[ ] هل تعلق التوبة بالشرط ؟
فإن قيل : هذا تعليق للتوبة أو الإسلام بالشرط ، ولا يصح تعليقه بشرط .
قيل : هذا من قلة فقه مورده ; فإن التوبة لا تصح إلا على هذا الشرط ، تلفظ به أو لم يتلفظ به ، وكذلك تجديد الإسلام لا يصح إلا بشرط أن يوجد ما يناقضه فتلفظه بالشرط تأكيد لمقتضى عقد التوبة والإسلام ، وهذا كما إذا قال : " إن كان هذا ملكي فقد بعتك إياه " فهل يقول أحد : إن هذا بيع معلق بشرط فلا يصح ؟ وكذلك إذا قال : " إن كانت هذه امرأتي فهي طالق " لا يقول أحد : إنه طلاق معلق ، ونظائره أكثر من أن تذكر ، وقد شرع الله لعباده [ ص: 300 ] التعليق بالشروط في كل موضع يحتاج إليه العبد ، حتى بينه وبين ربه كما { وقد شكت إليه وقت الإحرام ، فقال : حجي واشترطي على ربك فقولي : إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني ، فإن لك ما اشترطت على ربك لضباعة بنت الزبير } فهذا شرع مع الله في العبادة ، وقد شرعه على لسان رسوله لحاجة الأمة إليه ، ويفيد شيئين : جواز التحلل ، وسقوط الهدي ، وكذلك الداعي بالخيرة يشترط على ربه في دعائه ، فيقول : اللهم إن كان هذا الأمر خيرا لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري عاجله وآجله فاقدره لي ويسره لي ، فيعلق طلب الإجابة بالشرط لحاجته إلى ذلك لخفاء المصلحة عليه . قال النبي صلى الله عليه وسلم
وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم اشترط على ربه أيما رجل سبه أو لعنه وليس لذلك بأهل أن يجعلها كفارة له وقربة يقربه بها إليه ، وهذا تعليق للمدعو به بشرط الاستحقاق . وكذلك المصلي على الميت شرع له تعليق الدعاء بالشرط ، فيقول : اللهم أنت أعلم بسره وعلانيته ، إن كان محسنا فتقبل حسناته ، وإن كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته ; فهذا طلب للتجاوز عنه بشرط ، فكيف يمنع تعليق التوبة بالشرط ؟
وقال شيخنا : كان يشكل علي أحيانا حال من أصلي عليه الجنائز ، هل هو مؤمن أو منافق ؟ فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فسألته عن مسائل عديدة منها هذه المسألة ، فقال : يا الشرط الشرط ، أو قال : أحمد ، وكذلك أرشد أمته صلى الله عليه وسلم إلى تعليق الدعاء بالحياة والموت بالشرط فقال : { علق الدعاء بالشرط } . وكذلك قوله في الحديث الآخر : { لا يتمنى أحدكم الموت لضر نزل به ، ولكن ليقل : اللهم أحيني إذا كانت الحياة خيرا لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي } وقال : { وإذا أردت بعبادك فتنة فتوفني إليك غير مفتون } . المسلمون عند شروطهم ، إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا
أمر قد تدعو إليه الضرورة أو الحاجة أو المصلحة ; فلا يستغني عنه المكلف ، وقد صح تعليق النظر بالشرط بالإجماع ونص الكتاب ، وتعليق الضمان بالشرط بنص القرآن ، وتعليق النكاح بالشرط في تزويج وتعليق العقود والفسوخ والتبرعات والالتزامات وغيرها بالشروط موسى بابنة صاحب مدين وهو [ من ] أصح نكاح على وجه الأرض ، ولم يأت في شريعتنا ما ينسخه ، بل أتت مقررة له كقوله صلى الله عليه وسلم : " إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج " فهذا صريح في أن حل الفروج بالنكاح قد يعلق على شرط ، ونص الإمام على جواز أحمد ، وهذا هو الصحيح ، كما يعلق الطلاق والجعالة والنذر وغيرها من العقود ، وعلق أمير المؤمنين تعليق النكاح بالشرط رضي الله عنه عقد المزارعة بالشرط ، فكان يدفع أرضه إلى من يعمل عليها على أنه إن جاء عمر بالبذر فله كذا وإن جاء العامل بالبذر فله كذا ، ذكره عمر ، ولم يخالفه صاحب ، ونص الإمام البخاري على جواز أحمد في قوله : إن بعت هذه الجارية فأنا أحق بها بالثمن ، واحتج بأنه قول تعليق البيع [ ص: 301 ] بالشرط ، ورهن الإمام ابن مسعود نعله وقال للمرتهن : إن جئتك بالحق إلى كذا وإلا فهو لك ، وهذا بيع بشرط ، فقد فعله وأفتى به . أحمد
وكذلك ، نص على جوازه فعلا منه ، فقال لمن اغتابه ثم استحله : " أنت في حل إن لم تعد " فقال له تعليق الإبراء بالشرط : قد اغتابك وتحلله ؟ فقال : ألم ترني قد اشترطت عليه أن لا يعود ؟ والمتأخرون من أصحابه يقولون : لا يصح تعليق الإبراء بالشرط وليس ذلك موافقا لنصوصه ولا لأصوله ، وقد علق النبي صلى الله عليه وسلم ولاية الإمارة بالشرط ، وهذا تنبيه على تعليق الحكم في كل ولاية ، وعلى تعليق الوكالة الخاصة والعامة ، وقد علق الميموني تولية أبو بكر رضي الله عنه بالشرط ، ووافقه عليه سائر الصحابة فلم ينكره منهم رجل واحد ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : { عمر } فهذا الشرط خلاف مقتضى العقد المطلق ، وقد جوزه الشارع ، وقال : { من باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع ، إلا أن يشترطها المبتاع } وفي السنن عنه : { من باع عبدا وله مال فماله للبائع ، إلا أن يشترطه المبتاع } وفي المسند والسنن عن من أعتق عبدا وله مال فمال العبد له إلا أن يشترطه السيد قال : { سفينة ، فقالت : أعتقتك ، واشترطت عليك أن تخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عشت ، فقلت : ولو لم تشترطي علي ما فارقت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عشت ، فأعتقتني واشترطت علي لأم سلمة } ، وذكر كنت مملوكا في صحيحه عن البخاري رضي الله عنه قال : مقاطع الحقوق عند الشروط ولك ما شرطت ، عمر بن الخطاب
. وقال في باب الشروط في القرض : وقال البخاري ابن عمر : إذا أحله في القرض جاز ، وقال في باب ما يجوز من الاشتراط والثنيا في الإقرار والشروط التي يتعارفها الناس بينهم : وقال وعطاء ابن عوف عن قال قال رجل لكريه : ارحل ركابك فإن لم أرحل معك في يوم كذا وكذا فلك مائة درهم ، فلم يخرج ، فقال ابن سيرين : من شرط على نفسه طائعا غير مكره فهو عليه . شريح
وقال أيوب عن : إن رجلا باع طعاما فقال : إن لم آتك الأربعاء فليس بيني وبينك بيع ، فقال للمشتري : أنت أخلفته ، فقضى عليه . ابن سيرين
وقال في باب الشروط في المهر : وقال المسور : { } ثم ذكر فيه حديث : { سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر صهرا له فأثنى عليه في مصاهرته فأحسن ، فقال : حدثني فصدقني ، ووعدني فوفاني } . أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج
وقال في كتاب الحرث : وعامل الناس على أنه إن جاء عمر بالبذر من عنده فلهم الشطر ، وإن جاءوا بالبذر فلهم كذا . وهذا صريح في جواز : " إن خطته اليوم فلك كذا ، وإن خطته غدا فلك كذا " وفي جواز : " بعتكه بعشرة نقدا أو بعشرين نسيئة " فالصواب جواز هذا كله للنص والآثار والقياس . عمر
وقال : { جابر } . وروى [ ص: 302 ] بعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيرا ، واشترطت حملانه إلى أهلي عن سفيان بن عيينة عمرو بن دينار عن عبد الرحمن بن فروخ عن نافع بن عبد الحارث عامل على عمر مكة أنه اشترى من دارا صفوان بن أمية بأربعة آلاف درهم ، واشترط عليه لعمر بن الخطاب إن رضي نافع فالبيع له ، وإن لم يرض عمر أربع مائة درهم ، ومن هاهنا قال الإمام فلصفوان : لا بأس ببيع العربون ; لأن أحمد فعله ، وأجاز هذا البيع والشرط فيه عمر مجاهد ومحمد بن سيرين وزيد بن أسلم ونافع بن عبد الحارث ، وقال أبو عمر : وكان يقول : أجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكر الإمام زيد بن أسلم أن أحمد اشترى من نبطي حزمة حطب ، واشترط عليه حملها إلى قصر محمد بن مسلمة الأنصاري ، واشترى سعد جارية من امرأته وشرطت عليه أنه إن باعها فهي لها بالثمن ، وفي ذلك اتفاقهما على صحة البيع والشرط ، ذكره الإمام عبد الله بن مسعود وأفتى به . أحمد