قال رحمه الله ( وشبهه وهو أن يتعمد ضربه بغير ما ذكر الإثم والكفارة على القاتل ودية مغلظة على العاقلة لا القود ) أي الإثم والكفارة على القاتل والدية المغلظة على العاقلة ولا يوجب القصاص . وقوله وهو أن يتعمد ضربه بغير ما ذكر أي بغير ما ذكر في العمد والذي في العمد هو المحدد وغيره هو الذي لا حد له من الأدلة وكالحجر والعصا وكل شيء ليس له حد يفرق الأجزاء وهذا عند موجب القتل شبه العمد رحمه الله تعالى . أبي حنيفة
وفي شرح شبه العمد عند الطحاوي تعمد الضرب بما ليس بسلاح ولا هو في معنى السلاح في تفريق الأجزاء قال الإمام ويكون قصده الضرب والتأديب ، وقالا إذا ضربه بحجر عظيم أو بخشبة عظيمة فهو عمد وشبه العمد أن يتعمد ضربه بما لا يقتل به غالبا ولهما أن معنى العمدية يتقاصر باستعمال آلة لا تقتل غالبا ; لأنه يقصد به التأديب ، أما التي تقتل غالبا كالسيف فكان عمدا فوجب القود ، ألا ترى أنه عليه الصلاة والسلام رض بين حجرين رأس يهودي ورض رأس صبي بين حجرين ، وكذا قتل المرأة التي قتلت امرأة بمسطح وهو عمود الفسطاط محمد رحمه الله تعالى قوله عليه الصلاة والسلام ألا إن قتيل خطإ العمد قتيل السوط والعصا والحجر وفيه دية مغلظة مائة من الإبل منها أربعون خلفة في بطونها أولادها وبإطلاقه يتناول العصا الكبير والكلام في مثلها ولأن قضية القتل أمر مبطن لا يعرف إلا بدليل وهو استعمال الآلة القاتلة على ما بينا ، وهذه الآلة لا تصلح دليلا على قصد القتل ; لأنها غير موضوعة له ولا مستعملة فيه إذ لا يمكن القتل بها على غفلة منه ولا يقع القتل بها غالبا فقدمت العمدية كذلك فصار كالعصا الصغير ، وهذا ; لأن ما يوجب القصاص وهو الآلة المحدودة لا يختلف بين الصغير منهما والكبير ; لأن الكل صالح للقتل لتخريب البنية ظاهرا وباطنا فكذا ما لا يوجب القصاص وجب أن يسوى بين الصغير والكبير منه حتى لا يوجب الكل القصاص ; لأنه غير معد للقتل ولا صالح له لعدم نقض البنية ظاهرا وكان في قصد القتل شك لما فيه من القصور والقصاص نهاية في العقوبة فلا يجب مع الشك . ولأبي حنيفة
وما روياه من رض اليهودي يحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أن اليهودي كان قاطع الطريق إذا قتل بسوط أو عصا أو غيره بأي شيء كان يقتل به حدا ويحتمل أنه جعله كقاطع الطريق لكونه ساعيا في الأرض بالفساد فقتله حدا كما يقتل قاطع الطريق ، فإن ذلك جائز أن يلحق به على ما بينا في قاطع الطريق . وأما حديث المرأة ، فقال عبيد بن فضيلة عن { المغيرة بن شعبة } من أجل سجعه فعلم بذلك أن ما روياه غير صحيح والذي يدل على ذلك أن امرأتين ضربت إحداهما الأخرى بعمود الفسطاط فقتلتها فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدية على عصبة القاتلة وقضى فيما في بطنها بغرة ، فقال الأعرابي أغرم من لا طعم ولا شرب ولا صاح فاستهل ومثل ذلك يطل ، فقال أسجع كسجع الأعراب ، وفي رواية قال هذا من إخوان الكهان حمل بن مالك على زعمهم ، فإنهم قالوا { حمل بن مالك كنت بين بنتي امرأتي فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فقتلتها وجنينها فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنينها بغرة وأن تقتل به } هكذا رووه ، وقال قال عن ابن المسيب عن أبي سلمة { أبي هريرة هذيل فضربت أحدهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى أن دية جنينها عبد وقضى بدية المرأة على [ ص: 333 ] عاقلتها وورثها ولدها ، فقال حمل بن مالك بن النابغة يا رسول الله أغرم من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل ومثل ذلك يطل ، فقال عليه الصلاة والسلام هذا من إخوان الكهان } ، وهذا هو المشهور عن اقتتلت امرأتان من حمل بن مالك فكيف يصح أن يتصور عنه خلاف ذلك .
ثم لا فرق عند رحمه الله تعالى بين أن يموت بضربة واحدة وبين أن أبي حنيفة كل ذلك شبه عمد لا يوجب القصاص واختلفوا على قولهما في الموالاة ، وقال يوالي عليه ضربات حتى مات رحمه الله تعالى يصير عمدا بها فوجب القصاص ، ولو الإمام الشافعي كان ذلك شبه عمد عنده وعندهما عمد وإنما كان إثما في شبه العمد ; لأنه ارتكب محرما في دينه قاصدا له وإنما وجبت الكفارة به ; لأنه خطأ من وجه فيدخل تحت النص على الخطإ أقول : المتبادر من قوله لدخوله تحت الخطإ أن هذه الكفارة إنما وجبت في شبه العمد باعتبار الدخول ، فإن قلت : يرد عليه أن تعين الكفارة لدفع الذنب الأدنى بالشرع لا تعينها كما قالوا في العمد إذ لا شك أن شبه العمد أعلى ذنبا من الخطإ المحض ، فإن الجاني في شبه العمد قد قصد الضرب وفي الخطإ لم يقصد الضرب ، وقد يجاب بأن ذنب شبه العمد دائر بين الأدنى والأعلى فإلحاقه بالأدنى أولى طلبا للتخفيف فلذا وجبت فيه الكفارة ، وذكر صاحب الهداية أن صاحب الإيضاح قال في الإيضاح وجدت في كتب أصحابنا أن الكفارة في شبه العمد لا تجب على قول ألقاه من جبل أو سطح أو غرقه في الماء أو خنقه حتى مات رحمه الله تعالى ، فإن الإثم كامل وتناهيه يمنع شرع الكفارة ; لأن ذلك من باب التخفيف وجوابه على الظاهر أن يقول إنه إثم الضرب ; لأنه قصده لا إثم القتل ; لأنه لم يصدقه ، وهذه الكفارة تجب بالقتل وهو فيه مخطئ ولا تجب بالضرب ، ألا ترى أنها لا تجب بالضرب بدون القتل وبعكسه تجب فكذا عند اجتماعهما يضاف الوجوب إلى القتل دون الضرب . أبي حنيفة
وأما وجوب الدية فلما روينا وإنما وجبت على العاقلة ; لأنه خطأ من وجه على ما بينا فيكون معذورا فيتحقق التخفيف كذلك ولأنها تجب بنفس القتل فتجب على العاقلة كما في الخطإ ولهذا أوجبها رضي الله عنه في ثلاث سنين عمر كالخطإ بل أولى ; لأنه جزاء القتل وهو أولى بالمجازاة لوجود القصد منه إلى الفعل فحاصله أنه كالخطإ إلا في حق الإثم وصفة التغليظ في الدية على ما تبين من بعد إن شاء الله . ويتعلق بهذا القتل حرمان الميراث