[ الحيل على ثلاثة أنواع ]
وحيل هذا الباب ثلاثة أنواع : ; فالنوعان الأولان جائزان ، وفي الثالث تفصيل ، فلا يمكن القول بجوازه على الإطلاق ، ولا بالمنع منه على الإطلاق ، بل إن كان المتحيل به حراما لحق الله لم يجز مقابلته بمثله ، كما لو جرعه الخمر أو زنى بحرمته ، وإن كان حراما ; لكونه ظلما له في ماله ، وقدر على ظلمه بمثل ذلك فهي مسألة الظفر ، وقد توسع فيها قوم حتى أفرطوا وجوزوا قلع الباب ، ونقب الحائط وخرق السقف ، ونحو ذلك ; لمقابلته بأخذ نظير ماله ، ومنعها قوم بالكلية ، وقالوا : لو كان عنده وديعة أو له عليه دين لم يجز له أن يستوفي منه قدر حقه إلا بإعلامه به ، وتوسط آخرون وقالوا : إن كان سبب الحق ظاهرا كالزوجية والأبوة والبنوة وملك اليمين الموجب للإنفاق فله أن يأخذ قدر حقه من غير إعلامه ، وإن لم يكن ظاهرا كالقرض وثمن المبيع ، ونحو ذلك لم يكن له الأخذ إلا بإعلامه ، وهذا أعدل الأقوال في المسألة ، وعليه تدل السنة دلالة صريحة ; والقائلون به أسعد بها ، وبالله التوفيق . حيلة على دفع الظلم والمكر حتى لا يقع ، وحيلة على رفعه بعد وقوعه ، وحيلة على مقابلته بمثله حيث لا يمكن رفعه
وإن كان بهتا له وكذبا عليه أو قذفا له أو شهادة عليه بالزور لم يجز له مقابلته بمثله ، وإن [ ص: 22 ] كان دعاء عليه أو لعنا أو مسبة فله مقابلته بمثله على أصح القولين ، وإن منعه كثير من الناس ، وإن كان إتلاف مال له فإن كان محترما كالعبد والحيوان لم يجز له مقابلته بمثله ، وإن كان غير محترم فإن خاف تعديه فيه لم يجز له مقابلته بمثله كما لو حرق داره لم يجز له أن يحرق داره ، وإن لم يتعد فيه - بل كان يفعل به نظير ما فعل به سواء كما لو قطع شجرته أو كسر إناءه أو فتح قفصا عن طائره أو حل وكاء مائع له أو أرسل الماء على مسطاحه فذهب بما فيه ونحو ذلك ، وأمكنه مقابلته بمثل ما فعل سواء - فهذا محل اجتهاد لم يدل على المنع منه كتاب ، ولا سنة ، ولا إجماع ، ولا قياس صحيح ، بل الأدلة المذكورة تقتضي جوازه كما تقدم بيانه في أول الكتاب .
وكان شيخنا رضي الله عنه يرجح هذا ويقول : هو أولى بالجواز من إتلاف طرفه بطرفه ، والله أعلم .