( ولا ينعقد ) ( واحد ) يعتد بقوله عند الإمام الإجماع ( مع مخالفة ) مجتهد رضي الله عنه وأصحابه . والأكثر لأنه لا يسمى إجماعا مع المخالفة ; لأن الدليل لم ينهض إلا في كل الأمة ; لأن " المؤمن " لفظ عام ، والأمة موضوعة للكل ; ولأن من الجائز إصابة الأقل وخطأ الأكثر ، كما كشف الوحي عن إصابة أحمد في أسرى عمر بدر ، وكما انكشف الحال عن إصابة في أمر الردة . وقيل : ينعقد حتى مع مخالفة [ ص: 230 ] اثنين . اختاره أبي بكر ابن جرير الطبري الحنفي وأبو بكر الرازي وابن حمدان من أصحابنا في المقنع ، وبعض المالكية وبعض المعتزلة . وإليه ميل في المحيط . وقيل : إن هذا في غير أصول الدين . أما فيها فلا ينعقد مع مخالفة أحد . وقيل : هو مع المخالفة حجة ، لا إجماع . اختاره أبي محمد الجويني وغيره ( وتعتبر مخالفة من صار أهلا قبل انقراض العصر ) أي : عصر المجمعين ; لأن انقراض العصر معتبر لصحة الإجماع . وهذا مبني على ذلك . قال في شرح التحرير : والصحيح ، وعليه الأكثر : أنه مبني على انقراض العصر ، فمن اشترط لصحة الإجماع انقراض العصر قبل الاختلاف - وهو الأصح ، كما يأتي الجزم بذلك في المتن - قال : هذا ليس بإجماع إن خالف . ومن قال : لا يشترط انقراض العصر قال : الإجماع انعقد ، ولا اعتبار بمخالفة من صار من أهل الإجماع بعد ذلك ، وعلى اعتبار انقراض العصر ( ولو ) كان الذي صار أهلا ( تابعيا مع ) إجماع ( الصحابة ) قبل أن يصير التابعي أهلا للاجتهاد ، ثم صار أهلا قبل انقراض عصر الصحابة المجمعين وخالفهم ; لأنه لا إجماع للصحابة مع مخالفة تابعي مجتهد عند الإمام ابن الحاجب رضي الله عنه والقاضي أحمد ، أبي يعلى ، وأبي الخطاب وابن عقيل ، وأكثر الفقهاء والموفق والمتكلمين منهم ، أكثر الحنفية والشافعية والمالكية . لأنه مجتهد من الأمة . فلا ينهض الدليل بدونه ، ولأن الصحابة سوغوا اجتهاد التابعين وفتواهم معهم في الوقائع الحادثة في زمانهم ، فكان يفتي في سعيد بن المسيب المدينة وفيها خلق من الصحابة ، وشريح بالكوفة وفيها أمير المؤمنين رضي الله عنه ، وحكم عليه في خصومة عرضت له عنده ، على خلاف رأي علي بن أبي طالب ، ولم ينكر عليه ، وكذا علي الحسن البصري وغيرهم كانوا يفتون بآرائهم زمن الصحابة من غير نظر أنهم أجمعوا أو لا ، ولو لم يعتبر قولهم في الإجماع معهم لسألوا قبل إقدامهم على الفتوى : هل أجمعوا أم لا ؟ لكنهم لم يسألوا ، فدل على اعتبار قولهم معهم مطلقا ، وسئل رضي الله عنه عن مسألة ، فقال " سلوا مولانا أنس الحسن . فإنه غاب وحضرنا ، [ ص: 231 ] وحفظ ونسينا " فقد سوغوا اجتهادهم ، ولولا صحته واعتباره لما سوغوه ، وإذا اعتبر قولهم في الاجتهاد فليعتبر في الإجماع ; إذ لا يجوز مع تسويغ الاجتهاد ترك الاعتداد بقولهم وفاقا . والأدلة السابقة تتناولهم . واختصاص الصحابة بالأوصاف الشريفة لا يمنع من الاعتداد بذلك . وعند رواية أخرى : أن اتفاق الصحابة مع مخالفة التابعين يكون إجماعا . واختاره أحمد الخلال والحلواني أيضا في بعض كتبه ، فيكون له اختياران . ووجه ذلك : أن الصحابة شاهدوا التنزيل . فهم أعلم بالتأويل . فالتابعون معهم كالعامة مع العلماء . ولذلك قدم تفسيرهم . وأنكرت والقاضي عائشة على لما خالف أبي سلمة في عدة المتوفى عنها . وزجرته بقولها " أراك كالفروج يصيح بين الديكة " ولو كان قوله معتبرا لما أنكرته . ورد ذلك بأن كونهم أعلم لا ينفي اعتبار اجتهاد المجتهد ، وكونهم معهم كالعامة مع العلماء تهجم ممنوع . والصحبة لا توجب الاختصاص ، وإنكار ابن عباس عائشة إما لأنها لم تره مجتهدا ، أو لتركه التأدب مع حال المناظرة من رفع صوت ونحوه . ابن عباس
وقولها " يصيح " يشعر به . والله أعلم . وكونه لا إجماع للصحابة مع مخالفة مجتهد تابعي كذلك لا إجماع للتابعين مع مخالفة مجتهد من تابع التابعين . وإلى ذلك أشير بقوله ( أو تابعه ) أي تابع التابعي ( مع التابعين ) لأنه إذا لم ينعقد إجماع الصحابة مع مخالفة مجتهد تابعي ، فلأن لا ينعقد إجماع التابعين مع مخالفة مجتهد من تابعي التابعين من باب أولى ، لكن ( لا ) يشترط لصحة الإجماع أن من لم يكن أهلا عند انعقاده ( موافقته ) على ما أجمعوا عليه إذا صار أهلا قبل انقراض عصر المجمعين . قال الشيخ تقي الدين : والضابط أن اللاحق إما أن يتأهل قبل الانقراض أو بعده ، وعلى الأول : فإما أن يوافق أو يخالف أو يسكت . قلت : سر المسألة أن المدرك لا يعتبر وفاقه ، بل يعتبر عدم خلافه إذا قلنا به انتهى