مسألة
القائلون بتخصيص العلة اختلفوا في أنه فيه مذاهب : هل يجب على المستدل ابتداء [ ص: 347 ] التعرض لنفي المانع ، بأن يذكر قيدا يخرج به محل النقض ؟
أحدها : أنه يلزمه مطلقا ، لئلا تنقض العلة .
والثاني : لا يلزمه مطلقا ، واختاره ، ونقله ابن الحاجب الهندي في " النهاية " عن الأكثرين . وقال : إنه الحق ، كما في سائر المعارض .
والثالث : إن كان سببا ، وهو ما يرد على كل علة ، كالعرايا ، لم يلزمه ، وإلا كالتطوع في مسألة تبييت النية لزمه ، إذ لا يبقى إلا الدعوى المجردة في خروجه عن القاعدة . واختاره الغزالي في " شفاء العليل " ولم يقف ابن دقيق على هذا المذهب فقال : لو قيل به لم يكن له وجه .
الرابع : إن كان مناظرا وجب الاحتراز عنه مطلقا ، وإن كان ناظرا مجتهدا فكذلك ، إلا فيما اشتهر من المستثنيات فصار كالمذكورة . وقال في " شفاء العليل " : أنه إذا لم يستثن وجب على الناظر . وأما المجتهد فهل ينقطع ظنه عن العلة التي ظنها ؟ تردد وهل يجوز أن يبقى الظن مع ورود النقض ؟ القاضي في هذا ، بناء على القول ببطلان العلة بمثل هذا النقض ، هل هو معلوم أو مظنون ؟ قال : والمختار عندي : إن قدح الاعتذار عن مسألة النقض بفرق فقهي ، فلا شك في انقطاع الظن ، وإن لم يقدح عذر ففي انقطاع الظن نظر . تنبيه :
المراد بالاحتراز عنه ذكره إما في أول الدليل ، أو بعد توجه النقض عليه ، ولا يعد منقطعا . هذا اصطلاح متأخري الجدليين . وأما المتقدمون منهم فاعتبروه أول الدليل ، وقالوا : إن أخذ القيد للنقض في الدليل أولا قبل [ ص: 348 ] منه ، وإن لم يأخذه أولا وأورده عليه فأخذه قيدا لم يقبل ، ويعد منقطعا ، وعليه جرى في " المستصفى " وبه تصير المذاهب خمسة ، وصاحب " المحصول " حكى الخلاف في الاحتراز عنه في الدليل قولين ولم يرجح شيئا ، ثم حكاه أيضا في الوارد استثناء فقال : وهل يجب الاحتراز عنه في اللفظ ؟ اختلفوا فيه ، والأولى الاحتراز . انتهى .
وقال صاحب " المقترح " : يضره الاحتراز ، لأنه يكون اعترافا منه بأن النقض لا يدل على التعليل . وفيما قاله نظر ، لأن غايته أن تعرض لما يلزم ، ونبه المعترض على أن النقض لا يرد عليه ، وليس فيه ما يدل على اعترافه .
فرع :
ذهب بعضهم إلى أن بطلان العلة بالنقض من القطعيات . قال القاضي : وليس الأمر كذلك عندي ، بل هي من المجتهدات . وكل مأمور بما غلب على ظنه . وجعل إمام الحرمين بعضه قطعيا وبعضه ظنيا بناء على تفصيله السابق .