وإذا فعليهما معا القود يقطع أصبع هذا وكف قاطع الكف ويد الرجل من المرفق ، ثم يقتلان ، وسواء قطعا من يد واحدة أو قطعاها من يدين مفترقتين سواء وسواء كان ذلك بحضرة قطع الأول أو بعده بساعة أو أكثر ما لم تذهب الجناية الأولى بالبرء ; لأن باقي ألمها واصل إلى الجسد كله ولو جاز أن يقال : ذهبت الجناية الأولى حين كانت الجناية الآخرة قاطعة باقي المفصل الذي يتصل به وأعظم منها جاز إذا قطع الرجل أصبع الرجل ، ثم جاء آخر فقطع كفه أو قطع الرجل يد الرجل من مفصل الكوع ، ثم قطعها آخر من المرفق ثم مات أن يقال لا يقاد من صاحب الموضحة بالنفس ; لأن ألم الجراح الكثيرة قد عم البدن قبل الموضحة أو بعدها ومن أجاز أن يقتل اثنان بواحد لكان الألم يأتي على بعض البدن دون بعض حتى يكون رجلان لو قطع رجل يدي رجل ورجليه وشجه آخر موضحة فمات لم يقد منهما في النفس ; لأن ألم كل واحدة منها في شق يده الذي قطع ولكن الألم يخلص من القليل والكثير ويخلص إلى البدن كله فيكون من قتل اثنين بواحد يحكم في كل واحد منهما في القود حكمه على قاتل النفس منفردا فإذا أخذ العقل حكم على كل من جنى عليه جناية صغيرة أو كبيرة على العدد من عقل النفس كأنهم قطع كل واحد منهما يد رجل معا فمات فعلى كل واحد منهم عشر الدية . فإن قال قائل : أرأيت قول الله عز وجل { عشرة جنوا على رجل فمات كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر } هل فيه دلالة على أن لا يقتل حران بحر ولا رجل بامرأة ؟ قيل له : لم نعلم مخالفا في أن الرجل يقتل بالمرأة فإذا لم يختلف أحد في هذا ففيه دلالة على أن الآية خاصة .
فإن قال قائل : فيم نزلت ؟ قيل : أخبرنا معاذ بن موسى عن بكير بن معروف عن قال : قال مقاتل بن حيان أخذت هذا التفسير من نفر حفظ منهم مقاتل مجاهد والضحاك والحسن قالوا قوله تعالى { كتب عليكم القصاص في القتلى } الآية ، قال : كان بدء ذلك في حيين من العرب اقتتلوا قبل الإسلام بقليل وكان لأحد الحيين فضل على الآخر فأقسموا بالله ليقتلن بالأنثى الذكر وبالعبد منهم الحر فلما نزلت هذه الآية رضوا وسلموا .
( قال ) وما أشبه ما قالوا من هذا بما قالوا ; لأن الله عز وجل إنما [ ص: 26 ] ألزم كل مذنب ذنبه ولم يجعل جرم أحد على غيره فقال { الشافعي الحر بالحر } إذا كان والله أعلم قاتلا له { والعبد بالعبد } إذا كان قاتلا له { والأنثى بالأنثى } إذا كانت قاتلة لها لا أن يقتل بأحد ممن لم يقتله لفضل المقتول على القاتل وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم { } ( قال أعتى الناس على الله من قتل غير قاتله ) وما وصفت من أنى لم أعلم مخالفا في أن يقتل الرجل بالمرأة دليل على أن لو كانت هذه الآية غير خاصة كما قال من وصفت قوله من أهل التفسير لم يقتل ذكر بأنثى ولم يجعل عوام من حفظت عنه من أهل العلم لا نعلم لهم مخالفا لهذا معناها ولم يقتل الذكر بالأنثى . الشافعي