( قوله ) أي أولى بها ولم يبين المعلوم وفسره في المضمرات بأحكام الصلاة ، وفي السراج الوهاج بما يصلح الصلاة ويفسدها ، وفي غاية البيان بالفقه وأحكام الشريعة والظاهر هو الأول ويقرب منه الثاني ، وأما الثالث فمحمول على الأول لظهور أنه ليس المراد من الفقه غير أحكام الصلاة ولهذا وقع في عبارة أكثرهم الأعلم بالسنة باعتبار أن أحكام الصلاة لم تستفد إلا من السنة ، وأما الصلاة في الكتاب فمجملة وقدم والأعلم أحق بالإمامة [ ص: 368 ] الأقرأ لحديث الصحيحين { أبو يوسف } وأجاب عنه في الهداية بأن أقرأهم كان أعلمهم ; لأنهم كانوا يتلقونه بأحكامه فقدم في الحديث ولا كذلك في زماننا فقدمنا الأعلم ولأن القراءة يفتقر إليها لركن واحد والعلم لسائر الأركان ، وفي فتح القدير وأحسن ما يستدل به للمذهب حديث { يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم إسلاما ولا يؤم الرجل في سلطانه ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه أبا بكر فليصل بالناس } وكان ثمة من هو أقرأ منه بدليل قوله عليه الصلاة والسلام { مروا أبي } وكان أقرؤكم أبو بكر أعلمهم بدليل قول كان أبي سعيد أبو بكر أعلمنا وهذا آخر الأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الخلاصة الأكثر على تقديم الأعلم فإن كان متبحرا في علم الصلاة لكن لم يكن له حظ في غيره من العلوم فهو أولى ا هـ .
وقيد في المجتبى الأعلم بأن يكون مجتنبا للفواحش الظاهرة ، وإن لم يكن ورعا وقيد في السراج الوهاج تقديم الأعلم بغير الإمام الراتب ، وأما الإمام الراتب فهو أحق من غيره ، وإن كان غيره أفقه منه وقيد الشارح وجماعة تقديم الأعلم بأن يكون حافظا من القرآن قدر ما تقوم به سنة القراءة وقيده المصنف في الكافي بأن يكون حافظا قدر ما تجوز به الصلاة ، وينبغي أن يكون المختار قولا ثالثا وهو أن يكون حافظا للقدر المفروض والواجب ولم أره منقولا لكن القواعد لا تأباه ; لأن الواجب مقتضاه الإثم بالترك ويورث النقصان في الصلاة .
( قوله ثم الأقرأ ) محتمل لشيئين أحدهما أن يكون المراد به أحفظهم للقرآن وهو المتبادر ، الثاني أحسنهم تلاوة للقرآن باعتبار تجويد قراءته وترتيلها وقد اقتصر العلامة تلميذ المحقق ابن الهمام في شرح زاد الفقير عليه ( قوله ثم الأورع ) أي الأكثر اجتنابا للشبهات والفرق بين الورع والتقوى أن الورع اجتناب الشبهات والتقوى اجتناب المحرمات ولم يذكر الورع في الحديث السابق وإنما ذكر فيه بعد القراءة الهجرة ; لأنها كانت واجبة في ابتداء الإسلام قبل الفتح فلما انتسخت بعده أقمنا الورع مقامها واستثنى في معراج الدراية من نسخ وجوبها بعده ما إذا أسلم في دار الحرب فإنه تلزمه الهجرة إلى دار الإسلام لكن الذي نشأ في دار الإسلام أولى منه إذا استويا فيما قبلها .
( قوله ثم الأسن ) لحديث مالك بن الحويرث { } وقد استويا في الهجرة والعلم والقراءة وعلل له في البدائع بأن من امتد عمره في الإسلام كان أكثر طاعة وهو يدل على أن المراد بالأسن الأقدم إسلاما ويشهد له حديث الصحيحين المتقدم من قوله { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ولصاحب له إذا حضرت الصلاة فأذنا ثم أقيما ثم ليؤمكما أكبركما } فعلى هذا لا يقدم شيخ أسلم قريبا على شاب نشأ في الإسلام أو أسلم قبله ، وكلام فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم إسلاما المصنف ظاهر في تقديم الأورع على الأسن وهكذا في كثير من الكتب ، وفي المحيط ما يخالفه فإنه قال : وإن كان أحدهما أكبر والآخر أورع فالأكبر أولى إذا لم يكن فيه فسق ظاهر ا هـ .
[ ص: 369 ] وأشار المصنف إلى أنهما لو استويا في سائر الفضائل إلا أن أحدهما أقدم ورعا قدم وقد صرح به في فتح القدير ثم اقتصر المصنف على هذه الأوصاف الأربعة أعني العلم والقراءة والورع والسن
وقد ذكروا أوصافا أخر ففي المحيط فإن استويا في السن قالوا أحسنهما خلقا أولى ، فإن استويا فأحسنهما وجها أولى وفسر الشمني الخلق بالإلف بين الناس وفسر المصنف في الكافي أحسنهم وجها بأكثرهم صلاة بالليل للحديث { } ، وإن كان ضعيفا عند المحدثين ، وذكر في البدائع أنه لا حاجة إلى هذا التكلف بل يبقى على ظاهره ; لأن صباحة الوجه سبب لكثرة الجماعة خلفه وقدم في فتح القدير الحسب على صباحة الوجه ، فإن استووا فأشرفهم نسبا وزاد من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار الإمام الإسبيجابي على ذلك أوصافا ثلاثة أخرى وهي ، فإن استووا فأكبرهم رأسا وأصغرهم عضوا ، فإن استووا فأكثرهم مالا أولى حتى لا يطلع على الناس ، فإن استووا في ذلك فأكثرهم جاها أولى وزاد في المعراج ثاني عشر وهو أنظفهم ثوبا واختلف في المسافر مع المقيم قيل هما سواء وقيل المقيم أولى وينبغي ترجيحه كما لا يخفى ، وفي الخلاصة ، فإن اجتمعت هذه الخصال في رجلين فإنه يقرع بينهما ، أو الخيار إلى القوم وأشار المصنف بالأحقية إلى أن القوم لو فإنهم قد أساءوا ولكن لا يأثمون كما في التجنيس وغيره وهذا كله فيما إذا لم يكونا في بيت شخص أما إذا كانا في بيت إنسان فإنه يكره أن يؤم ويؤذن ، وصاحب البيت أولى بالإمامة إلا أن يكون معه سلطان أو قاض فهو أولى ; لأن ولايتهما عامة كذا ذكر قدموا غير الأقرأ مع وجوده الإسبيجابي ويشهد له حديث الصحيحين السابق
وفي السراج الوهاج ويقدم الوالي على الجميع وعلى إمام المسجد وصاحب البيت ، والمستأجر أولى من المالك ; لأنه أحق بمنافعه وكذا المستعير أولى من المعير ا هـ .
وفي تقديم المستعير نظر لأن للمعير أن يرجع أي وقت شاء بخلاف المؤجر ، وفي الخلاصة وغيرها إن كانت الكراهية لفساد فيه أو ; لأنهم أحق بالإمامة يكره له ذلك ، وإن كان هو أحق بالإمامة لا يكره ذلك . ا هـ . رجل أم قوما وهم له كارهون
وفي بعض الكتب والكراهة على القوم وهو ظاهر ; لأنها ناشئة عن الأخلاق الذميمة وينبغي أن تكون تحريمية في حق الإمام في صورة الكراهة لحديث أبي داود عن مرفوعا { ابن عمر } والدبار أن يأتيها بعد أن تفوته { ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاة من تقدم قوما وهم له كارهون ورجل أتى الصلاة دبارا } كذا في شرح المنية . ورجل اعتبد محرره
[ ص: 368 ]