فصل
[ من أسباب ] سقوط الحد عام المجاعة
المثال الثالث : أن رضي الله عنه أسقط القطع عن السارق في عام المجاعة ، قال عمر بن الخطاب السعدي : حدثنا هارون بن إسماعيل الخزاز ثنا علي بن المبارك ثنا حدثني يحيى بن أبي كثير حسان بن زاهر أن ابن حدير حدثه عن قال : لا تقطع اليد في عذق ولا عام سنة . عمر
قال السعدي : سألت عن هذا الحديث فقال : العذق النخلة ، وعام سنة : المجاعة ، فقلت أحمد بن حنبل : تقول به ؟ فقال : إي لعمري ، قلت : إن سرق في مجاعة لا تقطعه ؟ فقال : لا ، إذا حملته الحاجة على ذلك والناس في مجاعة وشدة . لأحمد
قال السعدي : وهذا على نحو قضية في غلمان عمر ، ثنا حاطب ثنا أبو النعمان عارم عن حماد بن سلمة عن أبيه عن هشام بن عروة ابن حاطب أن غلمة سرقوا ناقة لرجل من لحاطب بن أبي بلتعة مزينة ، فأتى بهم ، فأقروا ، فأرسل إلى عمر عبد الرحمن بن حاطب فجاء فقال له : إن غلمان سرقوا ناقة رجل من حاطب مزينة وأقروا على أنفسهم ، فقال : يا عمر كثير بن الصلت اذهب فاقطع أيديهم ، فلما ولى بهم ردهم ثم قال : أما والله لولا أني أعلم أنكم تستعملونهم وتجيعونهم حتى إن أحدهم لو أكل ما حرم الله عليه حل له لقطعت أيديهم ، وايم الله إذا لم أفعل لأغرمنك غرامة توجعك ، ثم قال : يا مزني بكم أريدت منك ناقتك ؟ قال : بأربع مائة ، قال عمر : اذهب فأعطه ثماني مائة . عمر
وذهب إلى موافقة أحمد في الفصلين جميعا ; في مسائل عمر إسماعيل بن سعيد الشالنجي التي شرحها السعدي بكتاب سماه المترجم ، قال : سألت عن الرجل يحمل الثمر من أكمامه ، فقال : فيه الثمن مرتين وشرب نكال ، وقال : وكل من درأنا عنه الحد والقود أضعفنا عليه الغرم ، وقد وافق أحمد بن حنبل على سقوط القطع في المجاعة أحمد الأوزاعي ، وهذا محض القياس ، ومقتضى قواعد الشرع ; فإن السنة إذا كانت سنة مجاعة وشدة غلب على الناس الحاجة والضرورة ، فلا يكاد يسلم السارق من ضرورة تدعوه إلى ما [ ص: 18 ] يسد به رمقه ، ويجب على صاحب المال بذل ذلك له ، إما بالثمن أو مجانا ، على الخلاف في ذلك ; والصحيح وجوب بذله مجانا ; لوجوب المواساة وإحياء النفوس مع القدرة على ذلك والإيثار بالفضل مع ضرورة المحتاج ، وهذه شبهة قوية تدرأ القطع عن المحتاج ، وهي أقوى من كثير من الشبه التي يذكرها كثير من الفقهاء ، بل إذا وازنت بين هذه الشبهة وبين ما يذكرونه ظهر لك التفاوت ، فأين شبهة كون المسروق مما يسرع إليه الفساد ، وكون أصله على الإباحة كالماء ، وشبهة القطع به مرة ، وشبهة دعوى ملكه بلا بينة ، وشبهة إتلافه في الحرز بأكل أو احتلاب من الضرع ، وشبهة نقصان ماليته في الحرز بذبح أو تحريق ثم إخراجه ، وغير ذلك من الشبه الضعيفة جدا إلى هذه الشبهة القوية ؟ لا سيما وهو مأذون له في مغالبة صاحب المال على أخذ ما يسد رمقه .
وعام المجاعة يكثر فيه المحاويج والمضطرون ، ولا يتميز المستغني منهم والسارق لغير حاجة من غيره ، فاشتبه من يجب عليه الحد بمن لا يجب عليه ، فدرئ . نعم إذا بان أن قطع . السارق لا حاجة به وهو مستغن عن السرقة