فصل : 
فلنرجع إلى فتاوى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر طرف من فتاويه في الأطعمة . 
[ فتاوى في الأطعمة ] { وسئل صلى الله عليه وسلم عن الثوم    : أحرام هو ؟ قال لا ، ولكني أكرهه من أجل رائحته   } ذكره  مسلم    . 
{ وسأله صلى الله عليه وسلم  أبو أيوب    : هل يحل لنا البصل  ؟ فقال بلى ، ولكني يغشاني ما لا يغشاكم   } ذكره  أحمد    . 
{ وسئل صلى الله عليه وسلم عن الضب  ، أحرام هو ؟ فقال لا ، ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه   } متفق عليه . 
 [ ص: 289 ]   { وسئل صلى الله عليه وسلم عن السمن والجبن والفرا  ، فقال الحلال ما أحله الله في كتابه ، والحرام ما حرمه الله في كتابه ، وما سكت عنه فهو مما عفا عنه   } ذكره  ابن ماجه    . 
{ وسئل صلى الله عليه وسلم عن الضبع  ، فقال أويأكل الضبع أحد ؟   } . 
{ وسئل صلى الله عليه وسلم عن الذئب  ، فقال أو يأكل الذئب أحد فيه خير ؟   } ذكره الترمذي  ، وعند  ابن ماجه  قال : قلت {   : يا رسول الله ما تقول في الضبع ؟ قال : ومن يأكل الضبع ؟   } وإن صح حديث  جابر  في إباحة الضبع فإن في القلب منه شيئا ، كان هذا الحديث يدل على ترك أكله تقذرا أو تنزها ، والله أعلم . 
{ وسألته صلى الله عليه وسلم  عائشة  رضي الله عنها فقالت : إن قوما يأتوننا باللحم لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا ؟  ، فقال سموا أنتم وكلوا   } ذكره  البخاري    . 
{ وسأله صلى الله عليه وسلم رجل فقال : أنأكل ما قتلنا ولا نأكل مما قتل الله  ؟ فأنزل الله : { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه    }   } إلى آخر الآية ، هكذا ذكره أبو داود  ، وأن الذي سأل هذا السؤال هم اليهود  ، والمشهور في هذه القصة أن المشركين هم الذين أوردوا هذا السؤال ، وهو الصحيح ، ويدل عليه كون السورة مكية ، وكون اليهود  يحرمون الميتة كما يحرمها المسلمون ، فكيف يوردون هذا السؤال وهم يوافقون على هذا الحكم ؟ ويدل عليه أيضا قوله : { وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم    } فهذا سؤال مجادل في ذلك ، واليهود  لم تكن تجادل في هذا ، وقد رواه الترمذي  بلفظ ظاهره أن بعض المسلمين سأل هذا السؤال ، ولفظه { أتى ناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله ، أنأكل مما نقتل ولا نأكل مما قتل الله ؟ فأنزل الله تعالى : { فكلوا مما ذكر اسم الله عليه    } إلى قوله : { وإن أطعتموهم إنكم لمشركون    }   } وهذا لا يناقض كون المشركين هم الذين أوردوا هذا السؤال ; فسأل عنه المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أحسب قوله { إن اليهود  سألوا عن ذلك   } إلا وهما من أحد الرواة ، والله أعلم . 
{ وسأله صلى الله عليه وسلم رجل ، فقال : يا رسول الله إني إذا أصبت اللحم انتشرت للنساء ، وأخذتني شهوتي ، فحرمت علي اللحم  ، فأنزل الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا    }   } ذكره الترمذي    . 
{ وسأله صلى الله عليه وسلم  أبو ثعلبة الخشني  رضي الله عنه فقال : إن أرضنا أرض أهل كتاب ، وإنهم يأكلون لحم الخنزير ويشربون الخمر ، فكيف نصنع بآنيتهم وقدورهم  ؟ فقال صلى الله عليه وسلم :  [ ص: 290 ] إن لم تجدوا غيرها فارحضوها واطبخوا فيها واشربوا قال : قلت : يا رسول الله ما يحل لنا وما يحرم علينا ؟ قال : لا تأكلوا لحم الحمر الإنسية ، ولا يحل أكل كل ذي ناب من السباع   } ذكره  أحمد  ، وقد ثبت عنه في صحيح  مسلم  من حديث  أبي هريرة  أنه قال : { أكل كل ذي ناب من السباع حرام   } وهذان اللفظان يبطلان [ قول ] من تأول نهيه عن أكل كل ذي ناب من السباع بأنه نهي كراهة ; فإنه تأمل فاسد قطعا ، وبالله التوفيق . 
{ وسئل صلى الله عليه وسلم : أما تكون الذكاة إلا في الحلق واللبة ؟  فقال : لو طعنت في فخذها لأجزأ عنك   } ذكره أبو داود  ، وقال : هذا ذكاة المتردي  ، وقال  يزيد بن هارون    : هذا للضرورة ، وقيل : هو في غير المقدور عليه . 
{ وسئل صلى الله عليه وسلم عن الجنين يكون في بطن الناقة أو البقرة أو الشاة أنلقيه أم نأكله  ؟ فقال : كلوه إن شئتم ، فإن ذكاته ذكاة أمه   } ذكره  أحمد  وهذا يبطل تأويل من تأول الحديث أنه يذكى كما تذكى أمه ثم يؤكل ; فإنه أمرهم بأكله ، وأخبر أنه ذكاة أمه ذكاة له ، وهذا ; لأنه جزء من أجزائها ، فلم يحتج إلى أن يفرد بذبح كسائر أجزائها . 
{ وسأله صلى الله عليه وسلم  رافع بن خديج  فقال : إنا لاقو العدو غدا ، وليست معنا مدى ، أفتذكى بالليطة  ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل ، إلا ما كان من سن أو ظفر ، فإن السن عظم ، والظفر مدى الحبشة    } متفق عليه ، والليطة : الفلقة من القصب . 
{ وسأله صلى الله عليه وسلم  عدي بن حاتم  رضي الله عنه ، فقال : إن أحدنا ليصيب الصيد وليس معه سكين ، أيذبح بالمروة وشقة العصا  ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرر الدم واذكر اسم الله   } ذكره  أحمد    . 
{ وسئل صلى الله عليه وسلم عن شاة حل بها الموت ، فأخذت جارية حجرا فذبحتها به  ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأكلها ،   } ذكره  البخاري    . 
{ وسئل صلى الله عليه وسلم عن شاة نيب فيها الذئب ، فذبحوها بمروة  ، فرخص لهم في أكلها ،   } ذكره  النسائي    . 
{ وسئل صلى الله عليه وسلم عن أكل الحوت الذي جزر البحر عنه  ، فقال : كلوا رزقا أخرجه الله لكم ، وأطعمونا إن كان معكم   } متفق عليه . 
{ وسأله صلى الله عليه وسلم  أبو ثعلبة الخشني  ، فقال : إنا بأرض صيد ، أصيد بقوسي وبكلبي المعلم وبكلبي الذي ليس بمعلم ، فما يصلح لي ؟ فقال ما صدت بقوسك فذكرت اسم الله عليه فكل ، وما صدت بكلبك المعلم فذكرت اسم الله عليه فكل ، وما صدت بكلبك غير المعلم  [ ص: 291 ] فأدركت ذكاته فكل   } متفق عليه ، وهو صريح في اشتراط التسمية لحل الصيد  ، ودلالته على ذلك أصرح من دلالته على تحريم صيد غير المعلم    . 
{ وسأله صلى الله عليه وسلم  عدي بن حاتم  ، فقال : إني أرسل كلابي المعلمة فيمسكن علي واذكر اسم الله  ، فقال : إذا أرسلت كلبك المعلم ، وذكرت اسم الله فكل ما أمسك عليك قلت : وإن قتلن ؟ قال وإن قتلن ، ما لم يشركها كلب ليس منها قلت : فإني أرمي بالمعراض الصيد فأصيب ، فقال : إذا رميت بالمعراض فخزق فكله ، وإن أصابه بعرضه فلا تأكله   } متفق عليه . وفي بعض ألفاظ هذا الحديث : { إلا أن يأكل الكلب ، فإن أكل فلا تأكل ، فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه ، وإن خالطها كلاب من غيرها فلا تأكل ; فإنك إنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره   } . وفي بعض ألفاظه : { إذا أرسلت كلبك المكلب فاذكر اسم الله فإن أمسك عليك فأدركته حيا فاذبحه ، وإن أدركته قد قتل ، ولم يأكل منه فكله ; فإن أخذ الكلب ذكاته   } وفي بعض ألفاظه : { إذا رميت بسهمك فاذكر اسم الله   } وفيه { فإن غاب عنك اليومين أو الثلاثة ، ولم تجد فيه إلا أثر سهمك فكل إن شئت ، فإن وجدته غريقا في الماء فلا تأكل ; فإنك لا تدري الماء قتله أو سهمك   } . 
{ وسأله صلى الله عليه وسلم  أبو ثعلبة الخشني  فقال : يا رسول الله إن لي كلابا مكلبة فأفتني في صيدها  ، فقال : إن كانت لك كلاب مكلبة فكل مما أمسكت عليك فقال : يا رسول الله ذكي أو غير ذكي ؟ قال : ذكي وغير ذكي قال : وإن أكل منه ؟ قال : وإن أكل منه قال : يا رسول الله أفتني في قوسي ، قال : كل ما أمسكت عليك قوسك قال : ذكي وغير ذكي ؟ قال : ذكي وغير ذكي قال : وإن تغيب عني ؟ قال : وإن تغيب عنك ما لم يصل يعني يتغير أو تجد فيه أثرا غير أثر سهمك   } ذكره أبو داود    . 
ولا يناقض هذا قوله  لعدي بن حاتم    { وإن أكل منه فلا تأكل   } فإن حديث عدي  فيما أكل منه حال صيده ; إذ يكون ممسكا على نفسه ، وحديث  أبي ثعلبة  فيما أكل منه بعد ذلك ، فإنه يكون قد أمسك على صاحبه ثم أكل منه بعد ذلك ، وهذا لا يحرم كما لو أكل مما ذكاه صاحبه . 
{ وسئل صلى الله عليه وسلم عن الذي يدرك صيده بعد ثلاث  ، فقال : كله ما لم ينتن   } ذكره  مسلم    . 
 [ ص: 292 ]   { وسأله صلى الله عليه وسلم أهل بيت كانوا في الحرة  محتاجين ماتت عندهم ناقة لهم أو لغيرهم  ، فرخص لهم في أكلها فعصمتهم بقية شتائهم ،   } ذكره  أحمد    . وعند أبي داود    { أن رجلا نزل بالحرة  ومعه أهله وولده ، فقال له رجل : إن لي ناقة قد ضلت ; فإن وجدتها فأمسكها فوجدها فلم يجد صاحبها ، فمرضت ، فقالت امرأته : انحرها ، فأبى ، فنفقت ، فقالت : اسلخها حتى نقدد شحمها ولحمها نأكله ، فقال : حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتاه فسأله ، فقال له : هل عندك ما يغنيك ؟ قال : لا ، قال فكلوه قال : فجاء صاحبها فأخبره الخبر ، فقال : هلا كنت نحرتها ، قال : استحييت منك ، وفيه دليل على جواز إمساك الميتة للمضطر    } . 
{ وسأله صلى الله عليه وسلم رجل فقال : من الطعام طعام نتحرج منه ، فقال : لا يختلجن في نفسك شيء ضارعت فيه النصرانية   } ذكره  أحمد  ، ومعناه - والله أعلم - النهي عما شابه طعام النصارى  ، يقول : لا تشكن فيه ، بل دعه ، فأجابه بجواب عام ، وخص النصارى  دون اليهود    ; لأن النصارى  لا يحرمون شيئا من الأطعمة ، [ بل ] يبيحون ما دب ودرج من الفيل إلى البعوض . 
{ وسأله صلى الله عليه وسلم  عقبة بن عامر  فقال : إنك تبعثنا فننزل بقوم لا يقروننا ، فما ترى ؟ فقال إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا ، فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم   } ذكره  البخاري  ، وعند الترمذي  ، { إنا نمر بقوم فلا يضيفوننا ، ولا يؤدون ما لنا عليهم من الحق ، ولا نحن نأخذ منهم ، فقال : إن أبوا إلا أن تأخذوا قرى فخذوه   } ، وعند أبي داود    { ليلة الضيق  حق على كل مسلم ، فإن أصبح بفنائه محروما كان دينا عليه ، إن شاء اقتضاه ، وإن شاء تركه   } ، وعنده أيضا { من نزل بقوم فعليهم أن يقروه ، فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه   } . 
وهو دليل على وجوب الضيافة ، وعلى أخذ الإنسان نظير حقه ممن هو عليه إذا أبى دفعه ، وقد استدل به في مسألة الظفر ، ولا دليل فيه ; لظهور سبب الحق ههنا ، فلا يتهم الآخذ كما تقدم في قصة هند  مع  أبي سفيان    . 
{ وسأله صلى الله عليه وسلم  عوف بن مالك  فقال : الرجل أمر به فلا يقريني ولا يضيفني ، ثم يمر بي أفأجزيه ؟ قال : لا ، بل أقره قال : ورآني - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - رث الثياب ، فقال هل لك  [ ص: 293 ] من مال ؟ قال : قلت : من كل المال قد أعطاني الله من الإبل والغنم ، قال فلير عليك   } ذكره الترمذي    . 
{ وسئل صلى الله عليه وسلم عن جائزة الضيف  ، فقال يومه وليلته ، والضيافة ثلاثة أيام ، فما كان وراء ذلك فهو صدقة ، ولا يحل له أن يثوي عنده حتى يحرجه   } متفق عليه . 
				
						
						
