5200 ص: فإن قال قائل: إن الذي ذكرتموه من سلب أبي جهل، وما ذكرتموه في إنما كان ذلك في يوم عبادة بدر قبل أن تجعل الأسلاب للقاتلين، ثم جعل رسول الله -عليه السلام- يوم حنين الأسلاب للقاتلين، فقال: من قتل قتيلا فله سلبه، فنسخ ذلك ما تقدمه.
[ ص: 267 ] قيل له: ما دل ما ذكرت على نسخ شيء مما تقدمه؛ لأن ذلك القول الذي كان من رسول الله -عليه السلام- يوم حنين قد يجوز أن يكون أراد به من قتل قتيلا في [تلك] الحرب لا غير ذلك؛ كما قال يوم فتح مكة شرفها الله تعالى: "من ألقى سلاحه فهو آمن" فلم يكن ذلك على كل من ألقى سلاحه في غير تلك الحرب، ولما ثبت أن الحكم كان قبل يوم حنين أن الأسلاب لا تجب للقاتلين، ثم حدث في يوم حنين هذا القول من رسول الله -عليه السلام-؛ فاحتمل أن يكون ناسخا لما تقدم، واحتمل أن لا يكون ناسخا له؛ لم نجعله ناسخا له حتى نعلم ذلك يقينا، ومما قد دل أيضا على أن ذلك القول ليس بناسخ لما كان قبله من الحكم:
أن حدثنا، قال: ثنا يونس ، عن سفيان ، عن أيوب ، عن ابن سيرين أن أنس بن مالك، البراء بن مالك أخا أنس بن مالك ، بارز مرزبان الزارة فطعنه طعنة فكسر القربوس وخلص إليه فقتله فقوم سلبه ثلاثين ألفا، فلما صلينا الصبح غدا علينا ، -رضي الله عنه- فقال عمر لأبي طلحة: : إنا كنا لا نخمس الأسلاب وإن سلب البراء قد بلغ مالا، ولا أرانا إلا خامسيه. فقومنا ثلاثين ألفا فدفعنا إلى عمر -رضي الله عنه- ستة آلاف".
فهذا عمر -رضي الله عنه- يقول: ثم خمس سلب "إنا كنا لا نخمس الأسلاب" البراء، . فدل ذلك أنهم كانوا لا يخمسون ولهم أن يخمسوا، وأن الأسلاب لا تجب للقاتلين دون أهل العسكر، وقد حضر عمر -رضي الله عنه- ما كان من قول رسول الله -عليه السلام- يوم حنين: . فلم يكن ذلك عنده على كل من قتل قتيلا في [تلك] الحرب خاصة. وقد كان "من قتل قتيلا فله سلبه" -رضي الله عنه- حضر ذلك أيضا أبو طلحة بحنين وقضى له رسول الله -عليه السلام- بأسلاب القتلى الذين قتلهم فلم يكن ذلك عنده موجبا لخلاف ما أراد عمر -رضي الله عنه- في سلب المرزبان، وقد كان أنس بن مالك -رضي الله عنه- حاضرا ذلك أيضا من رسول الله -عليه السلام- بحنين، ومن عمر -رضي الله عنه- في يوم البراء، ، فكان ذلك عنده على ما رأى عمر ، -رضي الله عنه- لا على خلاف ذلك.
[ ص: 268 ] فهؤلاء أصحاب رسول الله -عليه السلام- لم يجعلوا قول رسول الله -عليه السلام- يوم حنين: على النسخ للحكم المتقدم لذلك في يوم "من قتل قتيلا فله سلبه" بدر.