[ ؟ ] هل يجوز إبهام الإجارة
المثال الخامس والستون : قد تدعو الحاجة إلى أن يكون عقد الإجارة مبهما غير معين ، فمثاله أن يقول له : إن ركبت هذه الدابة إلى أرض كذا فلك عشرة وإن ركبتها إلى أرض كذا فلك خمسة عشر ، أو يقول : إن خطت هذا القميص اليوم فلك درهم ، وإن خطته غدا فنصف درهم ، وإن زرعت هذه الأرض حنطة فأجرتها مائة ، أو شعيرا فأجرتها خمسون ، ونحو ذلك ; فهذا كله جائز صحيح ، لا يدل على بطلانه كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس ، بل هذه الأدلة تقتضي صحته ، وإن كان فيه نزاع متأخر ، فالثابت عن الصحابة الذي لا يعلم عنهم فيه نزاع جوازه كما ذكره في صحيحه عن البخاري أنه دفع أرضه إلى من يزرعها وقال : إن جاء عمر بالبذر من عنده فله كذا ، وإن جاءوا بالبذر فلهم كذا ، ولم يخالفه صحابي واحد ، ولا محذور في ذلك ، ولا خطر ، ولا غرر ، ولا أكل مال بالباطل ، ولا جهالة تعود إلى العمل ولا إلى العوض ، فإنه لا يقع إلا معينا ، والخيرة إلى الأجير ; أي ذلك أحب أن يستوفي فعل ، فهو كما لو قال [ له ] أي ثوب أخذته من هذه الثياب فقيمته كذا ، أو أي دابة ركبتها فأجرتها كذا ، أو أجرة هذه الفرس كذا [ وأجرة هذا الحمار كذا ] ، فأيها شئت فخذه ، أو ثمن هذا الثوب مائة وثمن هذا مائتان ، ونحو ذلك مما ليس فيه غرر ولا جهالة ولا ربا ولا ظلم ، فكيف تأتي الشريعة بتحريمه ؟ عمر
وعلى هذا فلا يحتاج إلى حيلة على فعله ، وكثير من المتأخرين من أتباع الأئمة يبطل هذا العقد ، فالحيلة على جوازه أن يقول : استأجرتك لتخيطه اليوم بدرهم ، فإن خطته غدا فلك أجرة مثله نصف درهم ، وكذا يقول : آجرتك هذه الدابة إلى أرض كذا بعشرة ، فإن ركبتها إلى أرض كذا وكذا فعليك أجرة مثلها كذا وكذا ، فإن خاف أن يكون يده يد عدوان ضمنه فليقل : فإذا انقضت المسافة الأولى فهي أمانة عندك ، هذا عند من لم يصحح الإجارة المضافة ، ومن صححها فالحيلة عنده أن يقول : فإذا قطعت هذه المسافة فقد آجرتكها إلى مسافة كذا وكذا ، فإذا انتهت آجرتكها إلى مسافة كذا وكذا ، فإن خشي المستأجر أن ينقضي شغله قبل ذلك فيبقى عقد الإجارة لازما له وقد فرغ شغله فالحيلة أن يقول : إذا انقضت المسافة أو المدة فقد وكلتك في إجارتها لمن شئت ، فليؤجرها لغيره ثم يستأجرها منه ، فإن خاف أن لا تتم هذه الحيلة على أصل من لا يجوز تعليق الوكالة بالشرط فليوكله في الحال وكالة غير معلقة ، ثم يعلق تصرفه بالشرط ، فيقول : أنت وكيلي في إجارتها ، فإذا انقضت المدة فقد أذنت لك في إجارتها . [ ص: 312 ]
وقال في كتاب إبطال الحيل : إن القاضي أبو يعلى دمشق بكذا ، ومن دمشق إلى الرملة بكذا ، ومن الرملة إلى مصر بكذا ، جاز له ; لأنه إذا سمى لكل من المسافتين أجرة معلومة فكل واحدة منهما كالمعقود عليه على حاله ، فلا يمنع صحة العقد . احتال في إجازة هذا الشرط فقال : استأجرها إلى
قلت : ولكن لا تنفعه هذه الحيلة إذا انقضى غرضه عند المسافة الأولى ، ويبقى عقد الإجارة لازما له فيما وراءها ، فتصير كما لو استأجرها إلى مصر فانقضى غرضه في الرملة ، فما الذي أفاده تعدد العقود ، فوجود هذه الحيلة وعدمها سواء ، فالوجه ما ذكرناه ، والله أعلم .