قال رحمه الله ( إلا أن يعفون ) يعني فيسقط القصاص بعفوهم ولا يجب شيء هذا إذا كان العفو بغير بدل ، وإن كان ببدل يجب المشروط ويتعين بالصلح لا بالقتل قال يجب القصاص إلا أن يعفو الأولياء رحمه الله تعالى الواجب أحدهما لا بعينه ويتعين باختيار الولي ولنا ما تلونا وروينا من قوله عليه الصلاة والسلام { الإمام الشافعي } فيقتضي أن جنس العمد وجود القود لا للمال ومن جعله موجبا للمال فقد زاد عليه وهو لا يجوز وإلى هذا المعنى أشار العمد قود رضي الله عنهما بقوله العمد قود لا مال فيه ولأن المال لا يصلح موجبا لعدم المماثلة بينه وبين الآدمي صورة ومعنى إذ الآدمي خلق مكرما ليتحمل التكليف ويشتغل بالطاعة وليكون خليفة الله تعالى في الأرض والمال خلق لإقامة مصالحه ومبتذلا له في حوائجه فلا يصلح جابرا وقائما مقامه والقصاص يصلح للمماثلة صورة ; لأنه قتل بقود ، وكذا معنى ; لأن المقصود بالقتل الانتقام . والثاني [ ص: 331 ] فيه كالأول ولهذا سمي قصاصا وبه تحصل منفعة الأحياء بكونه زاجرا فلا يكون موجبا للمال ولهذا يضاف ما يوجب من المال في قتل العمد إلى الصلح ، ألا ترى إلى قوله عليه الصلاة والسلام { ابن عباس } ، ولو كان عمدا موجبا للمال لما أضافه إلى الصلح والمراد بما روي ثبوت لا تعقل العاقلة عمدا ولا صلحا وتخييره لا ينافي رضا الآخر في غير الواجب ، وهذا كما يقال للدائن خذ بدينك إن شئت دراهم ، وإن شئت دنانير ، وإن شئت عروضا ومعناه أن لا يأخذ غير حقه إلا برضا المدين ، وهذا شائع في الكلام . الخيار للمولى عند إعطاء القاتل الدية
ألا ترى إلى قوله عليه الصلاة والسلام { } أي لا تأخذ إلا سلمك عند المضي في العقد ولا تأخذ إلا رأس مالك عند التفاسخ فخيره ومعلوم أنه لا يأخذ رأس ماله إلا برضا الآخر ; لأن الفسخ لا يتم إلا باتفاقهم ، فإذا كان المراد بالحديث ذلك أو احتمله لا يبقى حجة ، والذي يدلك على ذلك ما روي عن لا تأخذ إلا سلمك أو رأس مالك رضي الله عنهما أنه قال كان القصاص في بني إسرائيل ، ولم تكن الدية فأنزل الله هذه الآية { ابن عباس كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر } إلى قوله { فمن عفي له من أخيه شيء } والعفو في أن يقبل الدية في العمد { ذلك تخفيف من ربكم } فيما كان كتب على من كان قبلكم فأخبر أن بني إسرائيل لم تكن فيهم دية أي كان ذلك حراما عليهم أخذه عوضا عن الآدمي ويتركوه فخفف الله تعالى عن هذه الأمة ونسخ ذلك بقوله تعالى { فمن عفي له من أخيه شيء } الآية ونبه النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الجهة بل بينها بقوله التي أبيحت لهذه الأمة وجعل لهم أخذها إذا أعطوها وعن من قتل له قتيل فهو بالخيار بين أن يقتص أو يعفو ويأخذ الدية { أنس بن مالك عمة الربيع لطمت جارية فكسرت ثنيتها ، فقال عليه الصلاة والسلام حين اختصموا إليه كتب الله القصاص } ، ولم يخير ، ولو كان المال واجبا به لخير إذ من وجب له أخذ شيئين على الخيار لا يحكم له بأحدهما معينا وإنما يحكم بأن يختار أيهما شاء والذي يحققه أن أن صح عفوه . الولي إن عفا عن القصاص قبل اختيار القصاص
ولو لم يكن هو الواجب بالقتل لما صح عفوه قبل تعينه واختياره إذ العفو عن الشيء قبل وجوبه باطل ، فإن كان القصاص هو الواجب الأصلي لا ينفرد الولي بالعدول عنه إلى المال بدلا عنه ; لأنه معاوضة ولا يجبر أحد على المعاوضة كما في سائر الحقوق ولهذا لو كالدار ونحوها من الأعيان لا يجبر القاتل على الدفع وأن فيه إحياء نفسه ولا نسلم أن المضطر الذي ذكره يجبر على الشراء بحيث يدخل في ملكه من غير رضاه وإنما نقول يأثم إذا ترك الشراء مع القدرة عليه ومات ، وكذا نقول هنا أيضا يأثم ، ثم إذا لم يخلص نفسه مع القدرة عليه . وقوله والآدمي قد يضمن بالمال كما في الخطإ قلنا وجوب الضمان في الخطإ ضرورة صون الدم عن الإهدار باعتبار أنه مثل له ، وهذا لأنه لما تعذر العقوبة وهو القصاص لعدم الجناية صير إليه لصون الدم عن الإهدار ، ولولا ذلك لتخلط كثير من الناس وأدى إلى التفاني ولأن النفس محترمة فلا تسقط حرمتها بعذر الخاطئ كما في المال فيجب المال صيانة لها عن الإهدار ولا يقال وجوب القصاص لا ينافي وجوب المال ولا العدول إليه من غير رضا الجاني ، ألا ترى أن رجلا لو قطع يد رجل وهي صحيحة ويد القاطع شلاء فالمقطوع يده بالخيار إن شاء أخذ الأرش ، وإن شاء قطع يده الشلاء . ترك المولى القصاص بمال آخر غير الدية
وكذا لو ، ولو أنه وجب بالجناية لما وجب بغير رضاهم ; لأنا نقول إنما كان لهم ذلك لتعذر استيفاء حقهم كاملا . عفا أحد الأولياء بطل حق الباقين في القصاص ووجب لهم الدية