( قال ) رحمه الله قال الله تعالى { الشافعي وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين } فأمر الله تعالى جده أن يصلح بينهم بالعدل ولم يذكر تباعة في دم ولا مال ، وإنما ذكر الصلح آخرا كما ذكر الإصلاح بينهم أولا قبل الإذن بقتالهم ; فأشبه هذا أن تكون التبعات في الدماء والجراح وما تلف من الأموال ساقطة بينهم ، وكما قال عندنا قد كانت في تلك الفتنة دماء يعرف في بعضها القاتل والمقتول وأتلفت فيها أموال ثم صار الناس إلى أن سكنت الحرب بينهم وجرى الحكم عليهم فما علمته اقتص من أحد ولا أغرم مالا أتلفه . ابن شهاب
( قال ) رحمه الله : وما علمت الناس اختلفوا في أن ما حووا في البغي من مال فوجد بعينه أن صاحبه أحق به . الشافعي
( قال ) وأهل الردة بعد النبي صلى الله عليه وسلم ضربان فمنهم قوم كفروا بعد إسلامهم مثل طليحة ومسيلمة والعنسي وأصحابهم ومنهم قوم تمسكوا بالإسلام ومنعوا الصدقات ولهم لسان عربي والردة ارتداد عما كانوا عليه بالكفر وارتداد بمنع حق كانوا عليه ، وقول عمر لأبي بكر رضي الله عنهما أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { } وقول أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله ؟ هذا من حقها لو منعوني عناقا مما أعطوه النبي صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليها معرفة منهما معا أن ممن قاتلوا من تمسك بالإسلام ولولا ذلك لما شك أبي بكر في قتالهم ولقال عمر قد تركوا لا إله إلا الله فصاروا مشركين وذلك بين في مخاطبتهم جيوش أبو بكر أبي بكر وأشعار من قال الشعر منهم فقال شاعرهم :
ألا أصبحينا قبل نائرة الفجر لعل منايانا قريب وما ندري أطعنا رسول الله ما كان بيننا
فيا عجبا ما بال ملك أبي بكر فإن الذي سألوكم فمنعتم
لكالتمر أو أحلى إليهم من التمر سنمنعهم ما كان فينا بقية
كرام على العزاء في ساعة العسر
( قال ) رحمه الله ففي هذا دلالة على أن من الشافعي قاتله ، وإن أتى القتال على نفسه وفي هذا المعنى كل حق لرجل على رجل فمنعه بجماعة وقال : لا أؤدي ولا أبدؤكم بقتال قوتل ، وكذا قال : من منع الصدقة ممن نسب إلى الردة فإذا لم يختلف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في قتالهم بمنع الزكاة فالباغي الذي يقاتل الإمام العادل في مثل معناهم في أنه لا يعطي الإمام العادل حقا يجب عليه ويمتنع من حكمه ويزيد على مانع الصدقة أن يريد أن يحكم هو على الإمام العادل ، ولو أن منع حقا مما فرض الله عليه فلم يقدر الإمام على أخذه بامتناعه [ ص: 364 ] في هذه الحال متأولين ثم ظهر عليهم أقيمت عليهم الحدود وأخذت منهم الحقوق كما تؤخذ من غير المتأولين وإذا نفرا يسيرا قليلي العدد ويعرف أن مثلهم لا يمتنع إذا أريدوا فأظهروا آراءهم ونابذوا الإمام العادل وقالوا : نمتنع من الحكم فأصابوا أموالا ودماء وحددوا فهذه الفئة الباغية التي تفارق حكم من ذكرنا قبلها . كانت لأهل البغي جماعة تكبر ويمتنع مثلها بموضعها الذي هي به بعض الامتناع حتى يعرف أن مثلها لا ينال إلا حتى تكثر نكايته واعتقدت ونصبت إماما وأظهرت حكما وامتنعت من حكم الإمام العادل
فإن فعلوا مثل هذا فينبغي أن يسألوا ما نقموا فإن ذكروا مظلمة بينة ردت وإن لم يذكروها بينة قيل : عودوا لما فارقتم من طاعة الإمام العادل وأن تكون كلمتكم وكلمة أهل دين الله على المشركين واحدة وأن لا تمتنعوا من الحكم فإن فعلوا قبل منهم وإن امتنعوا قيل : إنا مؤذنوكم بحرب ، فإن لم يجيبوا قوتلوا ولا يقاتلوا حتى يدعوا ويناظروا إلا أن يمتنعوا من المناظرة فيقاتلوا حتى يفيئوا إلى أمر الله .
( قال ) والفيئة الرجوع عن القتال بالهزيمة أو الترك للقتال أي حال تركوا فيها القتال فقد فاءوا وحرم قتالهم ; لأنه أمر أن يقاتل وإنما يقاتل من يقاتل فإذا لم يقاتل حرم بالإسلام أن يقاتل فأما من لم يقاتل فإنما يقال : اقتلوه لا قاتلوه . الشافعي
نادى منادي رضي الله عنه يوم الجمل ألا لا يتبع مدبر ولا يذفف على جريح وأتى علي رضي الله عنه يوم علي صفين بأسير فقال له لا أقتلك صبرا إني أخاف الله رب العالمين فخلى سبيله والحرب يوم صفين قائمة علي يقاتل جادا في أيامه كلها منتصفا أو مستعليا فبهذا كله أقول ، وأما إذا لم تكن جماعة ممتنعة فحكمه القصاص قتل ومعاوية ابن ملجم متأولا فأمر بحبسه ، وقال لولده : إن قتلتم فلا تمثلوا ورأى عليه القتل وقتله عليا الحسن بن علي رضي الله عنه وفي الناس بقية من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فما أنكر قتله ولا عابه أحد ولم يقد - وقد ولي قتال المتأولين - ولا علي أبو بكر من قتله الجماعة الممتنع مثلها على التأويل على ما وصفنا ولا على الكفر وإن كان بارتداد إذا تابوا قد قتل طليحة عكاشة بن محصن وثابت بن أقرم ثم أسلم فلم يضمن عقلا ولا قودا فأما فحكمهم حكم قطاع الطريق . جماعة ممتنعة غير متأولين قتلت وأخذت المال
( قال ) رحمه الله هذا خلاف قوله في قتال أهل الردة ; لأنه ألزمهم هناك ما وضع عنهم ههنا وهذا أشبه عندي بالقياس . المزني
( قال ) رحمه الله : ولو أن الشافعي الخوارج وتجنبوا الجماعات وأكفروهم لم يحل بذلك قتالهم . بلغنا أن قوما أظهروا رأي رضي الله عنه سمع رجلا يقول : لا حكم إلا لله في ناحية المسجد ، فقال عليا رضي الله عنه : كلمة حق أريد بها باطل لكم علينا ثلاث لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا ولا نبدؤكم بقتال . علي
( قال ) رحمه الله : ولو الشافعي كان عليهم في ذلك القصاص قد سلموا وأطاعوا واليا عليهم من قبل قتلوا واليهم أو غيره قبل أن ينصبوا إماما أو يظهروا حكما مخالفا لحكم الإمام ثم قتلوه فأرسل إليهم علي رضي الله عنه أن ادفعوا إلينا قاتله نقتله به ، قالوا : كلنا قتله ، قال : فاستسلموا نحكم عليكم قالوا : لا ، فسار إليهم فقاتلهم فأصاب أكثرهم . علي
( قال ) رحمه الله : وإذا قاتلت امرأة منهم أو عبد أو غلام مراهق قوتلوا مقبلين وتركوا مولين ; لأنهم منهم ويختلفون في الإسار ، ولو أسر بالغ من الرجال الأحرار فحبس ليبايع رجوت أن يسع ولا يسع أن يحبس مملوك ولا غير بالغ من الأحرار ولا امرأة لتبايع ، وإنما يبايع النساء على الإسلام فأما على الطاعة فهن لا جهاد عليهن فأما إذا انقضت الحرب فلا يحبس أسيرهم وإن سألوا أن ينظروا لم أر بأسا على ما يرجو الإمام منهم وإن خاف على الفئة العادلة الضعف عنهم رأيت تأخيرهم إلى أن تمكنه القوة عليهم . الشافعي