[ طرف من تخبط المقلدين في الأخذ ببعض السنة وترك بعضها الآخر ] : فاحتج طائفة منهم في بأن النبي صلى الله عليه وسلم : { سلب طهورية الماء المستعمل في رفع الحدث } . نهى أن يتوضأ الرجل بفضل وضوء المرأة والمرأة بفضل وضوء الرجل
وقالوا : الماء المنفصل عن أعضائهما هو فضل وضوئهما . وخالفوا نفس الحديث ; فجوزوا لكل منهما أن يتوضأ بفضل طهور الآخر ، وهو المقصود بالحديث ، فإنه نهى أن يتوضأ الرجل بفضل وضوء المرأة إذا خلت بالماء ، وليس عندهم للخلوة أثر ، ولا لكون الفضلة فضلة امرأة أثر ، فخالفوا نفس الحديث الذي احتجوا به ، وحملوا الحديث على غير محمله ; إذ فضل الوضوء بيقين هو الماء الذي فضل منه ، ليس هو الماء المتوضأ به ، فإن ذلك لا يقال له فضل الوضوء ، فاحتجوا به فيما لم يرد به ، وأبطلوا الاحتجاج به فيما أريد به .
ومن ذلك احتجاجهم على وإن لم يتغير بنهيه صلى الله عليه وسلم أن يبال في الماء الدائم ، ثم قالوا : لو نجاسة الماء بالملاقاة لم ينجسه حتى ينقص عن قلتين . واحتجوا على نجاسته أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم { بال في الماء الدائم } ثم قالوا : لو غمسها قبل غسلها لم ينجس الماء ، ولا يجب عليه غسلها ، وإن شاء أن يغمسها قبل الغسل فعل . : إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا
واحتجوا في هذه المسألة بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بحفر الأرض التي بال فيها البائل وإخراج ترابها ، ثم قالوا : لا يجب حفرها ، بل لو تركت حتى يبست بالشمس والريح طهرت . واحتجوا على منع بقوله صلى الله عليه وسلم { الوضوء بالماء المستعمل بني عبد المطلب إن الله كره لكم غسالة أيدي الناس } يعني الزكاة . يا
ثم قالوا : لا تحرم الزكاة على بني عبد المطلب . واحتجوا على أن بخلاف غيره من ميتة البر فإنه ينجس الماء { السمك الطافي إذا وقع في الماء لا ينجسه } ثم خالفوا هذا الخبر بعينه وقالوا : لا يحل ما مات في البحر من السمك ، ولا يحل شيء مما فيه أصلا غير السمك . واحتج أهل الرأي على بقوله صلى الله عليه وسلم في البحر : هو الطهور ماؤه الحل ميتته بقول النبي صلى الله عليه وسلم { نجاسة الكلب وولوغه } ثم قالوا : لا يجب غسله سبعا ، بل يغسل مرة ، ومنهم من قال ثلاثا . : إذا ولغ الكلب في [ ص: 151 ] إناء أحدكم فليغسله سبع مرات
واحتجوا على تفريقهم في بين قدر الدرهم وغيره بحديث لا يصح من طريق النجاسة المغلظة غطيف عن الزهري عن عن أبي سلمة يرفعه : { أبي هريرة } . ثم قالوا : لا تعاد الصلاة من قدر الدرهم . تعاد الصلاة من قدر الدرهم
واحتجوا بحديث كرم الله وجهه في الجنة في علي بن أبي طالب أنها ترد إلى أول الفريضة فيكون في كل خمس شاة ، وخالفوه في اثني عشر موضعا منه ، ثم احتجوا بحديث الزكاة في زيادة الإبل على عشرين ومائة عمرو بن حزم : { } وخالفوا الحديث بعينه في نص ما فيه في أكثر من خمسة عشر موضعا . واحتجوا على أن أن ما زاد على مائتي درهم فلا شيء فيه حتى يبلغ أربعين فيكون فيها درهم بحديث المصراة ، وهذا من إحدى العجائب ; فإنهم من أشد الناس إنكارا له ، ولا يقولون به ، فإن كان حقا وجب اتباعه ، وإن لم يكن صحيحا لم يجز الاحتجاج به في تقدير الثلاث ، مع أنه ليس في الحديث تعرض لخيار الشرط ; فالذي أريد بالحديث ودل عليه خالفوه ، والذي احتجوا عليه به لم يدل عليه . واحتجوا لهذه المسألة أيضا { الخيار لا يكون أكثر من ثلاثة أيام حبان بن منقذ الذي كان يغبن في البيع ، فجعل له النبي صلى الله عليه وسلم الخيار ثلاثة أيام } . وخالفوا الخبر كله ، فلم يثبتوا الخيار بالغبن ولو كان يساوي عشر معشار ما بذله فيه ، وسواء قال المشتري : " لا خلابة " أو لم يقل ، وسواء غبن قليلا أو كثيرا ، لا خيار له في ذلك كله . بخبر
واحتجوا في إيجاب بأن في بعض ألفاظ الحديث أن رجلا أفطر فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يكفر ، ثم خالفوا هذا اللفظ بعينه فقالوا : إن استف دقيقا أو بلع عجينا أو إهليلجا أو طيبا أفطر ، ولا كفارة عليه . واحتجوا على الكفارة على من أفطر في نهار رمضان بحديث وجوب القضاء على من تعمد القيء ، ثم خالفوا الحديث بعينه فقالوا : إن تقيأ أقل من ملء فيه فلا قضاء عليه . واحتجوا على أبي هريرة بقوله صلى الله عليه وسلم : { تحديد مسافة الفطر والقصر } وهذا مع أنه لا دليل فيه ألبتة [ ص: 152 ] على ما ادعوه فقد خالفوه نفسه فقالوا : يجوز للمملوكة والمكاتبة وأم الولد السفر مع غير زوج ومحرم . واحتجوا على لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة ثلاثة أيام إلا مع زوج أو ذي محرم بحديث منع المحرم من تغطية وجهه { ابن عباس } وهذا من العجب فإنهم يقولون : إذا مات المحرم جاز تغطية رأسه ووجهه وقد بطل إحرامه . واحتجوا على إيجاب الجزاء على من في الذي وقصته ناقته وهو محرم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تخمروا رأسه ولا وجهه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا بحديث قتل ضبعا في الإحرام أنه أفتى بأكلها وبالجزاء على قاتلها ، وأسند ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم خالفوا الحديث بعينه فقالوا : لا يحل أكلها . واحتجوا فيمن وجبت عليه ابنة مخاض فأعطى ابنة لبون تساوي ابنة مخاض أو حمارا يساويها أنه يجزئه بحديث جابر الصحيح وفيه : { أنس } . وهذا من العجب فإنهم لا يقولون بما دل عليه الحديث من تعيين ذلك ، ويستدلون به على ما لم يدل عليه بوجه ولا أريد به . واحتجوا على من وجبت عليه ابنة مخاض وليست عنده ، وعنده ابنة لبون ; فإنها تؤخذ منه ، ويرد عليه الساعي شاتين أو عشرين درهما بحديث : { إسقاط الحدود في دار الحرب إذا فعل المسلم أسبابها } وفي لفظ : " في السفر " ولم يقولوا بالحديث ; فإن عندهم لا أثر للسفر ولا للغزو في ذلك . واحتجوا في لا تقطع الأيدي في الغزو بحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم { إيجاب الأضحية : أمر بالأضحية ، وأن يطعم منها الجار والسائل } فقالوا : لا يجب أن يطعم منها جار ولا سائل .
واحتجوا في إباحة بالخبر الذي فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { ما ذبحه غاصب أو سارق : دعي إلى الطعام مع رهط من أصحابه ، فلما أخذ لقمة قال : إني أجد لحم شاة أخذت بغير حق فقالت المرأة : يا رسول الله ، إني أخذتها من امرأة فلان بغير علم زوجها ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تطعم الأسارى . } وقد خالفوا هذا الحديث ، فقالوا : ذبيحة الغاصب حلال ، ولا تحرم على المسلمين . واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم : { } في إسقاط الضمان بجناية المواشي ، ثم خالفوه فيما يدل عليه وأريد به ، فقالوا : من ركب دابة أو قادها أو ساقها فهو ضامن لمن عضت بفمها ، ولا ضمان عليه فيما أتلفت برجلها . [ ص: 153 ] واحتجوا على جرح العجماء جبار بالحديث المشهور : { تأخير القود إلى حين البرء } الحديث ، وخالفوه في القصاص من الطعنة فقالوا : لا يقتص منها . واحتجوا على إسقاط الحد عن أن رجلا طعن آخر في ركبته بقرن ، فطلب القود ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يبرأ ، فأبى ، فأقاده قبل أن يبرأ بقوله صلى الله عليه وسلم : { الزاني بأمة ابنه أو أم ولده } وخالفوه فيما دل عليه فقالوا : ليس للأب من مال ابنه شيء ألبتة ، ولم يبيحوا له من مال ابنه عود أراك فما فوقه ، وأوجبوا حبسه في دينه وضمان ما أتلفه عليه . واحتجوا على أن الإمام يكبر إذا قال المقيم : " قد قامت الصلاة " بحديث أنت ومالك لأبيك أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { بلال } وبقول لا تسبقني بآمين أبي هريرة لمروان : " لا تسبقني بآمين " ثم خالفوا الخبر جهارا فقالوا : لا يؤمن الإمام ولا المأموم . واحتجوا على وجوب بحديث مسح ربع الرأس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : { المغيرة بن شعبة } ثم خالفوه فيما دل عليه فقالوا : لا يجوز المسح على العمامة ، ولا أثر للمسح عليها ألبتة ; فإن الفرض سقط بالناصية ، والمسح على العمامة غير واجب ولا مستحب عندهم . واحتجوا لقولهم في استحباب مسح بناصيته وعمامته بقوله صلى الله عليه وسلم { مساواة الإمام } قالوا : والائتمام به يقتضي أن يفعل مثل فعله سواء . ثم خالفوا الحديث فيما دل عليه ، فإن فيه : { : إنما جعل الإمام ليؤتم به } . فإذا كبر فكبروا ، وإذا ركع فاركعوا ، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا : ربنا ولك الحمد ، وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون
واحتجوا على أن بحديث المسيء في صلاته حيث قال له : { الفاتحة لا تتعين في الصلاة } وخالفوه فيما دل عليه صريحا في قوله { اقرأ ما تيسر معك من القرآن } . : ثم اركع حتى تطمئن راكعا ، ثم ارفع حتى تعتدل قائما ، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا
وقوله : { } فقالوا : من ترك الطمأنينة فقد صلى ، وليس الأمر بها فرضا لازما ، مع أن الأمر بها وبالقراءة سواء في الحديث . واحتجوا على إسقاط ارجع فصل فإنك لم تصل بحديث جلسة الاستراحة حيث لم يذكرها فيه ، وخالفوه في نفس ما دل عليه من رفع اليدين عند الركوع والرفع منه . أبي حميد
واحتجوا على إسقاط فرض ، بحديث الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، والسلام في الصلاة : { ابن مسعود } ثم خالفوه في نفس ما دل عليه ، فقالوا : صلاته تامة قال ذلك أو لم يقله . فإذا قلت ذلك فقد تمت صلاتك
[ ص: 154 ] واحتجوا على جواز { الكلام والإمام يخطب على المنبر يوم الجمعة } وخالفوه في نفس ما دل عليه ، فقالوا : من دخل والإمام يخطب جلس ولم يصل . واحتجوا على كراهية بقوله صلى الله عليه وسلم للداخل : أصليت يا فلان قبل أن تجلس ؟ قال : لا ، قال : قم فاركع ركعتين بقوله صلى الله عليه وسلم { رفع اليدين في الصلاة } ثم خالفوه في نفس ما دل عليه ; فإن فيه : { : ما بالهم رافعي أيديهم كأنها أذناب خيل شمس } فقالوا : لا يحتاج إلى ذلك ويكفيه غيره من كل مناف للصلاة . إنما يكفي أحدكم أن يسلم على أخيه من عن يمينه وشماله السلام عليكم ورحمة الله ، السلام عليكم ورحمة الله
واحتجوا في بالخبر الصحيح { استخلاف الإمام إذا أحدث وأبو بكر يصلي بالناس فتأخر أبو بكر ، وتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس } ، ثم خالفوه في نفس ما دل عليه ، فقالوا : من فعل مثل ذلك بطلت صلاته ، وأبطلوا صلاة من فعل مثل فعل النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج وأبي بكر ومن حضر من الصحابة ، فاحتجوا بالحديث فيما لم يدل عليه ، وأبطلوا العمل به في نفس ما دل عليه .
واحتجوا لقولهم إن صلى المأمومون خلفه قياما بالخبر الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم : { الإمام إذا صلى جالسا لمرض أبا بكر يصلي بالناس قائما ، فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم وجلس وصلى بالناس ; وتأخر أبو بكر } ، ثم خالفوا الحديث في نفس ما دل عليه ، وقالوا : إن تأخر الإمام لغير حدث ، وتقدم الآخر بطلت صلاة الإمامين وصلاة جمع المأمومين . أنه خرج فوجد
واحتجوا على بطلان بقوله صلى الله عليه وسلم : { صوم من أكل يظنه ليلا فبان نهارا يؤذن بليل ، فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلالا ، ابن أم مكتوم } ثم خالفوا الحديث في نفس ما دل عليه فقالوا : لا يجوز الأذان للفجر بالليل ، لا في رمضان ولا في غيره . ثم خالفوه من جهة أخرى ، فإن في نفس الحديث : { إن ابن مكتوم رجلا أعمى لا يؤذن حتى يقال له : أصبحت أصبحت } ، وعندهم من أكل في ذلك الوقت بطل صومه . وكان
واحتجوا على المنع من بقول النبي صلى الله عليه وسلم : { استقبال القبلة واستدبارها بالغائط } وخالفوا الحديث نفسه وجوزوا استقبالها واستدبارها بالبول . واحتجوا على عدم شرط لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها بالحديث الصحيح عن الصوم في الاعتكاف { عمر المسجد الحرام ، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوفي بنذره } ، وهم [ ص: 155 ] لا يقولون بالحديث ; فإن عندهم أن أنه نذر في الجاهلية أن يعتكف ليلة في لا ينعقد ، ولا يلزم الوفاء به بعد الإسلام . واحتجوا على الرد بحديث : { نذر الكافر } ولم يقولوا - بالحديث في حيازتها - مال لقيطها ، وقد قال به تحوز المرأة ثلاث مواريث ; عتيقها ، ولقيطها ، وولدها الذي لاعنت عليه عمر بن الخطاب ، وهو الصواب . وإسحاق بن راهويه
واحتجوا في بالخبر الذي فيه : { توريث ذوي الأرحام خزاعة } ولم يقولوا به في أن من لا وارث له يعطى ماله للكبر من قبيلته . التمسوا له وارثا أو ذا رحم فلم يجدوا ، فقال : أعطوه الكبر من
واحتجوا في بخبر منع القاتل ميراث المقتول عن أبيه عن جده : { عمرو بن شعيب } فقالوا بأول الحديث دون آخره واحتجوا على جواز لا يرث قاتل ، ولا يقتل مؤمن بكافر بحديث التيمم في الحضر مع وجود الماء للجنازة إذا خاف فوتها أبي جهيم بن الحارث في تيمم النبي صلى الله عليه وسلم لرد السلام ، ثم خالفوه فيما دل عليه في موضعين : أحدهما أنه تيمم بوجهه وكفيه دون ذراعيه ، والثاني أنهم لم يكرهوا رد السلام للمحدث ولم يستحبوا التيمم لرد السلام .
واحتجوا في جواز بحديث الاقتصار في الاستنجاء على حجرين { ابن مسعود } ثم خالفوه فيما هو نص فيه ، فأجازوا الاستجمار بالروث ، واستدلوا به على ما لا يدل عليه من الاكتفاء بحجرين . : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب لحاجته وقال له : ائتني بأحجار ، فأتاه بحجرين وروثة ، فأخذ الحجرين وألقى الروثة ، وقال : هذه ركس
واحتجوا على أن { مس المرأة لا ينقض الوضوء إذا قام حملها وإذا ركع أو سجد وضعها أمامة بنت أبي العاص بن الربيع } ، ثم قالوا : من صلى كذلك بطلت صلاته وصلاة من ائتم به . بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم حاملا
قال بعض أهل العلم : ومن العجب إبطالهم هذه الصلاة وتصحيحهم الصلاة بقراءة { مدهامتان } بالفارسية ثم يركع قدر نفس ، ثم يرفع قدر حد السيف ، أو لا يرفع بل يخر كما هو ساجدا ، ولا يضع على الأرض يديه ولا رجليه ، وإن أمكن أن لا يضع ركبتيه صح ذلك ، ولا جبهته ، بل يكفيه وضع رأس أنفه كقدر نفس واحد ، ثم يجلس مقدار التشهد ، ثم يفعل فعلا ينافي الصلاة من فساء أو ضراط أو ضحك أو نحو ذلك .
واحتجوا على تحريم بقول النبي صلى الله عليه وسلم : [ ص: 156 ] { وطء المسبية والمملوكة قبل الاستبراء } ثم خالفوا صريحه فقالوا : إن أعتقها وزوجها وقد وطئها البارحة حل للزوج أن يطأها الليلة . لا توطأ حامل حتى تضع ، ولا حائل حتى تستبرأ بحيضة
واحتجوا في ثبوت { الحضانة للخالة وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم : قضى بها لخالتها حمزة } ثم خالفوه فقالوا : لو تزوجت الخالة بغير محرم للبنت كابن عمها سقطت حضانتها . بخبر بنت
واحتجوا على المنع من بحديث التفريق بين الأخوين في نهيه عن التفريق بينهما ، ثم خالفوه فقالوا : لا يرد المبيع إذا وقع كذلك ، وفي الحديث الأمر برده . علي
واحتجوا على بخبر روي { جريان القصاص بين المسلم والذمي } . ثم خالفوه فقالوا : لا قود في اللطمة والضربة لا بين مسلمين ولا بين مسلم وكافر واحتجوا على أنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أقاد يهوديا من مسلم لطمه بقوله صلى الله عليه وسلم { لا قصاص بين العبد وسيده } ثم خالفوه فقالوا : لا يعتق بذلك ، واحتجوا أيضا بالحديث الذي فيه : { : من لطم عبده فهو حر } فقالوا : لم يوجب عليه القود ، ثم قالوا : لا يعتق عليه . من مثل بعبده عتق عليه
واحتجوا بحديث { عمرو بن شعيب } ثم خالفوه في عدة مواضع : منها قوله : { : في العين نصف الدية } ، ومنها قوله : { وفي العين القائمة السادة لموضعها ثلث الدية } واحتجوا على جواز في السن السوداء ثلث الدية بحديث تفضيل بعض الأولاد على بعض وفيه : { النعمان بن بشير } ثم خالفوه صريحا فإن في الحديث نفسه : { أشهد على هذا غيري إن هذا لا يصلح } وفي لفظ : { } فقالوا : بل هذا يصلح وليس بجور ، ولكل أحد أن يشهد عليه . إني لا أشهد على جور
واحتجوا على أن بحديث : { النجاسة تزول بغير الماء من المائعات } ثم خالفوه فقالوا : لو وطئ العذرة بخفيه لم يطهرهما التراب . إذا وطئ أحدكم الأذى بنعليه فإن التراب لهما طهور
واحتجوا على جواز بحديث صاحب الشجة ، ثم خالفوه صريحا [ ص: 157 ] فقالوا : لا يجمع بين الماء والتراب ، بل إما أن يقتصر على غسل الصحيح إن كان أكثر ، ولا يتيمم ، وإما أن يقتصر على التيمم إن كان الجريح أكثر ، ولا يغسل الصحيح . واحتجوا على جواز المسح على الجبيرة بقول النبي صلى الله عليه وسلم : { تولية أمراء أو حكام أو متولين مرتين واحدا بعد واحد زيد ، فإن قتل ، فإن قتل فعبد الله بن رواحة فجعفر } ثم خالفوا الحديث نفسه فقالوا : لا يصح تعليق الولاية بالشرط ، ونحن نشهد بالله أن هذه الولاية من أصح ولاية على وجه الأرض ، وأنها أصح من كل ولاياتهم من أولها إلى آخرها . واحتجوا على أميركم بحديث { تضمين المتلف ما أتلفه ويملك هو ما أتلفه } ، ثم خالفوه جهارا فقالوا : إنما يضمن بالدراهم والدنانير ، ولا يضمن بالمثل . القصعة التي كسرتها إحدى أمهات المؤمنين ، فرد النبي صلى الله عليه وسلم على صاحبة القصعة نظيرتها
واحتجوا على ذلك أيضا بخبر الشاة التي ذبحت بغير إذن صاحبها ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يردها على صاحبها ، ثم خالفوه صريحا ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يملكها الذابح ، بل أمر بإطعامها الأسارى .
واحتجوا في بخبر : { سقوط القطع بسرقة الفواكه وما يسرع إليه الفساد } ثم خالفوا الحديث نفسه في عدة مواضع : أحدها أن فيه : { لا قطع في ثمر ولا كثر } وعندهم لا قطع فيه آواه إلى الجرين أو لم يؤوه ، الثاني أنه قال : { فإذا آواه إلى الجرين ففيه القطع } وفي الصحيح أن ثمن المجن كان ثلاثة دراهم ، وعندهم لا يقطع في هذا القدر ، الثالث أنهم قالوا : ليس الجرين حرزا ; فلو سرق منه ثمرا يابسا ولم يكن هناك حافظ لم يقطع . إذا بلغ ثمن المجن
واحتجوا في مسألة أن له أربعين درهما بخبر فيه { الآبق يأتي به الرجل أن من جاء بآبق من خارج الحرم فله عشرة دراهم أو دينار } ، وخالفوه جهرة فأوجبوا أربعين .
واحتجوا على على الفور بحديث خيار الشفعة ابن البيلماني : { } فخالفوا جميع ذلك إلا قوله : { الشفعة كحل العقال ، ولا شفعة لصغير ولا لغائب ، ومن مثل به فهو حر } . الشفعة كحل العقال
واحتجوا على امتناع القود بين الأب والابن والسيد والعبد بحديث : { } وخالفوا الحديث نفسه فإن تمامه : { لا يقاد والد بولده ولا سيد بعبده } . واحتجوا على أن ومن مثل بعبده فهو حر بحديث الولد يلحق بصاحب الفراش دون الزاني ابن وليدة زمعة [ ص: 158 ] وفيه : { } ثم خالفوا الحديث نفسه صريحا فقالوا : الأمة لا تكون فراشا ، وإنما كان هذا القضاء في أمة ، ومن العجب أنهم قالوا : إذا عقد على أمه وابنته وأخته ووطئها لم يحد للشبهة ، وصارت فراشا بهذا العقد الباطل المحرم ، وأم ولده وسريته التي يطؤها ليلا ونهارا ليست فراشا له ، ومن العجائب أنهم احتجوا على جواز صوم رمضان بنية ينشئها من النهار قبل الزوال بحديث الولد للفراش { عائشة } ثم قالوا : لو فعل ذلك في صوم التطوع لم يصح صومه ، والحديث إنما هو في التطوع نفسه . أن النبي صلى الله عليه وسلم : كان يدخل عليها فيقول : هل من غداء ؟ فتقول : لا ، فيقول : فإني صائم
واحتجوا على المنع من بيع المدبر بأنه قد انعقد فيه سبب الحرية ، وفي بيعه إبطال لذلك ، وأجابوا عن بيع النبي صلى الله عليه وسلم المدبر بأنه قد باع خدمته . ثم قالوا : لا يجوز بيع خدمة المدبر أيضا .
واحتجوا على إيجاب بقوله { الشفعة في الأراضي والأشجار التابعة لها } ثم خالفوا نص الحديث نفسه ، فإن فيه : { قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شرك في ربعة أو حائط } فقالوا : يحل له أن يبيع قبل إذنه ، ويحل له أن يتحيل لإسقاط الشفعة ، وإن باع بعد إذن شريكه فهو أحق أيضا بالشفعة ، ولا أثر للاستئذان ولا لعدمه . ولا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه ، فإن باع ولم يؤذنه فهو أحق به
واحتجوا على المنع من إلا بعد العلم بأن ما في الزيتون من الزيت أقل من الزيت المفرد بالحديث الذي فيه النهي عن بيع اللحم بالحيوان ، ثم خالفوه نفسه ، فقالوا : يجوز بيع اللحم بالحيوان من نوعه وغير نوعه . بيع الزيت بالزيتون
واحتجوا على أن كالوصية لا تنفذ إلا في الثلث { عطية المريض المنجزة أن رجلا أعتق ستة مملوكين عند موته لا مال له سواهم ، فجزأهم النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أجزاء وأقرع بينهم ، فأعتق اثنين وأرق أربعة عمران بن حصين } . ثم خالفوه في موضعين ; فقالوا : لا يقرع بينهم ألبتة ، ويعتق من كل واحد سدسه . بحديث
وهذا كثير جدا ، والمقصود أن التقليد حكم عليكم بذلك ، وقادكم إليه قهرا ، ولو حكمتم الدليل على التقليد لم تقعوا في مثل هذا ; فإن هذه الأحاديث إن كانت حقا وجب [ ص: 159 ] الانقياد لها ، والأخذ بما فيها ، وإن لم تكن صحيحة لم يؤخذ بشيء مما فيها ، فإما أن تصحح ويؤخذ بها فيما وافق قول المتبوع ، وتضعف أو ترد إذا خالفت قوله ، أو تؤول ; فهذا من أعظم الخطأ والتناقض .
فإن قلتم : عارض ما خالفناه منها ما هو أقوى منه ، ولم يعارض ما وافقناه منها ما يوجب العدول عنه واطراحه .
قيل : لا تخلو هذه الأحاديث وأمثالها أن تكون منسوخة أو محكمة ، فإن كانت منسوخة لم يحتج بمنسوخ ألبتة ، وإن كانت محكمة لم يجز مخالفة شيء منها ألبتة .
فإن قيل : هي منسوخة فيما خالفناها فيه ، ومحكمة فيما وافقناها فيه .
قيل : هذا مع أنه ظاهر البطلان يتضمن ما لا علم لمدعيه به ، [ فمدعيه ] قائل ما لا دليل له عليه ، فأقل ما فيه أن معارضا لو قلب عليه هذه الدعوى بمثلها سواء لكانت دعواه من جنس دعواه ، ولم يكن بينهما فرق ، ولا فرق ، وكلاهما مدع ما لا يمكنه إثباته ; فالواجب اتباع سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحكيمها والتحاكم إليها حتى يقوم الدليل القاطع على نسخ المنسوخ منها ، أو نجمع الأمة على العمل بخلاف شيء منها ، وهذا الثاني محال قطعا ، فإن الأمة ولله الحمد لم تجمع على ترك العمل بسنة واحدة ، إلا سنة ظاهرة النسخ معلوم للأمة ناسخها ، وحينئذ يتعين العمل بالناسخ دون المنسوخ ، وأما أن تترك السنن لقول أحد من الناس فلا ، كائنا من كان ، وبالله التوفيق .