[ ص: 95 ] الاستحسان وقد نوزع في ذكره في جملة الأدلة بأن الاستحسان العقلي لا مجال له في الشرع ، والاستحسان الشرعي لا يخرج عما ذكرناه ، فما وجه ذكره ؟ وهو لغة : اعتماد الشيء حسنا ، سواء كان علما أو جهلا ، ولهذا قال  الشافعي    : القول بالاستحسان  باطل ، فإنه لا ينبئ عن انتحال مذهب بحجة شرعية ، وما اقتضته الحجة الشرعية هو الدين سواء استحسنه نفسه أم لا . ونسب القول به إلى  أبي حنيفة  ، وعن أصحابه أنه أحد القياسين ، وقد حكاه عنه  الشافعي   وبشر المريسي    . قال الماوردي    : وأنكر أصحابه ما حكى  الشافعي  عنه ، ونسبه إمام الحرمين  إلى  مالك  ، وأنكره  القرطبي  وقال : ليس معروفا من مذهبه . وقد أنكره الجمهور ، حتى قال  الشافعي    : " من استحسن فقد شرع " . وهي من محاسن كلامه . قال الروياني    : ومعناه أن ينصب من جهة نفسه شرعا غير شرع المصطفى    . 
 [ ص: 96 ] قال أصحابنا : ومن شرع فقد كفر . وسكت  الشافعي  عن المقدمة الثانية لوضوحها . قال السنجي  في شرح التلخيص " : مراده لو جاز الاستحسان بالرأي على خلاف الدليل لكان هذا بعث شريعة أخرى على خلاف ما أمر الله ، والدليل عليه أن أكثر الشريعة مبني على خلاف العادات ، وعلى أن النفوس لا تميل إليها . ولهذا قال عليه السلام : { حفت الجنة بالمكاره ، وحفت النار بالشهوات   } وحينئذ فلا يجوز استحسان ما في العادات على خلاف الدليل . وقال  الشافعي  في " الرسالة " : الاستحسان تلذذ ، ولو جاز لأحد الاستحسان في الدين جاز ذلك لأهل العقول من غير أهل العلم ، ولجاز أن يشرع في الدين في كل باب ، وأن يخرج كل واحد لنفسه شرعا ، وأي استحسان في سفك دم امرئ مسلم . وأشار بذلك إلى إيجاب الحد على المشهود عليه بالزنى في الزوايا . قال  أبو حنيفة    : القياس أنه لا رجم عليه ولكنا نرجمه استحسانا . وقال في آخر " الرسالة " : " تلذذ " وإنما قال ذلك لأنه قد اشتهر عنهم أن المراد به حكم المجتهد بما يقع في خاطره من غير دليل . وقال ابن القطان    : قد كان أهل العراق  على طريقة في القول بالاستحسان ، وهو ما استحسنته عقولهم وإن لم يكن على أصل ، فقالوا به في كثير من مسائلهم حتى قالوا في الجزاء : إن القياس أن فيه القيمة ، والاستحسان : شاة ، وقالوا في الشهود بالزوايا : الحد استحسانا . قال : وقد تكلم  الشافعي  وأصحابه عن بطلانه بقوله عليه السلام ، حين بعث  معاذا  ودله على الاجتهاد عند فقد النص ، ولم يذكر له الاستحسان . وقد نهى الله عن اتباع الهوى وممن أنكروا الاستحسان من الحنفية الطحطاوي  ، حكاه  ابن حزم    . 
 [ ص: 97 ] واعلم أنه إذا حرر المراد بالاستحسان زال التشنيع ،  وأبو حنيفة  بريء إلى الله من إثبات حكم بلا حجة . قال الفارض المعتزلي  في النكت " : وقد جرت لفظة ( الاستحسان )  لإياس بن معاوية  ،  ولمالك بن أنس  في كتابه ،  وللشافعي  في مواضع . انتهى . وعن ابن القاسم  ، قال  مالك    : تسعة أعشار العلم الاستحسان . قال  أصبغ بن الفرج    : الاستحسان في العلم يكون أبلغ من القياس . ذكره في كتاب أمهات الأولاد من " المستخرجة " نقله  ابن حزم  في الأحكام " . وقال الباجي    : ذكر محمد بن خويز منداد  معنى الاستحسان الذي ذهب إليه أصحاب  مالك    : هو القول بأقوى الدليلين ، كتخصيص بيع العرايا من بيع الرطب بالتمر ، وتخصيص الرعاف دون القيء بالبناء ، للحديث فيه ، وذلك لأنه لو لم ترد سنة بالبناء في الرعاف لكان في حكم القيء في أنه لا يصح البناء ، لأن القياس يقتضي تتابع الصلاة ، فإذا وردت السنة في الرخصة بترك التتابع في بعض المواضع صرنا إليه ، وأبقينا الباقي على الأصل . قال : وهذا الذي ذهب إليه هو الدليل ، فإن سماه استحسانا فلا مشاحة في التسمية . انتهى . 
 [ ص: 98 ] وقال الإبياري    : الذي يظهر من مذهب  مالك  القول بالاستحسان ، لا على ما سبق ، بل حاصله استعمال مصلحة جزئية في مقابلة قياس كلي ، فهو يقدم الاستدلال المرسل على القياس . ومثاله : لو اشترى سلعة بالخيار ثم مات وله ورثة    . فقيل : يرد ، وقيل : يختار الإمضاء . قال  أشهب    : القياس الفسخ ، ولكنا نستحسن إن أراد الإمضاء أن يأخذ من لم يمض إذا امتنع البائع من قبول نصيب الراد . وقال ابن القاسم    : قلت  لمالك    : لم يقض بالشاهد واليمين في جراح العمد وليس بمال ؟ فقال : إنه لشيء استحسناه . والظاهر أنه قاسه على الأموال . 
وقال بعض محققي المالكية : بحثت عن موارد الاستحسان في مذهبنا فإذا هو يرجع إلى ترك الدليل بمعارضة ما يعارضه بعض مقتضاه ، كترك الدليل للعرف في رد الأيمان إلى العرف أو المصالحة ، كما في تضمين الأجير المشترك  ، ولإجماع أهل المدينة  كما في إيجاب غرم القيمة على من قط ذنب بغلة الحاكم ، أو في اليسير ، كرفع المشقة وإيثار التوسعة كما جاز التفاضل اليسير في المراطلة ، وإجازة بيع وصرف في اليسير . وقال بعضهم : هو معنى ليس في سلوكه إبطال القواعد ، ولا يجري عليها جريا مخلصا ، كما في مسألة خيار الرؤية . وقال ابن السمعاني    : إن كان الاستحسان هو القول بما يستحسنه الإنسان ويشتهيه من غير دليل فهو باطل ، ولا أحد يقول به . ثم حكى كلام أبي زيد  أنه اسم لضرب دليل يعارض القياس الجلي ، حتى كان القياس غير الاستحسان على سبيل المعارضة ، وكأنهم سموه بهذا الاسم لاستحسانهم ترك القياس أو الوقوف عن العمل به بدليل آخر فوقه في المعنى المؤثر أو مثله ، ولم يكن لهم من هذه التسمية إلا التمييز بين حكم الأصل الذي يبنى على الأصل قياسا ، والذي قال استحسانا وهذا كما ميز أهل النحو بين وجوه  [ ص: 99 ] النصب فقالوا : هذا نصب على الظرف ، وهذا نصب على المصدر . ثم نبه ابن السمعاني  على أن الخلاف بيننا وبينهم لفظي ، فإن تفسير الاستحسان بما يشنع عليهم لا يقولون به . 
والذي يقولون به إنه العدول في الحكم من دليل إلى دليل هو أقوى منه . فهذا مما لم ينكره . لكن هذا الاسم لا نعرفه اسما لما يقال به بمثل هذا الدليل . وقريب منه قول القفال    : إن كان المراد بالاستحسان ما دل عليه الأصول لمعانيها فهو حسن ، لقيام الحجة له وتحسين الدلائل ، فهذا لا ننكره ونقول به . وإن كان ما يقبح في الوهم من استقباح الشيء واستحسانه بحجة دلت عليه من أصل ونظير فهو محظور والقول به غير سائغ . وقال السنجي    : الاستحسان كلمة يطلقها أهل العلم ، وهي على ضربين    : أحدهما : واجب بالإجماع ، وهو أن يقدم الدليل الشرعي أو العقلي على حسنه ، كالقول بحدوث العالم ، وقدم المحدث ، وبعثه الرسل وإثبات صدقهم ، وكون المعجزة حجة عليهم ، ومثل مسائل الفقه ، لهذا الضرب يجب تحسينه ، لأن الحسن ما حسنه الشرع ، والقبح ما قبحه . والثاني : أن يكون على مخالفة الدليل مثل أن يكون الشيء محظورا بدليل شرعي وفي عادات الناس إباحته ، ويكون في الشرع دليل يغلظه ، وفي عادات الناس التخفيف ، فهذا عندنا يحرم القول به ويجب اتباع الدليل وترك العادة والرأي . وسواء كان ذلك الدليل نصا أو إجماعا أو قياسا . وذهب  أبو حنيفة  وأصحابه إلى أن ذلك الدليل إن كان خبر واحد أو قياسا استحسن تركهما والأخذ بالعادات ، كقوله في خبر المتبايعين : أرأيت لو كانا في سفينة ، فرد الخبر بالاستحسان وعادة الناس . وكقوله في شهود الزوايا    . انتهى . 
 [ ص: 100 ] إذا علمت هذا فاعلم أنه قد اختلفت الحنفية في حقيقة الاستحسان  على أقوال : أحدها : أنه العمل بأقوى القياسين : وعلى هذا يرتفع الخلاف ، كما قال الماوردي  والروياني  ، لأنا نوافقهم عليه ، لأنه الأحسن . والثاني : أنه تخصيص العلة ، كما خص خروج الجص والنورة من علة الربا في البر وإن كان مكيلا ، وجزم به صاحب " العنوان " . قال شارحه : وفي حصره في هذا المعنى نظر عندي ، وعلى هذا التفسير قال القفال  والماوردي    : نحن نخالفهم بناء على أنه لا يجوز تخصيص العلة عندنا . قال ابن الصباغ    : ولو كان هذا التخصيص لما جاز تركه إلى القياس ، كما لا يجوز التمسك بالعام مع قيام دليل المخصص . الثالث : أنه ترك أقوى القياسين بأضعفهما إذا كان حتما ، كما قال في شهود الزنى : القياس أنه لا يحد ، ولكن أحده استحسانا . 
قال الماوردي  والروياني    : وهو بهذا التفسير يخالف فيه ، لأن أقوى القياسين عندنا أحسن من أضعفهما ، ولأن في مسألة الزوايا لا قياس أصلا ولا خبرا . الرابع : أنه تخصيص القياس بالسنة ، حكاه القاضي الحسين  ، ولأجله قال إمام الحرمين  أنهم ربما يسندون لما يرونه إلى خبر ، كمصيرهم إلى أن الناسي بالأكل لا يفطر ، لخبر  أبي هريرة    . الخامس : قال إلكيا    : وهو أحسن ما قيل في تفسيره ، ما قاله  أبو الحسن الكرخي  أنه قطع المسائل عن نظائرها لدليل خاص يقتضي العدول عن الحكم الأول فيه إلى الثاني ، سواء كان قياسا أو نصا ، يعني أن المجتهد يعدل عن الحكم من مسألة بما يحكم في نظائرها إن الحكم بخلافه ، لوجه  [ ص: 101 ] يقتضي العدول عنه ، كتخصيص  أبي حنيفة  قول القائل : ما لي صدقة على الزكاة . فإن هذا القول منه عام في التصديق بجميع ماله . 
وقال  أبو حنيفة    : يختص بمال الزكاة ، لقوله تعالى : { خذ من أموالهم صدقة    } والمراد من الأموال المضافة إليهم أموال الزكاة ، فعدل عن الحكم في مسألة المال الذي ليس هو بزكوي بما حكم به في نظائرها من الأموال الزكوية إلى خلاف ذلك الحكم ، لدليل اقتضى العدول وهو الآية . وقال عبد الوهاب    : هو قول المحصلين من الحنفية ، قال : ويجب أن يكون هو الذي قال به أصحابنا ، فقال  القاضي أبو الطيب    : يجب أن يكون ذلك الدليل أقوى من القياس الذي اقتضى إلحاقها بنظائرها ، لأنه لا يجوز ترك القياس ولا غيره من الأدلة إلا لما هو أقوى منه ، وحينئذ فيكون مذهبه كله استحسانا ، لأنه عدول بالخاص عن بقية أفراد العام لدليل . وحكى ابن القطان  عن  الكرخي  أنه فسره بأدق القياسين . وقال في المنخول " : الصحيح في ضبطه قول  الكرخي    . وقد قسمه أربعة أقسام : أحدها : اتباع الحديث وترك القياس ، كما فعلوا في مسألة القهقهة ونبيذ التمر . الثاني : اتباع قول الصحابي إذا خالف القياس ، كما قالوا في أجرة العبد الآبق بأربعين ، اتباعا  لابن عباس    . الثالث : اتباع العادة المطردة ، كالمعاطاة ، فإن استمرارها يشهد بصحة نقلها خلفا عن سلف ، ويغلب على الظن أنه في عصر الرسول . 
الرابع : اتباع معنى خفي هو أخص بالمقصود ، كما في إيجاب الحد بشهود الزوايا ، لإمكان أن يكون فعلة واحدة كأن يزحف فيها . قال الغزالي    : وتقديم الخبر على القياس  وجب عندنا ، لكن الخبر الصحيح . وكذلك قول الصحابي إذا خالف القياس  يتبع عندنا . وأما أن الأعصار . 
 [ ص: 102 ] لا تتفاوت فمردود ، لأن العقود الفاسدة في الكثرة حدثت بعد عصر الصحابة والسلف    . فأما المعنى الخفي إذا كان أخص فهو متبع . ولكن  أبا حنيفة  لم يكتف بموجبه حتى أتى بالعجب فقال : يجب الحد على من شهد عليه أربعة بالزنى أربع زوايا ، كل واحد يشهد على زاوية . قال : ولعله كان يتزحف في زنية واحدة . وأي استحسان في سفك دم امرئ مسلم بهذا الخيال . انتهى . وقضية كلام الرافعي  أن الخلاف في الثالث ، فقال : المنقول عن  أبي حنيفة  أنه يتبع ما استحسن بالعادة ويترك الكتاب والسنة المتواترة . ومثله بشهود الزنى . انتهى . وذكر أبو بكر محمد بن أحمد البلعمي الحنفي  في كتاب الغرر في الأصول " أنه تعليق الحكم بالمعنى الخفي قال : ولا عيب إذن في إطلاقه ، بل العيب على من جهل حقيقته وقال به من حيث عيب عن قائله . قال : وذكر  أبو بكر الرازي  في كتابه قال : حدثني بعض قضاة مدينة السلام  ممن كان يلي القضاء في زمان المستعين بالله  ، قال : سمعت إبراهيم بن جابر  ، وكان رجلا كثير العلم ، صنف في اختلاف الفقهاء ، وكان يقول بنفي القياس بعد أن أثبته . 
قلت له : ما الذي أوجب عندك القول بنفي القياس بعد القول به ؟ قال : قرأت كتاب إبطال الاستحسان "  للشافعي  ، فرأيته صحيحا في معناه ، إلا أن جميع ما احتج به هو بعينه يبطل القياس ، وصح به عندي بطلانه . قال : فهذه حكاية تنادي على الخصم أنه يقول بما يعود عليه بالنقض . قلت    : إن كان الاستحسان كما نقول فهو نوع من القياس ، فلا وجه لتسميتك به باسم آخر . ولئن قلت : لا مشاحة في الاصطلاح قلنا : هنا يوهم أنه دليل غير القياس ، فقل : هو قياس في المعنى . وله اسم آخر في  [ ص: 103 ] اللفظ ، وهو أحد أنواع القياس ، وحينئذ فيرتفع الخلاف . السادس : أنه دليل ينقدح في نفس المجتهد تقتصر عنه عبارته ، فلا يقدر أن يتفوه به . قال الغزالي  رحمه الله : وهذا هو بين ، لأن ما يقدر على التعبير عنه لا يدري هو وهم أو تحقيق . 
ورد عليه  القرطبي    : بأن ما يحصل في النفس من مجموع قرائن الأقوال من علم أو ظن ، لا يتأتى عن دليله عبارة مطابقة له . ثم لا يلزم من الاختلال بالعبارة الإخلال بالمعبر عنه ، فإن تصحيح المعاني بالعلم اليقيني لا بالنطق اللفظي ، قال : ويظهر لي أن هذا أشبه ما يفسر به الاستحسان . قلت    : وعلى هذا ينبغي أن يتمسك به المجتهد فيما غلب على ظنه . أما المناظر فلا يسمع منه ، بل لا بد من بيانه ليظهر خطؤه من صوابه . وقال الخوارزمي  في " الكافي " : ينبغي أن يكون هذا هو محل الخلاف ولا ينبغي أن يكون حجة ، إذ لا شاهد له . السابع : أنه مما يستحسنه المجتهد برأي نفسه وحديثه من غير دليل . وهذا هو ظاهر لفظ الاستحسان ، وهو الذي حكاه  الشافعي  عن  أبي حنيفة  كما قال  القاضي أبو الطيب  في تعليقه " ، قال : وأنكره أصحاب  أبي حنيفة  ، وقال الشيخ الشيرازي    : إنه الذي يصح عنه . وإليه أشار  الشافعي  بقوله : " من استحسن فقد شرع " . 
وهذا مردود ، لأنه قول في الشريعة بمجرد التشهي ، ومخالف لقوله تعالى : { وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله    } لكن الحنفية ينكرون هذا التفسير لما فيه من الشناعة . قلت    : وهو الصواب في النقل عن  أبي حنيفة    . وفد صنف  الشافعي  كتابا في الأم " في الرد على  أبي حنيفة  في الاستحسان ، وقال من جملته : قال  أبو حنيفة  لما رد خيار المجلس بين المتتابعين : أرأيت لو كانا في سفينة ، فترك الحديث الصحيح بهذا التخمين . وقال في مسألة شهود الزوايا : القياس أنهم قذفة يحدون وترد شهادتهم ، لكن استحسن قبولها . 
 [ ص: 104 ] ورجم المشهود عليه . قال  الشافعي  رحمه الله تعالى : وأي استحسان في قتل مسلمين ؟ ، وقال في الزوجين إذا تقاذفا ، قال لها : يا زانية ، فقالت : بل أنت زان  ، لا حد ولا لعان ، لأني أستقبح أن ألاعن بينهما ثم أحدها . قال  الشافعي    : وأقبح منه تعليل حكم الله عليهما . انتهى . وهذا صريح في أن  الشافعي  فهم عن  أبي حنيفة  أن مراده بالاستحسان هذا ، فلا وجه لإنكار أصحابه ذلك . وقد احتج أصحابنا على بطلانه بقوله تعالى : { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول    } إلى { ذلك خير وأحسن تأويلا    } فجعل الأحسن ما كان كذلك ، وقوله : { وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله    } ولم يقل : إلى الاستحسان . ولأن القياس أقوى من الاستحسان بدليل جواز تخصيص العموم به دون الاستحسان ، فلم يجز أن يتقدم عليه الاستحسان . وقد استدل الخصم بقوله تعالى : { الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه    } ، وقوله عليه السلام : { ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن   } ، ولأن المسلمين أجمعوا على أحكام عدلوا عن الأصول فيها إلى الاستحسان : ( منها ) دخول الواحد إلى الحمام ليستعمل ماء غير مقدر . 
 [ ص: 105 ] ويشتري المأكول بالمساومة من غير عقد يتلفظ به ، فدل على أن استحسان المسلمين حجة وإن لم يقترن بحجة . وأجاب أصحابنا عن الآية بأنها تتضمن الأخذ بالأحسن دون المستحسن ، وهو ما جاء به الكتاب والسنة لا غيرهما . والحديث موقوف على  ابن مسعود    . وعن الإجماع بأن المصير إليه بالإجماع لا بالاستحسان . 
				
						
						
