[ ص: 166 ] ] الفائدة الثانية والثلاثون : الاجتهاد حالة تقبل التجزؤ والانقسام ، فيكون الرجل مجتهدا في نوع من العلم مقلدا في غيره ، أو في باب من أبوابه ، كمن استفرغ وسعه في نوع العلم بالفرائض وأدلتها واستنباطها من الكتاب والسنة دون غيرها من العلوم ، أو في باب الجهاد أو الحج ، أو غير ذلك ; فهذا ليس له الفتوى فيما لم يجتهد فيه ، ولا تكون معرفته بما اجتهد فيه مسوغة له الإفتاء بما لا يعلم في غيره ، وهل له أن يفتي في النوع الذي اجتهد فيه ؟ فيه ثلاثة أوجه : أصحها الجواز ، بل هو الصواب المقطوع به . هل للمجتهد في نوع من العلم أن يفتي فيه ؟
والثاني : المنع .
والثالث : الجواز في الفرائض دون غيرها .
فحجة الجواز أنه قد عرف الحق بدليله ، وقد بذل جهده في معرفة الصواب ; فحكمه في ذلك حكم المجتهد المطلق في سائر الأنواع .
وحجة المنع تعلق أبواب الشرع وأحكامه بعضها ببعض ، فالجهل ببعضها مظنة للتقصير في الباب والنوع الذي قد عرفه ، ولا يخفى الارتباط بين كتاب النكاح والطلاق والعدة وكتاب الفرائض ، وكذلك الارتباط بين كتاب الجهاد وما يتعلق به ، وكتاب الحدود والأقضية والأحكام ، وكذلك عامة أبواب الفقه .
ومن فرق بين الفرائض وغيرها رأى انقطاع أحكام قسمة المواريث ومعرفة الفروض ومعرفة مستحقها عن كتاب البيوع والإجارات والرهون والنضال وغيرها ، وعدم تعلقاتها ، وأيضا فإن عامة أحكام المواريث قطعية ، وهي منصوص عليها في الكتاب والسنة .
فإن قيل : فما تقولون فيمن ؟ قيل : نعم يجوز في أصح القولين ، وهما وجهان لأصحاب الإمام بذل جهده في معرفة مسألة أو مسألتين ، هل له أن يفتي بهما ، وهل هذا إلا من التبليغ عن الله وعن رسوله ، وجزى الله من أعان الإسلام ولو بشطر كلمة خيرا ، ومنع هذا من الإفتاء بما علم خطأ محض ، وبالله التوفيق . أحمد