الشهادات والإقرار في السرقة وقطع الطريق وغير ذلك
( قال ) رحمه الله : ولا يقام على سارق ولا محارب حد إلا بواحد من وجهين : إما شاهدان عدلان يشهدان عليه بما في مثله الحد ، وإما باعتراف يثبت عليه حتى يقام عليه الحد ، وعلى الإمام أن يقف الشاهدين في السرقة حتى يقولا سرق فلان " ويثبتاه بعينه ، وإن لم يثبتاه باسمه ونسبه " متاعا لهذا يسوى ربع دينار وحضر المسروق منه يدعي ما قال الشاهدان فإن كذب الشاهدين لم يقطع السارق وإن لم يحضر حبس السارق حتى يحضر فيدعي أو يكذب الشاهدين . وإذا ادعى مرة كفاه ما لم يرجع بعدها . فإذا لم يعرفا القيمة شهدا على المتاع بعينه أو صفة يثبتانها أنها أكثر ثمنا من ربع دينار ويقولان سرق من حرز ويصفان الحرز لا يقبل منهما غير صفته ; لأنه قد يكون عندهما حرزا . وليس عند العلماء بحرز فإذا اجتمع هذا أقيم عليه الحد ، وكذلك يشهد الشاهدان على قطاع الطريق بأعيانهم وإن لم يسموا أسماءهم وأنسابهم أنهم عرضوا بالسلاح لهؤلاء أو لهذا بعينه وأخافوه بالسلاح ونالوه به ثم فعلوا ما فيه حد . فإن شهدوا على أخذ المتاع شهدوا كما يشهد شهود السارق على متاع بعينه أو بقيمته أو بصفته كما وصفت في شهادة السارق ، ويحضر أهل المتاع وأولياء المقتول وإن الشافعي لم تجز شهادتهما ; لأنهما خصمان ويسعهما أن يشهدا أن هؤلاء عرضوا لهؤلاء ففعلوا وفعلوا ونحن ننظر وليس على الإمام عندي أن يقفهم فيسألهم هل كنتم فيهم ; لأن أكثر الشهادة عليهم هكذا ، فإن شهدوا أن هؤلاء عرضوا ففعل بعضهم لا يثبت أيهم فعل من أيهم لم يفعل لم يحدوا بهذه الشهادة حتى يثبت الفعل على فاعل بعينه ، وكذلك السرقة ( قال شهد شاهدان من أهل رفقته أن هؤلاء عرضوا لنا فنالونا وأخذوا منا أو من بعضنا ) رحمه الله : ولا يجوز في الحدود الشافعي ولا يقبل في السرقة ولا قطع الطريق أقل من شاهدين ولا يقبل فيه شاهد ويمين ، وكذلك حتى يبينوا الجارح والقاتل وآخذ المتاع بأعيانهم . فإن شهادة النساء حلف مع شاهده وأخذ سرقته بعينها أو قيمتها يوم سرقت إن فاتت ; لأن هذا مال يستحقه ولم يقطع السارق ، وإن لم يوجد شاهدان فجاء رب السرقة بشاهد أخذ سرقته بعينها أو قيمتها يوم سرقها فإن هذا مال وتجوز شهادة النساء فيه ولا يختلف ، وهكذا يفعل من طلب قطاع الطريق بكل مال أخذوه وإن جاء بشاهد وامرأتين لم يقسم في الجراح وأحلف [ ص: 166 ] المدعى عليه وبرئ وإن طلب جرحا يقتص منه وجاء بشاهد أحلف مع شاهده وأخذ الأرش ، وإن طلب جرحا لا قصاص فيه وجاء بشاهد أحلف مع شاهده وأخذ السرقة أو قيمتها إن لم توجد . جاء بشاهد على سرقته من حرز أو غير حرز
ولا يقطع أحد بشاهد ويمين ولا يقتص منه من جرح ولا بشاهد وامرأتين وإن قطع " قال أقر السارق بالسرقة ووصفها وقيمتها وكانت مما يقطع به الربيع " يقطع إلا أن يرجع فلا يقطع ، وتؤخذ منه قيمة السلعة التي أتلف على ما أقر به أولا ( قال ) رحمه الله : وقاطع الطريق كذلك ولو الشافعي فيكفي كل واحد منهما الإقرار مرة ويلزم كل واحد منهما ما أقر به على ما أقر به فيحدان معا حدهما ويقتص ممن عليه القصاص منهما ويغرم كل واحد منهما ما يلزمه كما يفعل به لو قامت به عليه بينة عادلة . فإن أقرا بقتل فلان وجرح فلان وأخذ مال فلان أو بعض ذلك لم يقم عليهما حد القطع ولا القتل ولا الصلب بقطع الطريق ولزمهما حقوق الناس ، وأغرم السارق قيمة ما سرق وأغرم قاطع الطريق قيمة ما أقر أنه أخذ لأصحابه ، وإن أقرا بما وصفت ثم رجعا قبل أن يقام عليهما الحد دفع إلى وليه فإن شاء قتله وإن شاء أخذ منه الدية وإن شاء عفا عنه ; لأنه ليس بالحد يقتل إنما يقتل باعتراف قد رجع عنه ولو ثبت على الاعتراف قتل ولم يحقن دمه عفو الولي عنه وإن كان كان في إقراره أنه قتل فلانا اقتص منه وإن كان لا يقتص منه أخذ أرشه من ماله ، ولو أقر بجرح وكان يقتص منه أخذ من ماله لا تعقل منه عاقلته عنه اعترافا ، ولو قال أصبته بذلك الجرح خطأ كف عن قطع ما بقي من يده إلا أن يأمر هو بها على أنه لا يصلحه إلا ذلك فإن شاء من أمره قطعه وإن شاء فلا ، هو حينئذ يقطع على العيب . ولو قطعت بعض يد السارق بالإقرار ثم رجع لم تقطع رجله إذا كان لا يقام عليه إلا باعترافه إلا أن تثبت بينة عليه فسواء تقدم رجوعه أو تأخر أو وجد ألما للحد خوفا منه أو لم يجده وتؤخذ منهما حقوق الناس كما وصفت قبل هذه المسألة . قطعت يد المعترف بقطع الطريق ثم رجع
( قال ) ذكر الله تبارك وتعالى حد استتابة المحارب فقال عز وجل { الشافعي إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم } فمن فاختلف أصحابنا فيه فقال : بعضهم كل ما كان لله عز وجل من حد يسقط فلا يقطع وكل ما كان للآدميين لم يبطل يجرح بالجرح ويؤخذ منه أرشه إن لم يكن فيه قصاص ويؤخذ منه قيمة ما أخذ وإن قتل دفع إلى أولياء القتيل فإن شاءوا قتلوا وإن شاءوا عفوا ولا يصلب . وإن عفا جاز العفو ; لأنه إنما يصير قصاصا لا حدا . وبهذا أقول . وقال بعضهم : يسقط عنه ما لله عز وجل وللناس كله إلا أن يوجد عنده متاع رجل بعينه فيدفعه إليه ( قال أخاف في المحاربة الطريق وفعل فيها ما وصفت من قتل أو جرح وأخذ مال أو بعضه ) - والله أعلم - السارق مثله قياسا عليه فيسقط عنه القطع ويؤخذ بغرم ما سرق ، وإن فات ما سرق . . الشافعي