من سفري ، أو من مرضي ، أو إلى عشر سنين ، أو عشرين سنة ، أو أنت حر بعد موت فلان فيعتق إذا مات استحسانا من الثلث ; لأنه يغسل ويكفن ويدفن عقيب الموت قبل أن يتقرر ملك الوارث ، أو بترداده بين الموت والقتل كقوله : إذا مت وغسلت ، أو كفنت ودفنت فأنت حر مطلق عند إذا مت أو قتلت فليس بمدبر ; لأنه علقه بأحد الشيئين ، والقتل - وإن كان موتا - فالموت ليس بقتل وتعليقه بأحد الأمرين يمنع كونه عزيمة في أحدهما خاصة فلا يصير مدبرا ويجوز بيعه وقال أبي يوسف : هو مدبر مطلق ورجحه في فتح القدير بأنه أحسن ; لأن التعليق في المعنى بمطلق موته ; لأنه لا تردد في كون الكائن أحد الأمرين من الموت قتلا ، أو غير قتل فهو في المعنى مطلق الموت كيفما كان وقيد بقوله إلى عشر سنين أو عشرين سنة ; لأنه لو قال إلى مائة سنة - ومثله لا يعيش إليها في الغالب - فهو مدبر مطلق ; لأنه كالكائن لا محالة ، وهذا رواية زفر الحسن عن ، وفي التبيين أنه المختار لكن ذكر أبي حنيفة قاضي خان أن على قول أصحابنا هو مدبر مقيد وهكذا ذكره في الينابيع وجوامع الفقه .
وفي فتح القدير أن المصنف كالمناقض فإنه في النكاح اعتبره توقيتا وأبطل به النكاح وهنا جعله تأبيدا موجبا للتدبير ا هـ .
وقد يجاب عنه بأنه في باب النكاح اعتبره توقيتا للنهي عن النكاح الموقت ولا شك أنه موقت صورة ; فالاحتياط في منعه تقديما للمحرم على المبيح ; لأن النظر إلى الصورة يحرمه ، وإلى المعنى يبيحه ، وأما هنا فنظر إلى التأبيد المعنوي ولا مانع منه فإن الأصل اعتبار المعنى ما لم يمنع مانع فلا تناقض ولذا كان هو المختار ، وإن كان الولوالجي جزم بأنه ليس بمدبر مطلق تسوية بينه وبين النكاح ، وفي الظهيرية لو كان مدبرا مقيدا فإن مضى شهر صار مدبرا مطلقا عند بعض المشايخ لتعلق العتق بمجرد الموت وعند البعض بقي مدبرا مقيدا لتعلق العتق بموته ومضي شهر يتصل بموته ا هـ . قال : أنت حر قبل موتي بشهر
وفي الخانية ولو مات بعد شهر قيل يعتق من الثلث وقيل من جميع المال ; لأن على قول يستند العتق إلى أول الشهر وهو كان صحيحا فيعتق من كله وهو الصحيح ا هـ . أبي حنيفة
وعلى قولهما يصير مدبرا بعد مضي الشهر قبل موته ا هـ .
وفي المجتبى لو قال : أنت حر قبل موتي بشهر فليس بمدبر ، وإن كان يعتق بعد موته ويجوز بيعه ، ثم إذا مضى شهر قيل لا يجوز بيعه ; لأنه صار مدبرا مطلقا ، وأكثر المشايخ على أنه يجوز بيعه وهو الأصح ا هـ .
وليس من التدبير أنت حر بعد موتي بيوم أو بشهر وهو إيصاء بالعتق حتى لا يعتق بعد موت المولى ومضي اليوم ما لم يعتقه الوصي ويجب إعتاقه فيعتقه الوصي أو الورثة كذا في المجتبى أيضا ، وفي الظهيرية : وإن فالقيمة للورثة ا هـ . أوصى بعتقه بعد موته فقتل العبد خطأ بعد موته
وقد ذكر المصنف أن من هذا النوع أنت حر بعد موت فلان ، وظاهره أنه مدبر مقيد وليس كذلك ولذا قال في المبسوط : لو [ ص: 291 ] لم يكن مدبرا ; لأن موت فلان ليس بسبب للخلافة في حق هذا المولى ، ووجوب حق العتق باعتبار معنى الخلافة فلو مات فلان والمولى حي عتق العبد وكذلك إن قال : أنت حر بعد موت فلان لا يكون مدبرا فإن مات فلان قبل المولى فحينئذ يصير مدبرا ا هـ . قال : أنت حر بعد موتي وموت فلان أو قال بعد موت فلان وموتي
وفي البدائع لو لم يكن مدبرا ; لأنه لم يوجد تعليق عتق عبده بموته فلم يكن هذا تدبيرا بل كان تعليقا بشرط مطلق كالتعليق بسائر الشروط من دخول الدار وكلام زيد وغير ذلك ا هـ . قال : إن مات فلان فأنت حر
فإن قلت : المصنف إنما ذكره في التدبير المقيد لمساواته لحكمه من جواز البيع والعتق بالموت . قلت : بينهما فرق من جهة أخرى وهو أن المدبر بقسميه يعتق من الثلث كما قدمناه ، والمعلق عتقه بشرط غير موت المولى يعتق من جميع المال إذا وجد الشرط ويبطل التعليق بموت المولى قبل وجود الشرط كما لو بطلت اليمين ولا يعتق أصلا بخلاف المدبر ، وفي الظهيرية قال لعبده : إن دخلت الدار فأنت حر فمات المولى قبل الدخول لم يكن مدبرا وكذلك لو قال الآخر مثل ذلك ، فإن مات أحدهما صار العبد مدبرا من الآخر ا هـ . : عبد بين رجلين قال أحدهما : إن مت أنا وفلان - يعني شريكه - فأنت حر
وإنما جاز ; لأن سبب الحرية لم ينعقد في الحال لتردد في هذا القيد لجواز أن لا يموت منه فصار كسائر التعليقات بخلاف المدبر المطلق ; لأنه تعلق عتقه بمطلق الموت وهو كائن لا محالة وأفاد بقوله ويعتق إذا وجد الشرط أنه لا بد أن يموت في سفره هذا أو مرضه هذا ، أو في المدة المعينة فلو أقام ، أو صح ، أو مضت المدة ثم مات لم يعتق لبطلان اليمين قبل الموت . بيع المدبر المقيد
وفي فتح القدير : من التدبير المقيد أن يقول : إن مت إلى سنة فأنت حر فإن مات قبل السنة عتق مدبرا ، وإن مات المولى بعد السنة لا يعتق ومقتضى الوجه كونه لو مات في رأس السنة يعتق ; لأن الغاية هنا لولاها تناول الكلام ما بعدها ; لأنه يتنجز عتقه فيصير حرا بعد السنة فتكون للإسقاط ا هـ .
وجوابه أن هذا الوجه ليس بمطرد لانتقاضه باليمين في قوله لا أكلمه إلى غد فإن الغاية لا تدخل في ظاهر الرواية فله أن يكلمه في الغد مع أنها غاية إسقاط وكذلك أكلت السمكة إلى رأسها لا تدخل الغاية مع أنه للإسقاط ، وفي المجتبى لا يعتق بخلاف ما لو قال في مرضي ولو إن مت من مرضي هذا فهو حر فقتل ، أو على عكسه قال قال : إن مت من مرضي وبه حمى فتحول صداعا هو مرض واحد ا هـ . محمد
ففرق بين : " من " ، و " في " وذكر الولوالجي عتقا ولهما المائة بينهما ; لأنه لما مات شاع العتق فيهما فتشيع الوصية أيضا ولو قال لكل واحد منهما مائة درهم تبطل إحدى المائتين لأنها وقعت لعبده ا هـ . : رجل قال لعبديه : أحدكما حر بعد موتي وأوصيت له بمائة درهم ، ثم مات
وبه علم أن من لا يكون مدبرا بخلاف الإيصاء له برقبته ، أو بسهم من ماله كما قدمناه ، والله سبحانه وتعالى أعلم . أوصى لعبده بقدر معين من ماله
[ ص: 290 ]