خاتمتان
الأول : المعروف أن
nindex.php?page=treesubj&link=21290المقيد لا يحمل على المطلق . ووقع في " الوسيط " في باب قطاع الطريق حيث احتج للقول الصائر إلى أنه لو تاب بعد القدرة عليه يسقط عنه الحد . قال : لأنه تعالى خصص هذا بقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=34من قبل أن تقدروا عليهم } ، وأطلق في آية السرقة ، قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=39فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح } . انتهى . وفي هذا حمل المقيد على المطلق ، فإنه حمل آية المحاربة ، وقد ورد فيها التقييد ، على ما ورد فيه الأمر مطلقا ، وهو السرقة وهو غريب . ثم رأيت الأصحاب قد حملوا ذلك أيضا في مسح الخف ، فإن قوله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62504يمسح المقيم يوما وليلة والمسافر ثلاثة أيام بلياليهن }
[ ص: 33 ] من باب حمل المقيد على المطلق على مقتضى كلامهم ، لأن لياليهن مقيد بالإضافة ، فيقتضي أنه لو أحدث المسافر عند طلوع الفجر لا يمسح الليلة الرابعة . وقد قالوا : إنه يمسح ليلته حملا على المطلق ، كما لو تأخرت ليلة اليوم عنه .
الثانية : كثر في كلام كثير من المتأخرين أن يقولوا : هذا مطلق ،
nindex.php?page=treesubj&link=21290والمطلق يكفي في العمل بمقتضاه إعماله في صورة ، وقد اتفقنا على العمل به في كذا ، فلا يبقى حجة في غيره . وقد استعظم جمع هذا السؤال : وقد أجاب عنه
ابن دقيق العيد فيما كتبه على " فروع
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب " بأنه إنما يكتفى بالعمل به في صورة حيث لا يلزم ترك ما دل اللفظ على العموم فيه ، بل يجب العمل به في كل صورة يلزم من ترك العموم فيها في الحالة المطلقة ترك العموم فيما دخلت عليه صيغة العموم ، مثاله قول الحنفي في جواب الشافعي في أن الوضوء تجب فيه النية لقوله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62505ما منكم من أحد يقرب وضوءه } فيقول الحنفي : هو عام في التوضؤ ، مطلق في الوضوء ، وقد اتفقنا على العمل به في الوضوء المنوي ، فلا يبقى حجة في غيره . وجوابه أن العموم في التوضؤ يلزم منه العموم في الوضوء ، لأنه ما من نوع من أنواع الوضوء إلا وفاعله متوضئ ، فيندرج تحت العموم ، فيلزم أن يكون مثابا عليه نظرا إلى عموم اللفظ .
وقال في " شرح الإلمام " : أما قولهم : إن المطلق يكفي في العمل به مرة ، فنقول : يكتفى فيه بالمرة فعلا أو حكما ؟ الأول : مسلم ، الثاني : ممنوع ، وبيانه أن المطلق إذا فعل مقتضاه مرة ، ووجدت الصورة الجزئية التي يدخل تحتها الكلي المطلق ، وفي ذلك في العمل به ، كما إذا قال : أعتق رقبة ، ففعل ذلك مرة ، لا يلزم إعتاق رقبة أخرى ، لحصول الوفاء بمطلق الأمر من غير اقتضاء الأمر العموم ، وكذا إذا
nindex.php?page=treesubj&link=11763_21290قال : إن دخلت الدار فأنت طالق ، فدخلت مرة وحنث ، لا يحنث بدخولها ثانيا ، لوجود مقتضى اللفظ
[ ص: 34 ] فعلا من غير اقتضاء العموم ; أما إذا عمل به مرة حكما ، أي في صورة من صور المطلق ، لا يلزم التقييد بها ، ولا يكون وفاء بالإطلاق ، لأن مقتضى الإطلاق بالصورة المعينة حكما أن لا يحصل الاكتفاء بغيرها وذلك فيما خص الإطلاق .
مثاله إذا قال : أعتق رقبة فإن مقتضى الإطلاق أن يحصل الإجزاء بكل ما يسمى رقبة ، لوجود المطلق في كل معتق من الرقاب وذلك يقتضي الإجزاء به ، فإذا خصصنا الحكم بالرقبة المؤمنة منعنا إجزاء الكافرة ، ومقتضى الإطلاق إجزاؤها إن وقع العتق لها . فالذي فعلناه خلاف مقتضاه .
خَاتِمَتَانِ
الْأَوَّلُ : الْمَعْرُوفُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=21290الْمُقَيَّدَ لَا يُحْمَلُ عَلَى الْمُطْلَقِ . وَوَقَعَ فِي " الْوَسِيطِ " فِي بَابِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ حَيْثُ احْتَجَّ لِلْقَوْلِ الصَّائِرِ إلَى أَنَّهُ لَوْ تَابَ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ . قَالَ : لِأَنَّهُ تَعَالَى خَصَّصَ هَذَا بِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=34مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ } ، وَأَطْلَقَ فِي آيَةِ السَّرِقَةِ ، قَوْلَهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=39فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ } . انْتَهَى . وَفِي هَذَا حُمِلَ الْمُقَيَّدُ عَلَى الْمُطْلَقِ ، فَإِنَّهُ حَمَلَ آيَةَ الْمُحَارَبَةِ ، وَقَدْ وَرَدَ فِيهَا التَّقْيِيدُ ، عَلَى مَا وَرَدَ فِيهِ الْأَمْرُ مُطْلَقًا ، وَهُوَ السَّرِقَةُ وَهُوَ غَرِيبٌ . ثُمَّ رَأَيْت الْأَصْحَابَ قَدْ حَمَلُوا ذَلِكَ أَيْضًا فِي مَسْحِ الْخُفِّ ، فَإِنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62504يَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهِنَّ }
[ ص: 33 ] مِنْ بَابِ حَمْلِ الْمُقَيَّدِ عَلَى الْمُطْلَقِ عَلَى مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ ، لِأَنَّ لَيَالِيَهُنَّ مُقَيَّدٌ بِالْإِضَافَةِ ، فَيَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ أَحْدَثَ الْمُسَافِرُ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَا يَمْسَحُ اللَّيْلَةَ الرَّابِعَةَ . وَقَدْ قَالُوا : إنَّهُ يَمْسَحُ لَيْلَتَهُ حَمْلًا عَلَى الْمُطْلَقِ ، كَمَا لَوْ تَأَخَّرَتْ لَيْلَةُ الْيَوْمِ عَنْهُ .
الثَّانِيَةُ : كَثُرَ فِي كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنْ يَقُولُوا : هَذَا مُطْلَقٌ ،
nindex.php?page=treesubj&link=21290وَالْمُطْلَقُ يَكْفِي فِي الْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ إعْمَالُهُ فِي صُورَةٍ ، وَقَدْ اتَّفَقْنَا عَلَى الْعَمَلِ بِهِ فِي كَذَا ، فَلَا يَبْقَى حُجَّةٌ فِي غَيْرِهِ . وَقَدْ اسْتَعْظَمَ جَمْعٌ هَذَا السُّؤَالَ : وَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ
ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِيمَا كَتَبَهُ عَلَى " فُرُوعِ
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابْنِ الْحَاجِبِ " بِأَنَّهُ إنَّمَا يُكْتَفَى بِالْعَمَلِ بِهِ فِي صُورَةٍ حَيْثُ لَا يَلْزَمُ تَرْكُ مَا دَلَّ اللَّفْظُ عَلَى الْعُمُومِ فِيهِ ، بَلْ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ فِي كُلِّ صُورَةٍ يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِ الْعُمُومِ فِيهَا فِي الْحَالَةِ الْمُطْلَقَةِ تَرْكُ الْعُمُومِ فِيمَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ صِيغَةُ الْعُمُومِ ، مِثَالُهُ قَوْلُ الْحَنَفِيِّ فِي جَوَابِ الشَّافِعِيِّ فِي أَنَّ الْوُضُوءَ تَجِبُ فِيهِ النِّيَّةُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62505مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يُقَرِّبُ وُضُوءَهُ } فَيَقُول الْحَنَفِيُّ : هُوَ عَامٌّ فِي التَّوَضُّؤِ ، مُطْلَقٌ فِي الْوُضُوءِ ، وَقَدْ اتَّفَقْنَا عَلَى الْعَمَلِ بِهِ فِي الْوُضُوءِ الْمَنْوِيِّ ، فَلَا يَبْقَى حُجَّةٌ فِي غَيْرِهِ . وَجَوَابُهُ أَنَّ الْعُمُومَ فِي التَّوَضُّؤِ يَلْزَمُ مِنْهُ الْعُمُومُ فِي الْوُضُوءِ ، لِأَنَّهُ مَا مِنْ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْوُضُوءِ إلَّا وَفَاعِلُهُ مُتَوَضِّئٌ ، فَيَنْدَرِجُ تَحْتَ الْعُمُومِ ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُثَابًا عَلَيْهِ نَظَرًا إلَى عُمُومِ اللَّفْظِ .
وَقَالَ فِي " شَرْحِ الْإِلْمَامِ " : أَمَّا قَوْلُهُمْ : إنَّ الْمُطْلَقَ يَكْفِي فِي الْعَمَلِ بِهِ مَرَّةً ، فَنَقُولُ : يُكْتَفَى فِيهِ بِالْمَرَّةِ فِعْلًا أَوْ حُكْمًا ؟ الْأَوَّلُ : مُسَلَّمٌ ، الثَّانِي : مَمْنُوعٌ ، وَبَيَانُهُ أَنَّ الْمُطْلَقَ إذَا فُعِلَ مُقْتَضَاهُ مَرَّةً ، وَوُجِدَتْ الصُّورَةُ الْجُزْئِيَّةُ الَّتِي يَدْخُلُ تَحْتَهَا الْكُلِّيُّ الْمُطْلَقُ ، وَفِي ذَلِكَ فِي الْعَمَلِ بِهِ ، كَمَا إذَا قَالَ : أَعْتِقْ رَقَبَةً ، فَفَعَلَ ذَلِكَ مَرَّةً ، لَا يَلْزَمُ إعْتَاقُ رَقَبَةٍ أُخْرَى ، لِحُصُولِ الْوَفَاءِ بِمُطْلَقِ الْأَمْرِ مِنْ غَيْرِ اقْتِضَاءِ الْأَمْرِ الْعُمُومَ ، وَكَذَا إذَا
nindex.php?page=treesubj&link=11763_21290قَالَ : إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَدَخَلَتْ مَرَّةً وَحَنِثَ ، لَا يَحْنَثُ بِدُخُولِهَا ثَانِيًا ، لِوُجُودِ مُقْتَضَى اللَّفْظِ
[ ص: 34 ] فِعْلًا مِنْ غَيْرِ اقْتِضَاءِ الْعُمُومِ ; أَمَّا إذَا عَمِلَ بِهِ مَرَّةً حُكْمًا ، أَيْ فِي صُورَةٍ مِنْ صُوَرِ الْمُطْلَقِ ، لَا يَلْزَمُ التَّقْيِيدُ بِهَا ، وَلَا يَكُونُ وَفَاءً بِالْإِطْلَاقِ ، لِأَنَّ مُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ بِالصُّورَةِ الْمُعَيَّنَةِ حُكْمًا أَنْ لَا يَحْصُلَ الِاكْتِفَاءُ بِغَيْرِهَا وَذَلِكَ فِيمَا خَصَّ الْإِطْلَاقَ .
مِثَالُهُ إذَا قَالَ : أَعْتِقْ رَقَبَةً فَإِنَّ مُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ أَنْ يَحْصُلَ الْإِجْزَاءُ بِكُلِّ مَا يُسَمَّى رَقَبَةً ، لِوُجُودِ الْمُطْلَقِ فِي كُلِّ مُعْتَقٍ مِنْ الرِّقَابِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي الْإِجْزَاءَ بِهِ ، فَإِذَا خَصَّصْنَا الْحُكْمَ بِالرَّقَبَةِ الْمُؤْمِنَةِ مَنَعْنَا إجْزَاءَ الْكَافِرَةِ ، وَمُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ إجْزَاؤُهَا إنْ وَقَعَ الْعِتْقُ لَهَا . فَاَلَّذِي فَعَلْنَاهُ خِلَافُ مُقْتَضَاهُ .