[ ص: 240 ] فصل
nindex.php?page=treesubj&link=22201_22191النسخ ببدل يقع على وجوه : أحدها : أن ينسخ بمثله في التخفيف أو التغليظ ، كنسخ استقبال
بيت المقدس بالكعبة .
الثاني : نسخه إلى ما هو أخف منه كنسخ العدة حولا بالعدة أربعة أشهر ، وهذان القسمان لا خلاف فيهما .
الثالث : نسخه إلى ما هو أغلظ منه ، والجمهور على جوازه كالعكس ، ولوقوعه ، لأن الله تعالى وضع القتال في أول الإسلام ، ثم نسخه بفرض القتال . ونسخ الإمساك في الزنا بالجلد .
وذهب قوم من
الظاهرية إلى المنع ، وإليه صار
ابن داود ، كما نقله
ابن السمعاني .
ثم اختلف المانعون فقيل : منع منه العقل لما فيه من التنفير . وقيل : بل الشرع لقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=185يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر }
[ ص: 241 ] ، وزعم
الهندي أن كل من قال بالجواز قال بالوقوع ، وليس كذلك ، فقد حكى
القاضي قولا أنه جائز ، ولكنه لم يقع .
وذكر
ابن برهان أن بعضهم نقل المنع عن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . قال : وليس بصحيح ، وكذا حكاه
عبد الوهاب قولا
nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي . قلت : كأن مستند النقل عنه قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في " الرسالة " : إن الله فرض فرائض أثبتها ، وأخرى نسخها رحمة وتخفيفا لعباده . هذا لفظه ، وقد اختلف فيه أصحابنا كما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11817أبو إسحاق المروزي ، فقال بعضهم : أشار به إلى أن الناسخ يكون أخف من المنسوخ ; لأنه جعل النسخ رحمة وتخفيفا ، وما نسخ بأغلظ منه كان تشديدا لا تخفيفا .
وقال آخرون : لم يرد به جميع أنواع النسخ ، بل البعض . قال
أبو إسحاق : وكلام
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي مخرج على وجوه : أحدها : أنه أطلق اللفظ على الأكثر من النسخ ، لأن أكثر ما يقع فيه النسخ ، نقل من تغليظ إلى تخفيف .
والثاني : أنه لم يقصد ذلك ، وإنما ذكر الفرائض ، وأراد ما لم يلزم إثباته من الفرائض ، فأسقط .
قلت : وبالجملة فالقول بالجواز مطلقا هو الأشبه . وقد قال بكل منهما بعض أصحابنا ، وليس في ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي شيء نقطع به ، والظاهر أنه أشار به إلى وجه الحكمة في النسخ . والصحيح : الجواز ; لأن النسخ للابتلاء ، وقد يكون لمصلحة تارة في النقل إلى ما هو أخف وتارة أشق .
الثالث : نسخ التخيير بين أمرين بتعيين أحدهما ، وهو راجع إلى النسخ بالأثقل ، كالذي كان في صدر الإسلام بين التخيير في صوم رمضان بالفدية والصيام بقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=184وعلى الذين يطيقونه فدية } الآية . ثم نسخ بقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=185فمن شهد منكم الشهر فليصمه } .
[ ص: 242 ] وينقسم باعتبار آخر إلى ما سقط وجوبه إلى الندب ، كنسخ ثبات الواحد للعشرة إلى ثباته للاثنين ، فكان ثباته للعشرة مندوبا ، ونسخ وجوب قيام الليل ، فجعل ندبا وإلى ما سقط وجوبه إلى الإباحة كترك المباشرة بالليل للصائم بعد النوم ، إلى ما سقط تحريمه إلى الإباحة كزيارة القبور ، وادخار لحوم الأضاحي . .
[ ص: 240 ] فَصْلٌ
nindex.php?page=treesubj&link=22201_22191النَّسْخُ بِبَدَلٍ يَقَعُ عَلَى وُجُوهٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يُنْسَخَ بِمِثْلِهِ فِي التَّخْفِيفِ أَوْ التَّغْلِيظِ ، كَنَسْخِ اسْتِقْبَالِ
بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِالْكَعْبَةِ .
الثَّانِي : نَسْخُهُ إلَى مَا هُوَ أَخَفُّ مِنْهُ كَنَسْخِ الْعِدَّةِ حَوْلًا بِالْعِدَّةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ، وَهَذَانِ الْقِسْمَانِ لَا خِلَافَ فِيهِمَا .
الثَّالِثُ : نَسْخُهُ إلَى مَا هُوَ أَغْلَظُ مِنْهُ ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى جَوَازِهِ كَالْعَكْسِ ، وَلِوُقُوعِهِ ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَضَعَ الْقِتَالَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ، ثُمَّ نَسَخَهُ بِفَرْضِ الْقِتَالِ . وَنَسَخَ الْإِمْسَاكَ فِي الزِّنَا بِالْجَلْدِ .
وَذَهَبَ قَوْمٌ مِنْ
الظَّاهِرِيَّةِ إلَى الْمَنْعِ ، وَإِلَيْهِ صَارَ
ابْنُ دَاوُد ، كَمَا نَقَلَهُ
ابْنُ السَّمْعَانِيِّ .
ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمَانِعُونَ فَقِيلَ : مَنَعَ مِنْهُ الْعَقْلُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّنْفِيرِ . وَقِيلَ : بَلْ الشَّرْعُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=185يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ }
[ ص: 241 ] ، وَزَعَمَ
الْهِنْدِيُّ أَنَّ كُلَّ مَنْ قَالَ بِالْجَوَازِ قَالَ بِالْوُقُوعِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، فَقَدْ حَكَى
الْقَاضِي قَوْلًا أَنَّهُ جَائِزٌ ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَقَعْ .
وَذَكَرَ
ابْنُ بَرْهَانٍ أَنَّ بَعْضَهُمْ نَقَلَ الْمَنْعَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ . قَالَ : وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ ، وَكَذَا حَكَاهُ
عَبْدُ الْوَهَّابِ قَوْلًا
nindex.php?page=showalam&ids=13790لِلشَّافِعِيِّ . قُلْت : كَأَنَّ مُسْتَنَدَ النَّقْلِ عَنْهُ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ فِي " الرِّسَالَةِ " : إنَّ اللَّهَ فَرَضَ فَرَائِضَ أَثْبَتَهَا ، وَأُخْرَى نَسَخَهَا رَحْمَةً وَتَخْفِيفًا لِعِبَادِهِ . هَذَا لَفْظُهُ ، وَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُنَا كَمَا قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11817أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ النَّاسِخَ يَكُونُ أَخَفَّ مِنْ الْمَنْسُوخِ ; لِأَنَّهُ جَعَلَ النَّسْخَ رَحْمَةً وَتَخْفِيفًا ، وَمَا نُسِخَ بِأَغْلَظَ مِنْهُ كَانَ تَشْدِيدًا لَا تَخْفِيفًا .
وَقَالَ آخَرُونَ : لَمْ يُرِدْ بِهِ جَمِيعَ أَنْوَاعِ النَّسْخِ ، بَلْ الْبَعْضَ . قَالَ
أَبُو إِسْحَاقَ : وَكَلَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ مُخَرَّجٌ عَلَى وُجُوهٍ : أَحَدُهَا : أَنَّهُ أَطْلَقَ اللَّفْظَ عَلَى الْأَكْثَرِ مِنْ النَّسْخِ ، لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا يَقَعُ فِيهِ النَّسْخُ ، نَقْلٌ مِنْ تَغْلِيظٍ إلَى تَخْفِيفٍ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْفَرَائِضَ ، وَأَرَادَ مَا لَمْ يَلْزَمْ إثْبَاتُهُ مِنْ الْفَرَائِضِ ، فَأُسْقِطَ .
قُلْت : وَبِالْجُمْلَةِ فَالْقَوْلُ بِالْجَوَازِ مُطْلَقًا هُوَ الْأَشْبَهُ . وَقَدْ قَالَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ شَيْءٌ نَقْطَعُ بِهِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَشَارَ بِهِ إلَى وَجْهِ الْحِكْمَةِ فِي النَّسْخِ . وَالصَّحِيحُ : الْجَوَازُ ; لِأَنَّ النَّسْخَ لِلِابْتِلَاءِ ، وَقَدْ يَكُونُ لِمَصْلَحَةٍ تَارَةً فِي النَّقْلِ إلَى مَا هُوَ أَخَفُّ وَتَارَةً أُشَقُّ .
الثَّالِثُ : نَسْخُ التَّخْيِيرِ بَيْنَ أَمْرَيْنِ بِتَعْيِينِ أَحَدِهِمَا ، وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى النَّسْخِ بِالْأَثْقَلِ ، كَاَلَّذِي كَانَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ بَيْنَ التَّخْيِيرِ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ بِالْفِدْيَةِ وَالصِّيَامِ بِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=184وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ } الْآيَةَ . ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=185فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } .
[ ص: 242 ] وَيَنْقَسِمُ بِاعْتِبَارٍ آخَرَ إلَى مَا سَقَطَ وُجُوبُهُ إلَى النَّدْبِ ، كَنَسْخِ ثَبَاتِ الْوَاحِدِ لِلْعَشَرَةِ إلَى ثَبَاتِهِ لِلِاثْنَيْنِ ، فَكَانَ ثَبَاتُهُ لِلْعَشَرَةِ مَنْدُوبًا ، وَنَسْخِ وُجُوبِ قِيَامِ اللَّيْلِ ، فَجُعِلَ نَدْبًا وَإِلَى مَا سَقَطَ وُجُوبُهُ إلَى الْإِبَاحَةِ كَتَرْكِ الْمُبَاشَرَةِ بِاللَّيْلِ لِلصَّائِمِ بَعْدَ النَّوْمِ ، إلَى مَا سَقَطَ تَحْرِيمُهُ إلَى الْإِبَاحَةِ كَزِيَارَةِ الْقُبُورِ ، وَادِّخَارِ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ . .