[ ص: 3 ] قسمة الدين المشترك ] المثال السادس والستون : تجوز فينفرد كل من الشريكين بحصته ، ويختص بما قبضه ، سواء كان في ذمة واحدة أو في ذمم متعددة ; فإن الحق لهما ، فيجوز أن يتفقا على قسمته أو على بقائه مشتركا ، ولا محذور في ذلك ، بل هذه أولى بالجواز من قسمة المنافع بالمهايأة بالزمان أو بالمكان ، ولا سيما فإن المهايأة بالزمان تقدم أحدهما على الآخر ، وقد تسلم المنفعة إلى نوبة الشريك ، وقد تتوى . قسمة الدين المشترك بميراث أو عقد أو إتلاف
والدين في الذمة يقوم مقام العين ، ولهذا تصح المعاوضة عليه من الغريم وغيره ، وتجب على صاحبه زكاته إذا تمكن من قبضه ، ويجب عليه الإنفاق على أهله وولده ورقيقه منه ، ولا يعد فقيرا معدما ، فاقتسامه يجري مجرى اقتسام الأعيان والمنافع ; فإذا رضي كل من الشريكين أن يختص بما يخصه من الدين فينفرد هذا برجل يطالبه ، وهذا برجل يطالبه ، أو ينفرد هذا بالمطالبة بحصته ، وهذا بالمطالبة بحصته ، لم يهدما بذلك قاعدة من قواعد الشريعة ، ولا استحلا ما حرم الله ، ولا خالفا نص كتاب الله ، ولا سنة رسوله ، ولا قول صاحب ، ولا قياسا شهد له الشرع بالاعتبار ، وغاية ما يقدر عدم تكافؤ الذمم ، ووقوع التفاوت فيها ، وأن ما في الذمة لم يتعين فلا يمكن قسمته ، ، وهذا لا يمنع تراضيهما بالقسمة مع التفاوت ; فإن الحق لا يعدوهما .
وعدم تعين ما في الذمة لا يمنع القسمة فإنه يتعين تقديرا ، ويكفي في إمكان القسمة التعين بوجه ; فهو معين تقديرا ، ويتعين بالقبض تحقيقا ، وأما قول أبي الوفاء بن عقيل : " لا تختلف الرواية عن في عدم جواز أحمد . قسمة الدين في الذمة الواحدة
واختلفت الرواية عنه في جواز قسمته إذا كان في الذمتين ، فعنه فيه روايتان " فليس كذلك ، بل عنه في كل من الصورتين روايتان ، وليس في أصوله ما يمنع جواز القسمة ، كما ليس في أصول الشريعة ما يمنعها ، وعلى هذا فلا يحتاج إلى حيلة على الجواز ، وأما من منع من القسمة فقد تشتد الحاجة إليها ، فيحتاج إلى التحيل عليها ، فالحيلة أن يأذن لشريكه أن يقبض من الغريم ما يخصه ، فإذا فعل لم يكن لشريكه أن يخاصمه فيه بعد الإذن ، على [ ص: 4 ] الصحيح من المذهب كما صرح به الأصحاب .
وكذلك لو قبض حصته ثم استهلكها قبل المحاصة لم يضعن لشريكه شيئا ، وكان المقبوض من ضمانه خاصة ، وذلك أنه لما أذن لشريكه في قبض ما يخصه فقد أسقط حقه من المحاصة ، فيختص الشريك بالمقبوض ، وأما إذا استهلك الشريك ما قبضه فإنه لا يضمن لشريكه حصته منه من قبل المحاصة ; لأنه لم يدخل في ملكه ، ولم يتعين له بمجرد قبض الشريك له ; ولهذا لو وفى شريكه نظيره لم يقل انتقل إلى القابض الأول ما كان ملكا للشريك ، فدل على أنه إنما يصير ملكا له بالمحاصة لا بمجرد قبض الشريك .
ومن الأصحاب من فرق بين كون الدين بعقد ، وبين كونه إتلافا أو إرثا ، ووجه الفرق أنه إذا كان بعقد فكأنه عقد مع الشريكين ، فلكل منهما أن يطالب بما يخصه ، بخلاف دين الإرث والإتلاف ، والله أعلم .