فصل [ التابعون يصرحون بذم القياس ]
وكذلك أئمة التابعين وتابعوهم يصرحون بذم القياس ، وإبطاله ، والنهي عنه
قال : ثنا الطحاوي ابن علية حدثني عمرو بن أبي عمران ثنا يحيى بن سليمان الطائفي حدثني قال : سمعت داود بن أبي هند يقول : القياس شؤم ، وأول من قاس إبليس فهلك ، وإنما عبدت الشمس والقمر بالمقاييس . محمد بن سيرين
[ ص: 194 ] وقال : أخبرني ابن وهب أن مسلم بن علي قال : إن السنة سبقت قياسكم . شريحا الكندي هو القاضي
وقال ابن أبي حاتم : ثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي ثنا وهب بن إسماعيل عن داود الأودي قال : قال لي الشعبي : احفظ عني ثلاثا لها بيان ، إذا سئلت عن مسألة فأجبت فيها فلا تتبع مسألتك أرأيت ; فإن الله قال في كتابه : { أرأيت من اتخذ إلهه هواه } ، حتى فرغ من الآية الأولى ، والثانية إذا سئلت عن مسألة فلا تقس شيئا بشيء ، فربما حرمت حلالا أو حللت حراما ، وإذا سئلت عما لا تعلم فقل : لا أعلم ، وأنا شريكك .
وقال : أخبرني ابن وهب يحيى بن أيوب عن عيسى بن أبي عيسى عن الشعبي أنه سمعه يقول : إياكم والمقايسة ; فوالذي نفسي بيده إن أخذتم بالمقايسة لتحلن الحرام ولتحرمن الحلال ، ولكن ما بلغكم عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحفظوه .
وقال : ثنا الطحاوي ثنا يوسف بن يزيد القراطيسي ثنا سعيد بن منصور عن جرير بن عبد الحميد المغيرة بن مقسم عن الشعبي ، قال : السنة لم توضع بالقياس .
وقال الخشني : ثنا محمد بن بشار ثنا ثنا يحيى بن سعيد القطان صالح بن مسلم قال : قال لي عامر الشعبي يوما ، وهو آخذ بيدي : إنما هلكتم حين تركتم الآثار وأخذتم بالمقاييس .
وقال عن عباس بن الفرج الرياشي أنه قيل له : إن الأصمعي الخليل بن أحمد يبطل القياس ، فقال : أخذ هذا عن . إياس بن معاوية
وقال : ثنا علي بن عبد العزيز البغوي أبو الوليد القرشي أخبرنا محمد بن عبد الله بن بكار القرشي ثنا سليمان بن جعفر ثنا محمد بن يحيى الربعي عن ابن شبرمة أن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين قال : اتق الله ولا تقس فإنا غدا نقف نحن ومن خالفنا بين يدي الله فنقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال الله ، وتقول أنت وأصحابك : رأينا ، وقسنا ، فيفعل الله بنا وبكم ما يشاء . لأبي حنيفة
وبهذا الإسناد إلى ابن شبرمة قال : دخلت أنا على وأبو حنيفة جعفر بن محمد بن الحنفية ، فسلمت عليه وكنت له صديقا ، ثم أقبلت على جعفر وقلت له : أمتع الله بك ، هذا رجل من أهل العراق ، وله فقه وعقل ، فقال لي جعفر : لعله الذي يقيس الدين برأيه ، ثم أقبل علي فقال : أهو النعمان ؟ فقال له : نعم ، أصلحك الله ، فقال له أبو حنيفة جعفر : اتق الله ولا تقس الدين برأيك ، فإن أول من قاس إبليس ; إذ أمره الله بالسجود لآدم ، فقال : { أنا [ ص: 195 ] خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين } ثم قال : أخبرني عن كلمة أولها شرك وآخرها إيمان ، فقال : لا أدري ، قال لأبي حنيفة جعفر : هي لا إله إلا الله ، فلو قال " لا إله " ثم أمسك كان مشركا ; فهذه كلمة أولها شرك وآخرها إيمان ، ثم قال له : ويحك ، أيهما أعظم عند الله : قتل النفس التي حرم الله ، أو الزنا ؟ قال : بل قتل النفس ، فقال له جعفر : إن الله قد قبل في قتل النفس شاهدين ولم يقبل في الزنا إلا أربعة ، فكيف يقوم لك قياس ؟ ثم قال : أيهما أعظم عند الله : الصوم ، أو الصلاة ؟ قال : بل الصلاة ، قال : فما بال المرأة إذا حاضت تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة ؟ اتق الله يا عبد الله ، ولا تقس ، فإنا نقف غدا نحن وأنت بين يدي الله فنقول : قال الله - عز وجل - ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتقول أنت وأصحابك : قسنا ، ورأينا ، فيفعل الله بنا وبكم ما يشاء .
وقال : سمعت ابن وهب يقول : الزم ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع { مالك بن أنس } . : أمران تركتهما فيكم لن تضلوا ما تمسكتم بهما : كتاب الله ، وسنة نبيه
قال : وقال ابن وهب : { مالك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إمام المسلمين ، وسيد العالمين ، يسأل عن الشيء فلا يجيب حتى يأتيه الوحي من السماء } ، فإذا كان رسول رب العالمين لا يجيب إلا بالوحي ، وإلا لم يجب ، فمن الجرأة العظيمة إجابة من أجاب برأيه ، أو قياس ، أو تقليد من يحسن به الظن ، أو عرف ، أو عادة ، أو سياسة ، أو ذوق ، أو كشف ، أو منام ، أو استحسان ، أو خرص ، والله المستعان وعليه التكلان .
وقال أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو : ثنا قال : سمعت يزيد بن عبد ربه يقول وكيع بن الجراح ليحيى بن صالح الوحاظي : يا أبا زكريا ، احذر الرأي فإني سمعت يقول : البول في المسجد أحسن من بعض قياسهم . أبا حنيفة
وقال : قال لي عبد الرزاق حماد بن أبي حنيفة : قال أبي : من لم يدع القياس في مجلس القضاء لم يفقه .
فهذا يقول : إنه لا يفقه من لم يدع القياس في موضع الحاجة إليه ، وهو مجلس القضاء ، قالوا : فتبا لكل شيء لا يفقه المرء إلا بتركه . أبو حنيفة
وقال عن عبد الرزاق عن معمر : ما عبدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس . ابن شبرمة
وقال داود بن الزبرقان عن قال : ثنا مجالد بن سعيد الشعبي يوما قال : يوشك أن يصير الجهل علما والعلم جهلا ، قالوا : وكيف يكون هذا يا أبا عمرو ؟ قال : كنا نتبع الآثار وما جاء عن الصحابة رضي الله عنهم ، فأخذ الناس في غير ذلك وهو القياس .
[ ص: 196 ] وقال : حدثنا وكيع عيسى الخياط عن الشعبي قال : لأن أتعنى بعنية أحب إلي من أن أقول في مسألة برأي . قلت : رواه بالعين المهملة ، وعنية بوزن غنية ، ثم فسره بأن العنية أخلاط تنقع في أبوال الإبل . حينا حتى تطلى بها الإبل من الجرب . أبو محمد بن قتيبة
وقال : حدثنا الأثرم قبيصة حدثنا سفيان عن عن جابر الشعبي عن قال : لا أقيس شيئا بشيء ، قيل : لم ؟ قال : أخشى أن تزل رجلي . وسئل عن مسألة فقال : لا أدري ، فقيل له : فقس لنا برأيك ، فقال : أخاف أن تزل قدمي . وكان يقول : إياكم والقياس والرأي ; فإن الرأي قد يزل . مسروق
. وكان الشعبي يقول : لا تجالس أصحاب القياس فتحل حراما أو تحرم حلالا .
وقال : ثنا الخلال قال : سمعت أبو بكر المروزي ينكر على أصحاب القرائن ، ويتكلم فيه بكلام شديد . أبا عبد الله أحمد بن حنبل
وقال : ثنا الأثرم محمد بن كناسة ثنا صالح بن مسلم عن الشعبي قال : لقد بغض إلي هؤلاء القوم هذا المسجد ، حتى لهو أبغض إلي من كناسة داري ، قلت : من هم يا أبا عمرو ؟ قال : هؤلاء الأرائيون أرأيت أرأيت .
وقال عن حماد بن زيد قال : ترك أصحاب الرأي الآثار والله . مطر الوراق
وقال محمد بن خاقان : سمعت في آخر خرجة خرج ، فقلنا له : أوصنا ، فقال : لا تتخذوا الرأي إماما ابن المبارك