[ المسألة ] السابعة [
nindex.php?page=treesubj&link=21158هل خطاب الله رسوله بلفظ يختص به يشمل أمته ]
الخطاب المختص بالنبي عليه السلام بوضع اللسان ، مثل يا أيها النبي ، ويا أيها الرسول ، لا يدخل تحته الأمة إلا بدليل منفصل من قياس وغيره ، وحينئذ فيشملهم الحكم لا باللفظ .
[ ص: 255 ] وقيل يدخل في اللفظ فهو عام إلا بدليل يخرجه ، ونقل عن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد ، واختاره
إمام الحرمين ،
وابن السمعاني ، وغيره من أصحابنا ، وهو بعيد إلا أن يحمل على التعبير بالكبير عن أتباعه فيكون مجازا لا حقيقة وقال
ابن القشيري : قالت الحنفية : الأمة معه بشرع في الخطاب المختص ، ولهذا قالوا : يصح لنا النكاح بلفظ الهبة ، قال : والمختار أن يقال : أما اللفظ في وضعه فمختص به ، وأما أن الصحابة هل كانوا يرون أنفسهم مثلا له في الخطاب ، فلسنا على ثبت في ذلك ، والغالب على الظن أنهم ما كانوا يطلبون مشاركته فيما اختص به ، فأما ما لم تظهر خاصته فهو محل نظر .
وفصل
إمام الحرمين : فقال : الصيغة إما أن ترد في محل التخصيص أو لا ، فإن وردت فهو خاص ، وإلا عام ، لأنا لم نجد دليلا ناطقا على التخصيص ، ولا على التعميم ، والظاهر أن الخلاف حيث لا يظهر اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن ظهر اختص بالإجماع فلا معنى لهذا التفصيل ، فكأن
الإمام يقول بالعموم في هذه المسألة ، فلهذا نقلناه عنه أولا . ويجب أن يكون الخلاف مقيدا بأمرين :
أحدهما : فيما يمكن أن يكون هو المقصود به صلى الله عليه وسلم أما ما قامت قرينة على أن المقصود بالحكم غيره ، وأتى بلفظه لجلالة وقوع المشافهة معه ، كما في قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=65لئن أشركت ليحبطن عملك } فهذا لا مدخل له فيه صلى الله عليه وسلم بلا خلاف ، وعلى هذا فذكر
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب هذه الآية في صورة المسألة ليس بجيد ، وكيف يحتج بمخاطبة الأنبياء بذلك وهم
[ ص: 256 ] معصومون ، بل ذلك على سبيل الفرض ، والمحال يصح فرضه لغرض .
وحكى
ابن عطية عن
مكي والمهدوي أن الخطاب بقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=35فلا تكونن من الجاهلين } للنبي عليه السلام ، والمراد أمته .
قال : وهذا ضعيف ، ولا يقتضيه اللفظ ، وارتكب شططا في التأويل ، قال : ويحتمل أن لا يعلم قول الله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=35ولو شاء الله لجمعهم } والتحقيق أن هذا ونحوه من باب الخطاب العام من غير قصد شخص معين . والمعنى اتفاق جميع الشرائع على ذلك ، ويستراح حينئذ من إيراد هذا السؤال من أصله .
أما فيما لم يظهر أن الأمة مقصودة به ، فإن قامت قرينة لفظية على دخولهم فلا خلاف في عمومه ، وتكون القرينة مبينة أنه عبر بلفظه عنه ، وعن غيره مجازا ، هذا كما في قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=1يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن } الآية فإن ضمير الجمع في قوله : طلقتم ، وطلقوهن ، قرينة لفظية تدل على أن الأمة مقصودة معه بالحكم ، وأنه خص بالخطاب لكونه متبوعهم ، ولولا فهم عمومها للأمة لما افتتح بها .
واعلم أن مثل هذا
nindex.php?page=treesubj&link=21158الخطاب نوعان : نوع مختص لفظه بالنبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن يتناول غيره بطريق الأولى ، كقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=1يا أيها النبي لم تحرم ما أحل [ ص: 257 ] الله لك تبتغي مرضاة أزواجك } ثم قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=2قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } ، وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=1يا أيها النبي إذا طلقتم النساء } .
nindex.php?page=treesubj&link=21158ونوع يكون الخطاب له وللأمة ، وأفرده بالخطاب ، لكونه هو المواجه بالوحي ، وهو الأصل فيه ، والمبلغ للأمة ، والسفير بينهم وبين الله ، وهذا معنى قول المفسرين : الخطاب له ، والمراد غيره ، ولم يريدوا بذلك أنه لم يخاطب بذلك أصلا ، كما يقول السلطان لمقدم العساكر : اخرج غدا ، أو انزل بمكان كذا ، واحمل على العدو في وقت كذا ، ومنه قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=79ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك } ، بخلاف قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=79وأرسلناك للناس رسولا } .
[ الْمَسْأَلَةُ ] السَّابِعَةُ [
nindex.php?page=treesubj&link=21158هَلْ خِطَابُ اللَّهِ رَسُولَهُ بِلَفْظٍ يَخْتَصُّ بِهِ يَشْمَلُ أُمَّتَهُ ]
الْخِطَابُ الْمُخْتَصُّ بِالنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِوَضْعِ اللِّسَانِ ، مِثْلُ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ ، وَيَا أَيُّهَا الرَّسُولُ ، لَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ الْأُمَّةُ إلَّا بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ مِنْ قِيَاسٍ وَغَيْرِهِ ، وَحِينَئِذٍ فَيَشْمَلُهُمْ الْحُكْمُ لَا بِاللَّفْظِ .
[ ص: 255 ] وَقِيلَ يَدْخُلُ فِي اللَّفْظِ فَهُوَ عَامٌّ إلَّا بِدَلِيلٍ يُخْرِجُهُ ، وَنُقِلَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ nindex.php?page=showalam&ids=12251وَأَحْمَدَ ، وَاخْتَارَهُ
إمَامُ الْحَرَمَيْنِ ،
وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ ، وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا ، وَهُوَ بَعِيدٌ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى التَّعْبِيرِ بِالْكَبِيرِ عَنْ أَتْبَاعِهِ فَيَكُونُ مَجَازًا لَا حَقِيقَةً وَقَالَ
ابْنُ الْقُشَيْرِيّ : قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ : الْأُمَّةُ مَعَهُ بِشَرْعٍ فِي الْخِطَابِ الْمُخْتَصِّ ، وَلِهَذَا قَالُوا : يَصِحُّ لَنَا النِّكَاحُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ ، قَالَ : وَالْمُخْتَارُ أَنْ يُقَالَ : أَمَّا اللَّفْظُ فِي وَضْعِهِ فَمُخْتَصٌّ بِهِ ، وَأَمَّا أَنَّ الصَّحَابَةَ هَلْ كَانُوا يَرَوْنَ أَنْفُسَهُمْ مِثْلًا لَهُ فِي الْخِطَابِ ، فَلَسْنَا عَلَى ثَبْتٍ فِي ذَلِكَ ، وَالْغَالِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُمْ مَا كَانُوا يَطْلُبُونَ مُشَارَكَتَهُ فِيمَا اخْتَصَّ بِهِ ، فَأَمَّا مَا لَمْ تَظْهَرْ خَاصَّتُهُ فَهُوَ مَحَلُّ نَظَرٍ .
وَفَصَّلَ
إمَامُ الْحَرَمَيْنِ : فَقَالَ : الصِّيغَةُ إمَّا أَنْ تَرِدَ فِي مَحَلِّ التَّخْصِيصِ أَوْ لَا ، فَإِنْ وَرَدَتْ فَهُوَ خَاصٌّ ، وَإِلَّا عَامٌّ ، لِأَنَّا لَمْ نَجِدْ دَلِيلًا نَاطِقًا عَلَى التَّخْصِيصِ ، وَلَا عَلَى التَّعْمِيمِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخِلَافَ حَيْثُ لَا يَظْهَرُ اخْتِصَاصُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَإِنْ ظَهَرَ اخْتَصَّ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا مَعْنَى لِهَذَا التَّفْصِيلِ ، فَكَأَنَّ
الْإِمَامَ يَقُولُ بِالْعُمُومِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، فَلِهَذَا نَقَلْنَاهُ عَنْهُ أَوَّلًا . وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ مُقَيَّدًا بِأَمْرَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : فِيمَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَقْصُودُ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا مَا قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْحُكْمِ غَيْرُهُ ، وَأَتَى بِلَفْظِهِ لِجَلَالَةِ وُقُوعِ الْمُشَافَهَةِ مَعَهُ ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=65لَئِنْ أَشْرَكْت لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُك } فَهَذَا لَا مَدْخَلَ لَهُ فِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَا خِلَافٍ ، وَعَلَى هَذَا فَذِكْرُ
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابْنِ الْحَاجِبِ هَذِهِ الْآيَةَ فِي صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ لَيْسَ بِجَيِّدٍ ، وَكَيْفَ يُحْتَجُّ بِمُخَاطَبَةِ الْأَنْبِيَاءِ بِذَلِكَ وَهُمْ
[ ص: 256 ] مَعْصُومُونَ ، بَلْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ ، وَالْمُحَالُ يَصِحُّ فَرْضُهُ لِغَرَضٍ .
وَحَكَى
ابْنُ عَطِيَّةَ عَنْ
مَكِّيِّ وَالْمَهْدَوِيِّ أَنَّ الْخِطَابَ بِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=35فَلَا تَكُونَنَّ مِنْ الْجَاهِلِينَ } لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَالْمُرَادُ أُمَّتُهُ .
قَالَ : وَهَذَا ضَعِيفٌ ، وَلَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظُ ، وَارْتَكَبَ شَطَطًا فِي التَّأْوِيلِ ، قَالَ : وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَعْلَمَ قَوْلَ اللَّهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=35وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ } وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ هَذَا وَنَحْوَهُ مِنْ بَابِ الْخِطَابِ الْعَامِّ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ . وَالْمَعْنَى اتِّفَاقُ جَمِيعِ الشَّرَائِعِ عَلَى ذَلِكَ ، وَيُسْتَرَاحُ حِينَئِذٍ مِنْ إيرَادِ هَذَا السُّؤَالِ مِنْ أَصْلِهِ .
أَمَّا فِيمَا لَمْ يَظْهَرْ أَنَّ الْأُمَّةَ مَقْصُودَةٌ بِهِ ، فَإِنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ لَفْظِيَّةٌ عَلَى دُخُولِهِمْ فَلَا خِلَافَ فِي عُمُومِهِ ، وَتَكُونُ الْقَرِينَةُ مُبَيِّنَةً أَنَّهُ عَبَّرَ بِلَفْظِهِ عَنْهُ ، وَعَنْ غَيْرِهِ مَجَازًا ، هَذَا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=1يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ } الْآيَةَ فَإِنَّ ضَمِيرَ الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ : طَلَّقْتُمْ ، وَطَلِّقُوهُنَّ ، قَرِينَةٌ لَفْظِيَّةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأُمَّةَ مَقْصُودَةٌ مَعَهُ بِالْحُكْمِ ، وَأَنَّهُ خُصَّ بِالْخِطَابِ لِكَوْنِهِ مَتْبُوعَهُمْ ، وَلَوْلَا فَهْمُ عُمُومِهَا لِلْأُمَّةِ لَمَا افْتَتَحَ بِهَا .
وَاعْلَمْ أَنَّ مِثْلَ هَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=21158الْخِطَابِ نَوْعَانِ : نَوْعٌ مُخْتَصٌّ لَفْظُهُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَكِنْ يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ، كَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=1يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ [ ص: 257 ] اللَّهُ لَك تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِك } ثُمَّ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=2قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ } ، وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=1يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ } .
nindex.php?page=treesubj&link=21158وَنَوْعٌ يَكُونُ الْخِطَابُ لَهُ وَلِلْأُمَّةِ ، وَأَفْرَدَهُ بِالْخِطَابِ ، لِكَوْنِهِ هُوَ الْمُوَاجَهُ بِالْوَحْيِ ، وَهُوَ الْأَصْلُ فِيهِ ، وَالْمُبَلِّغُ لِلْأُمَّةِ ، وَالسَّفِيرُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُفَسِّرِينَ : الْخِطَابُ لَهُ ، وَالْمُرَادُ غَيْرُهُ ، وَلَمْ يُرِيدُوا بِذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُخَاطَبْ بِذَلِكَ أَصْلًا ، كَمَا يَقُولُ السُّلْطَانُ لِمُقَدِّمِ الْعَسَاكِرِ : اُخْرُجْ غَدًا ، أَوْ انْزِلْ بِمَكَانِ كَذَا ، وَاحْمِلْ عَلَى الْعَدُوِّ فِي وَقْتِ كَذَا ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=79مَا أَصَابَك مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنْ اللَّهِ وَمَا أَصَابَك مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِك } ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=79وَأَرْسَلْنَاك لِلنَّاسِ رَسُولًا } .