فصل
[ ] أقوال العلماء في تأجيل بعض المهر وحكم المؤجل
المثال التاسع : الإلزام بالصداق الذي اتفق الزوجان على تأخير المطالبة به ، وإن لم يسميا أجلا ، بل قال الزوج : مائة مقدمة ومائة مؤخرة ، فإن المؤخر لا يستحق المطالبة به إلا بموت أو فرقة ، هذا هو الصحيح ، وهو منصوص ، فإنه قال في رواية جماعة من أصحابه : إذا تزوجها على العاجل والآجل لا يحل الآجل إلا بموت أو فرقة ، واختاره قدماء شيوخ المذهب والقاضي أحمد ، وهو اختيار شيخ الإسلام أبو يعلى ابن تيمية ، وهو قول النخعي والشعبي ، وله فيه رسالة كتبها إلى والليث بن سعد ينكر عليه خلاف هذا القول سنذكرها بإسنادها ولفظها ، وقال مالك الحسن وحماد بن أبي سليمان وأبو حنيفة وسفيان الثوري : يبطل الآجل لجهالة محله ، ويكون حالا ، وقال وأبو عبيدة : يصح الآجل ، ولا يحل الصداق إلا أن يفارقها أو يتزوج عليها أو يخرجها من بلدها ; فلها حينئذ المطالبة به ، وقال إياس بن معاوية مكحول والأوزاعي : يحل بعد سنة من وقت الدخول ، وقال الشافعي : تفسد التسمية ويجب مهر المثل لجهالة العوض بجهالة أجله فترجع إلى مهر المثل ، وأما مذهب وأبو الخطاب فقال مالك عبد الملك : كان وأصحابه يكرهون أن يكون شيء من المهر مؤخرا وكان مالك يقول : إنما الصداق فيما مضى ناجز كله ، فإن وقع منه شيء مؤخرا فلا أحب أن يطول الأجل في ذلك ، وحكى عن مالك ابن القاسم تأخيره إلى السنتين والأربع ، وعن إلى السنة ، وعنه إن زاد الأجل على أكثر من عشرين سنة فسخ ، وعن ابن وهب ابن القاسم إذا جاوز الأربعين فسخ ، وعنه إلى الخمسين والستين ، حكى ذلك كله فضل بن سلمة عن ، ثم قال : لأن الأجل الطويل مثل ما لو تزوجها إلى موت أو فراق . ابن المواز
قال عبد الملك : وقد أخبرني أنه شهد أصبغ ابن وهب وابن القاسم تذاكرا الأجل في ذلك ، فقال : أرى فيه العشرين فدون فما جاوز ذلك فمفسوخ ، فقال له ابن وهب ابن القاسم : وأنا معك على هذا ، فأقام على رأيه ، ورجع ابن وهب ابن القاسم فقال : لا أفسخه إلى أربعين وأفسخه فيما فوق ذلك ، فقال : وبه أخذ ولا أحب ذلك ندبا إلى [ ص: 69 ] العشر ونحوها ، وقد شهدت أصبغ زوج ابنته وجعل مؤخر مهرها إلى اثنتي عشرة سنة . أشهب
قال عبد الملك : وما قصر من الأجل فهو أفضل ، وإن بعد لم أفسخه إلا أن يجاوز ما قال ابن القاسم ، وإن كانت الأربعون في ذلك كثيرة جدا .
قال عبد الملك : وإن كان بعض الصداق مؤخرا إلى غير أجل فإن مالكا كان يفسخه قبل البناء ويمضيه بعده ، ويرد المرأة إلى صداق مثلها معجلا كله ، إلا أن يكون صداق مثلها أقل من المعجل فلا ينقص منه ، أو أكثر من المعجل والمؤجل فيوفي تمام ذلك ، إلا أن يرضى الناكح بأن يجعل المؤخر معجلا كله مع النقد فيمضي النكاح ولا يفسخ لا قبل البناء ولا بعده ، ولا ترد المرأة إلى صداق مثلها ، ثم أطالوا بذكر فروع تتعلق بذلك .
[ فتاوى الصحابة في هذه المسألة ] : والصحيح ما عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من صحة التسمية وعدم تمكين المرأة من المطالبة به إلا بموت أو فرقة ، حكاه إجماعا منهم ، وهو محض القياس والفقه ، فإن المطلق من العقود ينصرف إلى العرف والعادة عند المتعاقدين كما في النقد والسكة والصفة والوزن ، والعادة جارية بين الأزواج بترك المطالبة بالصداق إلا بالموت أو الفراق ، فجرت العادة مجرى الشرط كما تقدم ذكر الأمثلة بذلك ، وأيضا فإن عقد النكاح يخالف سائر العقود ، ولهذا نافاه التوقيت المشترط في غيره من العقود على المنافع ، بل كانت جهالة مدة بقائه غير مؤثرة في صحته ، والصداق عوضه ومقابله ; فكانت جهالة مدته غير مؤثرة في صحته ، فهذا محض القياس ، ونظير هذا لو الليث فإنه يصح وإن كانت جملة الأجرة غير معلومة تبعا لمدة الإجارة ; فقد صح عن أمير المؤمنين أجره كل شهر بدرهم كرم الله وجهه في الجنة أنه أجر نفسه كل دلو بتمرة ، { علي بن أبي طالب وأكل النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك التمر } ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : { } وهذا لا يتضمن واحدا من الأمرين ، فإن ما أحل الحرام وحرم الحلال لو فعلاه بدون الشرط لما جاز ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : { المسلمون على شروطهم ، إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا } وأما تلك التقديرات المذكورة فيكفي في عدم اعتبارها عدم دليل واحد يدل عليها ، ثم ليس تقدير منها بأولى من تقدير أزيد عليه أو أنقص منه ، وما كان هذا سبيله فهو غير معتبر . إن أحق الشرط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج
وقال الحافظ أبو يوسف يعقوب بن سفيان الفسوي في كتاب التاريخ والمعرفة له ، وهو كتاب جليل غزير العلم جم الفوائد حدثني قال : هذه رسالة يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي إلى الليث بن سعد . مالك بن أنس
[ رسالة من إلى الليث بن سعد ] : سلام عليك ، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ، أما بعد - عافانا الله وإياك ، [ ص: 70 ] وأحسن لنا العاقبة في الدنيا والآخرة - قد بلغني كتابك تذكر فيه من صلاح حالكم الذي يسرني ، فأدام الله ذلك لكم وأتمه بالعون على شكره والزيادة من إحسانه ، وذكرت نظرك في الكتب التي بعثت بها إليك وإقامتك إياها وختمك عليها بخاتمك ، وقد أتتنا فجزاك الله عما قدمت منها خيرا ، فإنها كتب انتهت إلينا عنك فأحببت أن أبلغ حقيقتها بنظرك فيها ، وذكرت أنه قد أنشطك ما كتبت إليك فيه من تقويم ما أتاني عنك إلى ابتدائي بالنصيحة ، ورجوت أن يكون لها عندي موضع ، وأنه لم يمنعك من ذلك فيما خلا إلا أن يكون رأيك فينا جميلا إلا لأني لم أذاكرك مثل هذا ، وأنه بلغك أني أفتي بأشياء مخالفة لما عليه جماعة الناس عندكم ، وأني يحق علي الخوف على نفسي لاعتماد من قبلي على ما أفتيتهم به ، وأن الناس تبع لأهل مالك بن أنس المدينة التي إليها كانت الهجرة وبها نزل القرآن ، وقد أصبت بالذي كتب به من ذلك إن شاء الله تعالى ، ووقع مني بالموقع الذي تحب ، وما أجد أحدا ينسب إليه العلم أكره لشواذ الفتيا ولا أشد تفضيلا لعلماء أهل المدينة الذين مضوا ولا آخذ لفتياهم فيما اتفقوا عليه مني والحمد لله رب العالمين لا شريك له ، وأما ما ذكرت من مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ونزول القرآن بها عليه بين ظهري أصحابه وما علمهم الله منه وأن الناس صاروا به تبعا لهم فيه فكما ذكرت ، وأما ما ذكرت من قول الله تعالى : { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم } فإن كثيرا من أولئك السابقين الأولين خرجوا إلى الجهاد في سبيل الله ابتغاء مرضاة الله فجندوا الأجناد واجتمع إليهم الناس فأظهروا بين ظهرانيهم كتاب الله وسنة نبيه ولم يكتموهم شيئا علموه .
وكان في كل جند منهم طائفة يعلمون كتاب الله وسنة نبيه ويجتهدون برأيهم فيما لم يفسره لهم القرآن والسنة ، وتقدمهم عليه أبو بكر وعمر وعثمان الذين اختارهم المسلمون لأنفسهم ، ولم يكن أولئك الثلاثة مضيعين لأجناد المسلمين ولا غافلين عنهم ، بل كانوا يكتبون في الأمر اليسير لإقامة الدين والحذر من الاختلاف بكتاب الله وسنة نبيه ، فلم يتركوا أمرا فسره القرآن أو عمل به النبي صلى الله عليه وسلم أو ائتمروا فيه بعده إلا علموهموه ، فإذا جاء أمر عمل فيه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بمصر والشام والعراق على عهد أبي بكر وعمر ولم يزالوا عليه حتى قبضوا لم يأمروهم بغيره ، فلا نراه يجوز لأجناد المسلمين أن يحدثوا اليوم أمرا لم يعمل به سلفهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم ، مع أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اختلفوا بعد في الفتيا في أشياء كثيرة ، ولولا أني قد عرفت أن قد علمتها كتبت بها إليك ، ثم اختلف التابعون في أشياء بعد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعثمان ونظراؤه أشد الاختلاف ، ثم اختلف الذين كانوا بعدهم فحضرتهم سعيد بن المسيب بالمدينة وغيرها ورأسهم يومئذ [ ص: 71 ] ابن شهاب وكان من خلاف وربيعة بن أبي عبد الرحمن لبعض ما قد مضى ما قد عرفت وحضرت ، وسمعت قولك فيه وقول ذوي الرأي من أهل ربيعة المدينة يحيى بن سعيد وعبيد الله بن عمر وكثير بن فرقد وغير كثير ممن هو أسن منه حتى اضطرك ما كرهت من ذلك إلى فراق مجلسه . وذاكرتك أنت وعبد العزيز بن عبيد الله بعض ما نعيب على من ذلك ، فكنتما من الموافقين فيما أنكرت ، تكرهان منه ما أكرهه ، ومع ذلك بحمد الله عند ربيعة خير كثير ، وعقل أصيل ولسان بليغ ، وفضل مستبين ، وطريقة حسنة في الإسلام ، ومودة لإخوانه عامة ولنا خاصة رحمه الله وغفر له وجزاه بأحسن من عمله . وكان يكون من ربيعة اختلاف كثير إذا لقيناه ، وإذا كاتبه بعضنا فربما كتب إليه في الشيء الواحد على فضل رأيه وعلمه بثلاثة أنواع ينقض بعضها بعضا ، ولا يشعر بالذي مضى من رأيه في ذلك ، فهذا الذي يدعوني إلى ترك ما أنكرت تركي إياه . ابن شهاب
وقد عرفت أيضا عيب إنكاري إياه أن يجمع أحد من أجناد المسلمين بين الصلاتين ليلة المطر ، ومطر الشام أكثر من مطر المدينة بما لا يعلمه إلا الله لم يجمع منهم إمام قط في ليلة مطر ، وفيهم أبو عبيدة بن الجراح وخالد بن الوليد ويزيد بن أبي سفيان وعمرو بن العاص ، وقد بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { ومعاذ بن جبل معاذ بن جبل } وقال : { أعلمكم بالحلال والحرام يوم القيامة بين يدي العلماء برتوة معاذ } يأتي وشرحبيل بن حسنة وأبو الدرداء ، وكان وبلال بن رباح أبو ذر بمصر والزبير بن العوام ، وسعد بن أبي وقاص وبحمص سبعون من أهل بدر ، وبأجناد المسلمين كلها وبالعراق ابن مسعود وحذيفة بن اليمان ، ونزلها أمير المؤمنين وعمران بن حصين كرم الله وجهه في الجنة سنين ، وكان معه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم [ كثير ] فلم يجمعوا بين المغرب والعشاء قط . علي بن أبي طالب
ومن ذلك ، وقد عرفت أنه لم يزل يقضي القضاء بشهادة شاهد ويمين صاحب الحق بالمدينة به ، ولم يقض به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشام وبحمص ولا بمصر ولا بالعراق ، ولم يكتب به إليهم الخلفاء الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان ، ثم ولي وعلي وكان كما قد علمت في إحياء السنن والجد في إقامة الدين والإصابة في الرأي والعلم بما مضى من أمر الناس ، فكتب إليه عمر بن عبد العزيز رزيق بن الحكم : إنك كنت تقضي بالمدينة بشهادة الشاهد الواحد ويمين صاحب الحق ، فكتب إليه : إنا كنا نقضي بذلك عمر بن عبد العزيز بالمدينة ، فوجدنا أهل الشام على غير ذلك ; فلا نقضي إلا بشهادة رجلين عدلين أو [ ص: 72 ] رجل وامرأتين ; ولم يجمع بين العشاء والمغرب قط ليلة المطر ، والمطر يسكب عليه في منزله الذي كان فيه بخناصرة ساكنا .
ومن ذلك أن أهل المدينة يقضون في صدقات النساء أنها متى شاءت أن تتكلم في مؤخر صداقها تكلمت فدفع إليها ، وقد وافق أهل العراق أهل المدينة على ذلك وأهل الشام وأهل مصر ، ولم يقض أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من بعدهم لامرأة بصداقها المؤخر إلا أن يفرق بينهما موت أو طلاق فتقوم على حقها .
ومن ذلك قولهم في الإيلاء إنه لا يكون عليه طلاق حتى يوقف وإن مرت الأربعة الأشهر ، وقد حدثني عن نافع - وهو الذي كان يروى عنه ذلك التوقيف بعد الأشهر - أنه كان يقول في الإيلاء الذي ذكر الله في كتابه : عبد الله بن عمر كما أمر الله أو يعزم الطلاق ، وأنتم تقولون : إن لبث بعد الأشهر التي سمى الله في كتابه ولم يوقف لم يكن عليه طلاق ، وقد بلغنا أن لا يحل للمولي إذا بلغ الأجل إلا أن يفيء عثمان بن عفان وزيد بن ثابت وقبيصة بن ذؤيب قالوا في الإيلاء : إذا مضت الأربعة الأشهر فهي تطليقة بائنة ، وقال وأبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف سعيد بن المسيب وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام : إذا مضت الأربعة الأشهر فهي تطليقة ، وله الرجعة في العدة . وابن شهاب
ومن ذلك أن كان يقول : إذا ملك الرجل امرأته فاختارت زوجها فهي تطليقة ، وإن طلقت نفسها ثلاثا فهي تطليقة ، وقضى بذلك زيد بن ثابت ، وكان عبد الملك بن مروان يقوله ، وقد كاد الناس يجتمعون على أنها إن اختارت زوجها لم يكن فيه طلاق ، وإن اختارت نفسها واحدة أو اثنتين كانت له عليها الرجعة ، وإن طلقت نفسها ثلاثا بانت منه ولم تحل له حتى تنكح زوجا غيره فيدخل بها ثم يموت أو يطلقها ، إلا أن يرد عليها في مجلسه فيقول : إنما ملكتك واحدة ، فيستحلف ويخلى بينه وبين امرأته . ربيعة بن عبد الرحمن
ومن ذلك أن كان يقول : أيما عبد الله بن مسعود فاشتراؤه إياها ثلاث تطليقات ، وكان رجل تزوج أمة ثم اشتراها زوجها يقول ذلك ، وإن ربيعة فمثل ذلك . تزوجت المرأة الحرة عبدا فاشترته
وقد بلغنا عنكم شيئا من الفتيا مستكرها ، وقد كنت كتبت إليك في بعضها فلم تجبني في كتابي ، فتخوفت أن تكون استثقلت ذلك ، فتركت الكتاب إليك في شيء مما أنكره وفيما أوردت فيه على رأيك ، وذلك أنه بلغني أنك أمرت زفر بن عاصم الهلالي - حين أراد أن [ ص: 73 ] يستسقي - أن يقدم الصلاة قبل الخطبة ، فأعظمت ذلك ; لأن الخطبة والاستسقاء كهيئة يوم الجمعة إلا أن الإمام إذا دنا من فراغه من الخطبة فدعا حول رداءه ثم نزل فصلى ، وقد استسقى عمر بن عبد العزيز وغيرهما ، فكلهم يقدم الخطبة والدعاء قبل الصلاة ، فاستهتر الناس كلهم فعل وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم زفر بن عاصم من ذلك واستنكروه .
ومن ذلك أنه بلغني أنك تقول في : إنه لا تجب عليهما الصدقة حتى يكون لكل واحد منهما ما تجب فيه الصدقة ، وفي كتاب الخليطين في المال أنه يجب عليهما الصدقة ويترادان بالسوية ، وقد كان ذلك يعمل به في ولاية عمر بن الخطاب قبلكم وغيره ، والذي حدثنا به عمر بن عبد العزيز يحيى بن سعيد ولم يكن بدون أفاضل العلماء في زمانه فرحمه الله وغفر له وجعل الجنة مصيره ابن سعيد ومن ذلك أنه بلغني أنك تقول : إذا أنه يأخذ ما وجد من متاعه ، وكان الناس على أن البائع إذا تقاضى من ثمنها شيئا أو أنفق المشتري منها شيئا فليست بعينها . أفلس الرجل وقد باعه رجل سلعة فتقاضى طائفة من ثمنها أو أنفق المشتري طائفة منها
ومن ذلك أنك تذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعط إلا لفرس واحد ، والناس كلهم يحدثون أنه أعطاه أربعة أسهم لفرسين ومنعه الفرس الثالث ، والأمة كلهم على هذا الحديث أهل الزبير بن العوام الشام وأهل مصر وأهل العراق وأهل إفريقية ، لا يختلف فيه اثنان ; فلم يكن ينبغي لك - وإن كنت سمعته من رجل مرضي - أن تخالف الأمة أجمعين .
وقد تركت أشياء كثيرة من أشباه هذا ، وأنا أحب توفيق الله إياك وطول بقائك ; لما أرجو للناس في ذلك من المنفعة ، وما أخاف من الضيعة إذا ذهب مثلك مع استئناسي بمكانك ، وإن نأت الدار ; فهذه منزلتك عندي ورأيي فيك فاستيقنه ، ولا تترك الكتاب إلي بخبرك وحالك وحال ولدك وأهلك وحاجة إن كانت لك أو لأحد يوصل بك ، فإني أسر بذلك ، كتبت إليك ونحن صالحون معافون والحمد لله ، نسأل الله أن يرزقنا وإياكم شكر ما أولانا وتمام ما أنعم به علينا ، والسلام عليك ورحمة الله .
[ عود إلى القول في تأجيل بعض المهر ]
فإن قيل : فما تقولون فيما لو تجملوا وجعلوه حالا ، وقد اتفقوا في الباطن على تأخيره كصدقات النساء في هذه الأزمنة في الغالب : هل للمرأة أن تطالب به قبل الفرقة أو الموت ؟ .