فصل :
[ إبطال ] : ومن الحيل الباطلة حيلة للتمكن من رجعة البائن بغير علمها ، وقد ذكر أرباب الحيل وجوها كلها باطلة ; فمنها أن يقول لها : حلفت يمينا واستفتيت فقيل لي جدد نكاحك ; فإن كان الطلاق قد وقع وإلا لم يضرك ، فإذا أجابته قال : اجعلي الأمر إلي في تزويجك ، ثم يحضر الولي والشهود ويتزوجها ، فتصير امرأته بعد البينونة وهي لا تشعر ; فإن لم يتمكن من هذا الوجه فلينتقل إلى وجه ثان ، وهو أن يظهر أنه يريد سفرا ويقول : لا آمن الموت وأنا أريد أن أكتب لك هذه الدار وأجعل لك هذا المتاع صداقا بحيث لا يمكن إبطاله وأريد أن أشهد على ذلك ، فاجعلي أمرك إلي حتى أجعله صداقا ; فإذا [ ص: 245 ] فعلت عقد نكاحها على ذلك وتم الأمر ; فإن لم يرد السفر فليظهر أنه مريض ، ثم يقول لها : أريد أن أجعل لك ذلك ، وأخاف أن أقر لك به فلا يقبل ; فاجعلي أمرك إلي أجعله صداقا ، فإذا فعلت أحضر وليها وتزوجها ; فإن حذرت المرأة من ذلك كله ولم يتمكن منه لم يبق له إلا حيلة واحدة ، وهي أن يحلف بطلاقها ، أو التحيل على رد امرأته بعد أن بانت منه وهي لا تشعر بذلك ، فإذا فعلت أحضر الشهود والولي ثم يردها . يقول : قد حلفت بطلاقك أني أتزوج عليك في هذا اليوم أو هذا الأسبوع ، أو أسافر بك ، وأنا أريد أن أتمسك بك ولا أدخل عليك ضرة ولا تسافرين ، فاجعلي أمرك إلي حتى أخالعك وأردك بعد انقضاء اليوم وتتخلصي من الضرة والسفر
وهذه الحيلة باطلة ; فإن المرأة إذا بانت صارت أجنبية منه ; فلا يجوز نكاحها إلا بإذنها ورضاها ، وهي لم تأذن في هذا النكاح الثاني ، ولا رضيت به ، ولو علمت أنها قد ملكت نفسها وبانت منه فلعلها لا ترغب في نكاحه ، فليس له أن يخدعها على نفسها ويجعلها له زوجة بغير رضاها .
فإن قيل : إن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل جد النكاح كهزله ، وغاية هذا أنه هازل .
قيل : هذا ليس بصحيح ، وليس هذا كالهازل ; فإن الهازل لم يظهر أمرا يريد خلافه ، بل تكلم باللفظ قاصدا أنه لا يلزمه موجبه ، وذلك ليس إليه ، بل إلى الشارع ، وأما هذا فماكر مخادع للمرأة على نفسها ، مظهر أنها زوجته وأن الزوجية بينهما باقية وهي أجنبية محضة ; فهو يمكر بها ويخادعها بإظهار أنها زوجته وهي في الباطن أجنبية ; فهو كمن يمكر برجل يخادعه على أخذ ماله بإظهار أنه يحفظه له ويصونه ممن يذهب به ، بل هذا أفحش ; لأن حرمة البضع أعظم من حرمة المال ، والمخادعة عليه أعظم من المخادعة على المال ، والله أعلم .