[ ] الضمان وأثره
المثال الرابع والستون : اختلف الفقهاء في الضمان ، هل هو تعدد لمحل الحق وقيام للضمين مقام المضمون عنه أو هو استيثاق بمنزلة الرهن ؟ على قولين ، وهما روايتان عن ، يظهر أثرهما في مطالبة الضامن مع التمكن من مطالبة المضمون عنه ، فمن قال بالقول الأول - وهم الجمهور - قالوا : لصاحب الحق مطالبة من شاء منهما على السواء ، ومن قال بالقول الثاني قال : ليس له مطالبة الضامن إلا إذا تعذر عليه مطالبة المضمون عنه ، واحتج هؤلاء بثلاث حجج ; إحداها : أن الضامن فرع ، والمضمون عنه أصل ، وقاعدة الشريعة أن الفروع والأبدال لا يصار إليها إلا عند تعذر الأصول كالتراب في الطهارة والصوم في كفارة اليمين ، وشاهد الفرع مع شاهد الأصل . وقد اطرد هذا في ولاية النكاح واستحقاق الميراث ، لا يلي فرع مع أصله ولا يرث معه . الحجة الثانية : أن الكفالة توثقة [ ص: 310 ] وحفظ للحق ، فهي جارية مجرى الرهن ، ولكن ذاك رهن عين وهي رهن ذمة أقامها الشارع مقام رهن الأعيان للحاجة إليها واستدعاء المصلحة لها ، والرهن لا يستوفى منه إلا مع تعذر الاستيفاء من الراهن ، فكذا الضمين . ولهذا كثيرا ما يقترن الرهن والضمين لتواخيهما وتشابههما وحصول الاستيثاق بكل منهما . مالك
الحجة الثالثة : أن الضامن في الأصل لم يوضع لتعدد محل الحق كما لم يوضع لنقله ، وإنما وضع ليحفظ صاحب الحق حقه من التوى والهلاك ، ويكون له محل يرجع إليه عند تعذر الاستيفاء من محله الأصلي ، ولم ينصب الضامن نفسه لأن يطالبه المضمون له مع وجود الأصيل ويسرته والتمكن من مطالبته .
والناس يستقبحون هذا ، ويعدون فاعله متعديا ، ولا يعذرونه بالمطالبة ، حتى إذا تعذر عليه مطالبة الأصيل عذروه بمطالبة الضامن وكانوا عونا له عليه ، وهذا أمر مستقر في فطر الناس ومعاملاتهم بحيث لو طالب الضامن والمضمون عنه إلى جانبه والدراهم في كمه وهو متمكن من مطالبته لاستقبحوا ذلك غاية الاستقباح .
وهذا القول في القوة كما ترى ، وهو رواية ابن القاسم في الكتاب عن . مالك
ولا ينافي هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم : { } فإنه لا عموم له ، ولا يدل على أنه غارم في جميع الأحوال ، ولهذا لو أدى الأصيل لم يكن غارما ، ولحديث الزعيم غارم في ضمان دين الميت لتعذر مطالبة الأصيل ، ولا يصح الاحتجاج بأن الضمان مشتق من الضم فاقتضى لفظه ضم إحدى الذمتين إلى الأخرى لوجهين ; أحدهما : أن الضم من المضاعف ، والضمان من الضمين ، فمادتهما مختلفة ومعناهما مختلف وإن تشابها لفظا ومعنى في بعض الأمور . الثاني : أنه لو كان مشتقا من الضم فالضم قدر مشترك بين ضم يطالب معه استقلالا وبدلا ، والأعم لا يستلزم الأخص . أبي قتادة