[ الواجب على من عزم على فعل أمر ما ]
والعبد إذا عزم على فعل أمر فعليه أن يعلم أولا هل هو طاعة لله أم لا ؟ فإن لم يكن طاعة فلا يفعله إلا أن يكون مباحا يستعين به على الطاعة ، وحينئذ يصير طاعة ، فإذا بان له أنه طاعة فلا يقدم عليه حتى ينظر هل هو معان عليه أم لا ؟ فإن لم يكن معانا عليه فلا يقدم عليه فيذل نفسه ، وإن كان معانا عليه بقي عليه نظر آخر ، وهو أن يأتيه من بابه ; فإن أتاه من غير بابه أضاعه أو فرط فيه أو أفسد منه شيئا ; فهذه الأمور الثلاثة أصل سعادة العبد وفلاحه ، وهي معنى قول العبد : { إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم } الفاتحة [ ص: 123 ] فأسعد الخلق أهل العبادة والاستعانة والهداية إلى المطلوب ، وأشقاهم من عدم الأمور الثلاثة ، ومنهم من يكون له نصيب من { إياك نعبد } ونصيبه من { وإياك نستعين } معدوم أو ضعيف ; فهذا مخذول مهين محزون ، ومنهم من يكون نصيبه من { وإياك نستعين } قويا ونصيبه من { إياك نعبد } ضعيفا أو مفقودا ; فهذا له نفوذ وتسلط وقوة ، ولكن لا عاقبة له ، بل عاقبته أسوأ عاقبة ، ومنهم من يكون له نصيب من { إياك نعبد وإياك نستعين } ولكن نصيبه من الهداية إلى المقصود ضعيف جدا ، كحال كثير من العباد والزهاد الذين قل علمهم بحقائق ما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق .
وقول رضي الله عنه : " فمن خلصت نيته في الحق ولو على نفسه " إشارة إلى أنه لا يكفي قيامه في الحق لله إذا كان على غيره ، حتى يكون أول قائم به على نفسه ، فحينئذ يقبل قيامه به على غيره ، وإلا فكيف يقبل الحق ممن أهمل القيام به على نفسه ؟ وخطب عمر يوما وعليه ثوبان ، فقال : أيها الناس ألا تسمعون ؟ فقال عمر بن الخطاب سلمان : لا نسمع ، فقال : ولم يا عمر أبا عبد الله ؟ قال : إنك قسمت علينا ثوبا ثوبا وعليك ثوبان ، فقال : لا تعجل . يا عبد الله ، يا عبد الله ، فلم يجبه أحد ، فقال : يا ، فقال : لبيك يا أمير المؤمنين ، فقال : نشدتك الله الثوب الذي ائتزرت به أهو ثوبك ؟ قال : نعم ، اللهم نعم ، فقال عبد الله بن عمر سلمان : أما الآن فقل نسمع .