[ المبايعة يوميا والقبض عند رأس الشهر ]
المثال الثامن والستون : اختلفت الفقهاء في جواز البيع بما ينقطع به السعر من غير تقدير الثمن وقت العقد ، وصورتها ; فمنعه الأكثرون ، وجعلوا القبض به غير ناقل للملك ، وهو قبض فاسد يجري مجرى المقبوض بالغصب ; لأنه مقبوض بعقد فاسد . : البيع ممن يعامله من خباز أو لحام أو سمان أو غيرهم ، يأخذ منه كل يوم شيئا معلوما ثم يحاسبه عند رأس الشهر أو السنة على الجميع ، ويعطيه ثمنه
هذا وكلهم إلا من شدد على نفسه يفعل ذلك ، ولا يجد منه بدا ، وهو يفتي ببطلانه ، وأنه باق على ملك البائع ، ولا يمكنه التخلص من ذلك إلا بمساومته له عند كل حاجة يأخذها قل ثمنها أو كثر ، وإن كان ممن شرط الإيجاب والقبول لفظا ; فلا بد مع المساومة أن يقرن بها الإيجاب والقبول لفظا .
والقول الثاني - : وهو الصواب المقطوع به ، وهو عمل الناس في كل عصر ومصر - جواز البيع بما ينقطع به السعر ، وهو منصوص الإمام ، واختاره أحمد شيخنا ، وسمعته يقول : هو أطيب لقلب المشتري من المساومة ، يقول : لي أسوة بالناس آخذ بما يأخذ به غيري ، قال : والذين يمنعون من ذلك لا يمكنهم تركه ، بل هم واقعون فيه ، وليس في كتاب الله ، ولا سنة رسوله ، ولا إجماع الأمة ، ولا قول صاحب ، ولا قياس صحيح ما يحرمه ، وقد أجمعت الأمة على صحة النكاح بمهر المثل ، وأكثرهم يجوزون عقد الإجارة بأجرة المثل كالنكاح والغسال ، والخباز والملاح ، وقيم الحمام والمكاري ، والبيع بثمن المثل كبيع ماء الحمام ; فغاية البيع بالسعر أن يكون بيعه بثمن المثل ; فيجوز ، كما تجوز المعاوضة بثمن المثل في هذه الصورة وغيرها ; فهذا هو القياس الصحيح ، ولا تقوم مصالح الناس إلا به .
[ ص: 6 ] فإن بليت بالقائل هكذا في الكتاب ، وهكذا قالوا ; فالحيلة في الجواز أن يأخذ ذلك قرضا في ذمته ; فيجب عليه للدافع مثله ، ثم يعاوضه عليه بثمن معلوم ; فإنه بيع للدين من الغريم وهو جائز .
ولكن في هذه الحيلة آفة ، وهو أنه قد يرتفع السعر فيطالبه بالمثل فيتضرر الآخذ ، وقد ينخفض فيعطيه المثل فيتضرر الأول ; فالطريق الشرعية التي لم يحرمها الله ورسوله أولى بهما ، والله أعلم .