فصل : وقال : لا يصح الاستثناء في إيقاعهما ، ولا الحلف بهما ، ولا الظهار ، ولا الحلف به ، ولا النذر ، ولا في شيء من الأيمان ، إلا في اليمين بالله تعالى وحده ، وأما الإمام مالك فقال أحمد : وإذا استثنى في العتاق والطلاق فأكثر الروايات عن أبو القاسم الخرقي أنه توقف عن الجواب ، وقد قطع في مواضع أخر أنه لا ينفعه الاستثناء ، فقال في رواية أبي عبد الله ابن منصور : من حلف فقال " إن شاء الله " لم يحنث ، وليس له استثناء في الطلاق والعتاق ، وقال في رواية أبي طالب إذا قال " : أنت طالق إن شاء الله " لم تطلق ، وقال في رواية الحارث : إذا قال لامرأته " أنت طالق إن شاء الله " : الاستثناء إنما يكون في الأيمان .
قال الحسن وقتادة : ليس له ثنيا في الطلاق . وسعيد بن المسيب
وقال : وقوله : " إن شاء الله " قد شاء الله الطلاق حين أذن فيه ، وقال في رواية قتادة : من حلف فقال " إن شاء الله " لم يحنث ، وليس له استثناء في الطلاق والعتاق . حنبل
قال : لأنهما ليسا من الأيمان ، وقال صاحب المغني وغيره : وعنه ما يدل على أن الطلاق لا يقع ، وكذلك العتاق ; فعلى هذا يكون عنه في المسألة ثلاث روايات : الوقوع ، وعدمه ، والتوقف فيه ، وقد قال في رواية حنبل : إذا قال لامرأة " أنت طالق يوم أتزوج بك إن شاء الله " ثم تزوجها لم يلزمه شيء . الميموني
ولو قال لأمة " أنت حرة يوم أشتريك إن شاء الله " صارت حرة ، فلعل أبا حامد الإسفراييني وغيره ممن حكى عن الفرق بين " أنت طالق إن شاء الله " فلا تطلق " ، وأنت حرة إن شاء الله " فتعتق استند إلى هذا النص ، وهذا من غلطه على أحمد ، بل [ ص: 46 ] هذا تفريق منه بين صحة تعليق العتق على الملك وعدم صحة تعليق الطلاق على النكاح ، وهذا قاعدة مذهبه ، والفرق عنده أن الملك قد شرع سببا ; لحصول العتق كملك ذي الرحم المحرم ، وقد يعقد البيع سببا لحصول العتق اختيارا كشراء من يريد عتقه في كفارة أو قربة أو فداء كشراء قريبه ، ولم يشرع الله النكاح سببا لإزالته ألبتة ; فهذا فقهه وفرقه ، فقد أطلق القول بأنه لا ينفع الاستثناء في إيقاع الطلاق والعتاق ، وتوقف في أكثر الروايات عنه ، فتخرج المسألة على وجهين صرح بهما الأصحاب ، وذكروا وجها ثالثا ، وهو أنه إن قصد التعليق وجهل استحالة العلم بالمشيئة لم تطلق ، وإن قصد التبرك أو التأدب طلقت ، وقيل عن أحمد : يقع العتق دون الطلاق ، ولا يصح هذا التفريق عنه ، بل هو خطأ عليه . أحمد
قال شيخنا : وقد روي في الفرق حديث موضوع على يرفعه : فلو علق الطلاق على فعل يقصد به الحض أو المنع كقوله " أنت طالق إن كلمت فلانا إن شاء الله " فروايتان منصوصتان عن الإمام معاذ بن جبل : إحداهما : ينفعه الاستثناء ، ولا تطلق إن كلمت فلانا ، وهو قول أحمد ; لأنه بهذا التعليق قد صار حالفا ، وصار تعليقه يمينا باتفاق الفقهاء ، فصح استثناؤه فيها ; لعموم النصوص المتناولة للاستثناء في الحلف واليمين . أبي عبيدة
والثانية : لا يصح الاستثناء ، وهو قول كما تقدم ; لأن الاستثناء إنما ينفع في الأيمان المكفرة ، فالتكفير والاستثناء متلازمان ، ويمين الطلاق والعتاق لا يكفران ، فلا ينفع فيهما الاستثناء ، ومن هنا خرج مالك شيخنا على المذهب إجزاء التكفير فيهما ; لأن رضي الله عنه نص على أن الاستثناء إنما يكون في اليمين المكفرة ، ونص على أن الاستثناء ينفع في اليمين بالطلاق والعتاق ، فيخرج من نصه إجزاء الكفارة في اليمين بهما ، وهذا تخريج في غاية الظهور والصحة ، ونص أحمد على الوقوع لا يبطل صحة هذا التخريج ، كسائر نصوصه ، ونصوص غيره من الأئمة التي يخرج منها على مذهبه خلاف ما نص عليه . أحمد
وهذا أكثر ، وأشهر من أن يذكر ، ومن أصحابه من قال : إن أعاد الاستثناء إلى الفعل نفعه قولا واحدا ، وإن أعاده إلى الطلاق فعلى روايتين ، ومنهم من جعل الروايتين على اختلاف حالين ، فإن أعاده إلى الفعل نفعه ، وإن أعاده إلى قوله " أنت طالق " لم ينفعه .
وإيضاح ذلك أنه إذا قال : " إن دخلت الدار فأنت طالق إن شاء الله " فإنه تارة يريد " فأنت طالق إن شاء الله طلاقك " وتارة يريد " إن شاء الله تعليق اليمين بمشيئة الله " أي : إن شاء الله عقد هذه اليمين فهي معقودة ، فيصير كقوله " : والله لأقومن إن شاء الله " فإذا قام علمنا أن الله قد شاء القيام ، وإن لم يقم علمنا أن الله لم يشأ قيامه ، فما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن .
فلم يوجد الشرط فلم يحنث ، فينقل هذا بعينه إلى الحلف بالطلاق ; فإنه إذا قال [ ص: 47 ] الطلاق يلزمني لأقومن إن شاء الله القيام " فلم يقم لم يشأ الله له القيام ، فلم يوجد الشرط فلم يحنث ، فهذا الفقه بعينه .