( قوله وسن وعرفة ) أي وسن الغسل لأجل هذه الأشياء أما الجمعة فلما روى للجمعة والعيدين والإحرام الترمذي وأبو داود والنسائي في مسنده وأحمد في سننه والبيهقي في مصنفه وابن أبي شيبة في الاستذكار عن وابن عبد البر عن قتادة الحسن عن سمرة قال { } قال قال رسول الله : صلى الله عليه وسلم من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل الترمذي حديث حسن صحيح أي فبالسنة أخذ ونعمت هذه الخصلة وقيل فبالرخصة أخذ ونعمت الخصلة هذه والأول أولى فإنه قال : وإذا اغتسل فالغسل أفضل فتبين أن الوضوء سنة لا رخصة كذا في الطلبة والضمير في فبها يعود إلى غير المذكور ، وهو جائز إذا كان مشهورا ، وهذا مذهب جمهور العلماء وفقهاء الأمصار ، وهو المعروف من مذهب وأصحابه وما وقع في الهداية من أنه واجب عند مالك فقال بعض الشارحين : إنه غير صحيح ، فإنه لم يقل أحد بالوجوب إلا مالك أهل الظاهر وتمسكوا بما رواه البخاري من حديث ومسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { عمر } والأمر للوجوب . من جاء منكم الجمعة فليغتسل
وروى البخاري من حديث ومسلم الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { } غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم
وقد أجاب الجمهور عنه بثلاثة أجوبة أحدها أن الوجوب قد كان ونسخ ودفع بأن الناسخ ، وإن صححه الترمذي لا يقوى قوة حديث الوجوب وليس فيه تاريخ أيضا فعند التعارض يقدم الموجب ثانيها أنه من قبيل انتهاء الحكم بانتهاء علته كما يفيده ما أخرجه أبو داود عن عكرمة أن ناسا من أهل العراق جاءوا فقالوا يا : أترى ابن عباس واجبا فقال : لا ولكنه طهور وخير لمن اغتسل ومن لم يغتسل فلا شيء عليه بواجب وسأخبركم كيف بدأ الغسل { الغسل يوم الجمعة } قال كان الناس مجهودين يلبسون الصوف ويعملون على ظهورهم ، وكان مسجدهم ضيقا مقارب السقف إنما هو عريش فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم حار وعرق الناس في ذلك الصوف حتى ثارت منه رياح حتى أذى بعضهم بعضا فلما وجد عليه السلام تلك الرياح قال يا أيها الناس إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا وليمس أحدكم أمثل ما يجد من دهنه وطيبه ثم جاء الله بالخير ولبسوا غير الصوف وكفوا العمل ووسع مسجدهم وذهب بعض الذي كان يؤذي بعضهم بعضا من العرق وثالثها أن المراد بالأمر النسب وبالوجوب الثبوت شرعا على وجه الندب كأنه قال : واجب في الأخلاق الكريمة وحسن السنة بقرينة متصلة ومنفصلة أما المتصلة ، فهي أنه قرنه بما لا يجب اتفاقا كما رواه ابن عباس من حديث مسلم الخدري أنه عليه السلام قال { } ومعلوم أن الطيب والسواك ليسا بواجبين ، فكذلك الغسل غسل الجمعة على كل محتلم ، والسواك والطيب ما يقدر عليه
وأما قول كغسل الجنابة ، فإنما أراد التشبيه في الهيئة والكيفية لا في كونه فرضا يدل عليه ما رواه أبي هريرة الترمذي عن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { أبي هريرة } ، وهذا نص في الاكتفاء بالوضوء ، وأما القرينة المنفصلة فهي قوله { من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فدنا واستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام ومن مس الحصى فقد لغا } ، وأما كون الغسل سنة للعيدين ومن اغتسل فالغسل أفضل وعرفة فيما رواه في سننه عن ابن ماجه الفاكه بن سعد { عرفة } ورواه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل يوم الفطر ويوم النحر ويوم في معجمه الطبراني في مسنده [ ص: 67 ] وزاد فيه يوم الجمعة ورواه والبزار في مسنده أيضا وروى أحمد عن ابن ماجه قال : { ابن عباس } ، وأما كونه سنة للإحرام فبما أخرجه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل يوم العيدين الترمذي في الحج وحسنه عن عن أبيه خارجة بن زيد بن ثابت أنه { زيد بن ثابت } وذهب بعض مشايخنا إلى أن هذه الأغسال الأربعة مستحبة أخذا من قول رأى النبي صلى الله عليه وسلم تجرد لإهلاله واغتسل في الأصل إن غسل الجمعة حسن قال في فتح القدير : وهو النظر ; لأنا إن قلنا بأن الوجوب انتسخ لا يبقى حكم آخر بخصوصه إلا بدليل والدليل المذكور يفيد الاستحباب ، وكذا إن قلنا بأنه من قبيل انتهاء الحكم بانتهاء علته محمد
وإن حملنا الأمر على الندب فدليل الندب يفيد الاستحباب إذ لا سنة دون مواظبته صلى الله عليه وسلم وليس ذلك لازم الندب ثم يقاس عليه باقي الأغسال ، وإنما يتعدى إلى الفرع حكم الأصل ، وهو الاستحباب ، وأما ما رواه في العيدين ابن ماجه وعرفة من حديثي الفاكه المتقدم ذكرهما فضعيفان قاله وابن عباس النووي وغيره ، وأما ما رواه الترمذي في الإهلال فواقعة حال لا تستلزم المواظبة فاللازم الاستحباب إلا أن يقال إهلاله اسم جنس فيعم لفظا كل إهلال صدر منه فثبتت سنية هذا الغسل ا هـ .
لكن قال تلميذه ابن أمير حاج والذي يظهر استنان غسل الجمعة لما عن رضي الله عنها { عائشة } رواه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من أربع من الجنابة ويوم الجمعة وغسل الميت ومن الحجامة أبو داود وصححه ابن خزيمة وقال على شرط الشيخين وقال والحاكم : رواته كلهم ثقات مع ما تقدم ، فإن هذا الحديث ظاهره يفيد المواظبة وما تقدم يفيد جواز الترك من غير لوم ، وبهذا القدر تثبت السنة ثم اختلفوا فعند البيهقي الغسل في الجمعة والعيدين سنة للصلاة لا لليوم ; لأنها أفضل من الوقت ، وعند أبي يوسف لليوم إظهارا لفضيلته هكذا في كثير من الكتب ، وفي بعض الكتب كما نقله في المعراج ذكر الحسن مكان محمد وقالوا الصحيح قول الحسن وتظهر ثمرة الاختلاف فيمن أبي يوسف وفيمن لا جمعة عليه هل يسن له الغسل أو لا لا يكون له فضل غسل الجمعة عند اغتسل ثم أحدث وتوضأ وصلى به الجمعة خلافا أبي يوسف وفيمن للحسن فعند اغتسل بعد الصلاة قبل الغروب لا وعند أبي يوسف نعم كذا ذكر الشارحون والمنقول في فتاوى الحسن قاضي خان في باب صلاة الجمعة أنه لو لا يعتبر بالإجماع ، وهو الأولى فيما يظهر لي ; لأن اغتسل بعد الصلاة لأجل إزالة الأوساخ في بدن الإنسان اللازم منها حصول الأذى عند الاجتماع ، وهذا المعنى لا يحصل بالغسل بعد الصلاة سبب مشروعية هذا الغسل رحمه الله والحسن
وإن كان يقول هو لليوم لا للصلاة لكن بشرط أن يتقدم على الصلاة ولا يضر تخلل الحدث بين الغسل والصلاة عنده وعند يضر وفي الكافي أبي يوسف للمصنف وخلاصة الفتاوى تظهر فائدة الخلاف فيما لو نال فضل الغسل عند اغتسل قبل الصبح وصلى به الجمعة وعند أبي يوسف لا وتعقب الحسن الزيلعي بأنه مشكل جدا ; لأنه لا يشترط وجود الاغتسال بما سن الاغتسال لأجله ، وإنما يشترط أن يكون متطهرا بطهارة الاغتسال ألا ترى أن الحسن لا يشترط الاغتسال في الصلاة ، وإنما يشترط أن يصليها بطهارة الاغتسال ، فكذا ينبغي أن يكون هنا متطهرا بطهارته في ساعة من اليوم عند أبا يوسف لا أن ينشئ الغسل فيه ا هـ . الحسن
وأقره عليه في فتح القدير ، وقد يقال إن ما استشهد به بقوله ألا ترى إلى آخره لا يصلح للاستشهاد ; لأن ما سن الاغتسال لأجله عند ، وهو اليوم يمكن إنشاء الغسل فيه فلو قيل باشتراطه أمكن بخلاف ما سن الاغتسال لأجله عند الحسن ، وهو الصلاة لا يمكن إنشاء الغسل فيها فافترقا لكن المنقول في فتاوى أبي يوسف قاضي خان من باب صلاة الجمعة أنه إن كانت صلاة بغسل عند اغتسل [ ص: 68 ] قبل الصبح وصلى بذلك الغسل وفي معراج الدراية لو الحسن استن بالسنة لحصول المقصود ، وهو قطع الرائحة ا هـ . ولم ينقل خلافا اغتسل يوم الخميس أو ليلة الجمعة
وينبغي أن لا تحصل السنة عند لاشتراطه أن لا يتخلل بين الغسل والصلاة حدث والغالب في مثل هذا القدر من الزمان حصول حدث بينهما ، ولا تحصل السنة أيضا عند أبي يوسف على ما في الكافي وغيره أما على ما في الكافي فظاهر الحسن
وأما على ما في غيره ; فلأنه يشترط أن يكون متطهرا بطهارة الاغتسال في اليوم لا قبله ، ولو عرفة وجامع ثم اغتسل ينوب عن الكل كذا في معراج الدراية ثم في البدائع يجوز أن يكون غسل اتفق يوم الجمعة ويوم العيد أو عرفة على هذا الاختلاف أيضا يعني أن يكون للوقوف أو لليوم كما في الجمعة قال ابن أمير حاج والظاهر أنه للوقوف ، وما أظن أحدا ذهب إلى استنانه ليوم عرفة من غير حضور عرفات وفي المنبع شرح المجمع ، فإن قلت هل يتأتى هذا الاختلاف في غسل العيد أيضا قلت يحتمل ذلك ولكني ما ظفرت به ا هـ .
قلت والظاهر أنه للصلاة أيضا ، ويشهد له ما صح في موطإ عن مالك أن نافع كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو ا هـ . عبد الله بن عمر
وعبارة المجمع أولى من عبارة المصنف حيث قال : وفي عرفة ليبين أنه لا ينال السنة إلا إذا اغتسل في نفس الجبل بخلاف عبارة المصنف ، فإنها صادقة بما إذا اغتسل خارجه لأجله ثم دخله . .
[ ص: 66 - 67 ]