3 - باب شبه العمد الذي لا قود فيه ، ما هو ؟
5030 - حدثنا علي بن شيبة ، قال : ثنا ، قال : ثنا يحيى بن يحيى ، عن هشيم ، عن خالد الحذاء قاسم بن ربيعة بن جوشن ، عن عقبة بن أوس السدوسي ، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوم فتح [ ص: 186 ] مكة ، فقال في خطبته : ألا إن قتيل خطأ العمد بالسوط والعصا والحجر ، فيه دية مغلظة : مائة من الإبل : منها أربعون خلفة في بطونها أولادها .
قال : فذهب قوم إلى هذا الحديث ، فقالوا : لا قود على من قتل رجلا بعصا أو حجر . أبو جعفر
وممن قال بذلك رضي الله عنه . أبو حنيفة
وخالفهم في ذلك آخرون منهم أبو يوسف رحمة الله عليهما ، فقالوا : إذا كانت الخشبة مثلها يقتل ، فعلى القاتل بها القصاص ، وذلك عمد . ومحمد
وإن كان مثلها لا يقتل ففي ذلك الدية ، وذلك شبه العمد .
وقالوا : ليس فيما احتج به علينا أهل المقالة الأولى من قول النبي صلى الله عليه وسلم : ألا إن قتيل خطأ العمد بالسوط والعصا والحجر فيه مائة من الإبل دليل على ما قالوا ؛ لأنه قد يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أراد بذلك العصا التي لا تقتل مثلها ، التي هي كالسوط الذي لا يقتل مثله .
فإن كان أراد ذلك فهو الذي قلنا ، وإن لم يكن أراد ذلك وأراد ما قلتم أنتم فقد تركنا الحديث وخالفناه .
فنحن بعد لم نثبت خلافنا لهذا الحديث ؛ إذ كنا نقول : إن من العصا ما إذا قتل به لم يجب به على القاتل قود .
وهذا المعنى الذي حملنا عليه معنى هذا الحديث أولى مما حمله عليه أهل المقالة الأولى ؛ لأن ما حملناه عليه لا يضاد حديث أنس رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في إيجابه القود على اليهودي الذي رضخ رأس الجارية بحجر .
وما حمله عليه أهل المقالة الأولى يضاد ذلك وينفيه .
ولأن يحمل الحديث على ما يوافق بعضه بعضا أولى من أن يحمل على ما يضاد بعضه بعضا .
فإن قال قائل : فأنت قد قلت : إن حديث أنس رضي الله عنه هذا منسوخ في الباب الأول ، فكيف أثبت العمل به هاهنا ؟ قيل له : لم نقل : إن حديث أنس رضي الله عنه هذا منسوخ من جهة ما ذكرت ، وقد ثبت وجوب القود والقتل بالحجر في حديث أنس .
وإنما قلت : إن القصاص بالحجر قد يجوز أن يكون منسوخا لما قد ذكرت من الحجة في ذلك .
فحديث أنس رضي الله عنه في إيجاب القود عندنا غير منسوخ .
وفي كيفية القود الواجب قد يحتمل أن يكون منسوخا على ما فسرنا وبينا في الباب الذي قبل هذا الباب .
فكان من الحجة للذين قالوا : إن القتل بالحجر لا يوجب القود في دفع حديث أنس رضي الله عنه ، [ ص: 187 ] أنه قد يحتمل أن يكون ما أوجب النبي صلى الله عليه وسلم من القتل في ذلك حقا لله عز وجل ، وجعل اليهودي كقاطع الطريق الذي يكون ما وجب عليه حدا من حدود الله عز وجل .
فإن كان ذلك كذلك فإن قاطع الطريق إذا قتل بحجر أو بعصا وجب عليه القتل في قول الذي يزعم أنه لا قود على من قتل بعصا ، وقد قال بهذا القول جماعة من أهل النظر .
وقد قال رضي الله عنه في الخناق : ( إن عليه الدية ، وأنه لا يقتل إلا أن يفعل ذلك غير مرة فيقتل ، ويكون ذلك حدا من حدود الله عز وجل ) . أبو حنيفة
فقد يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قتل اليهودي على ما في حديث أنس رضي الله عنه ؛ لأنه وجب عليه القتل لله عز وجل كما يجب على قاطع الطريق .
فإن كان ذلك كذلك ، فإن رضي الله عنه يقول : كل من قطع الطريق فقتل بعصا أو حجر أو فعل ذلك في المصر يكون حكمه فيما فعل حكم قاطع الطريق ، وكذلك الخناق الذي قد فعل ذلك غير مرة أنه يقتل . أبا حنيفة
وقد كان ينبغي في القياس على قوله : أن يكون يجب على من فعل ذلك مرة واحدة القتل ، ويكون ذلك حدا من حدود الله عز وجل ، كما يجب إذا فعله مرارا ؛ لأنا رأينا الحدود يوجبها انتهاك الحرمة مرة واحدة ، ثم لا يجب على من انتهك تلك الحرمة ثانية إلا ما وجب عليه في انتهاكها في البدء .
فكان النظر فيما وصفنا أن يكون الجاني الخناق كذلك أيضا ، وأن يكون حكمه في أول مرة هو حكمه في آخر مرة ، هذا هو النظر في هذا الباب .
وفي ثبوت ما ذكرنا ما يرفع أن يكون في حديث أنس رضي الله عنه حجة على من يقول : ( من قتل رجلا بحجر فلا قود عليه ) .