قاعدة : 
وما لا يشترط التعرض له جملة وتفصيلا إذا عينه وأخطأ لم يضر  ، كتعيين مكان الصلاة وزمانها ، وكما إذا عين الإمام من يصلي خلفه ، أو صلى في الغيم ، أو صام الأسير ، ونوى الأداء والقضاء فبان خلافه ، وما يشترط فيه التعيين ، فالخطأ فيه مبطل ، كالخطأ من الصوم إلى الصلاة وعكسه ، ومن صلاة الظهر إلى العصر . 
وما يجب التعرض له جملة لا يشترط تعيينه تفصيلا إذا عينه وأخطأ ضر . وفي ذلك فروع : 
 [ ص: 16 ] أحدها : نوى الاقتداء بزيد ، فبان عمرا  لم يصح . 
الثاني : نوى الصلاة على زيد فبان عمرا ، أو على رجل فكان امرأة  أو عكسه لم تصح ، ومحله في الصورتين : ما لم يشر ، كما سيأتي في مبحث الإشارة ، وقال السبكي  في الصورة الأولى : ينبغي بطلان نية الاقتداء لا نية الصلاة ، ثم إذا تابعه خرج على متابعة من ليس بإمام ، بل ينبغي هنا الصحة وجعل ظنه عذرا ، وتابعه في المهمات على هذا البحث ، وأجيب بأنه قد يقال : فرض المسألة حصول المتابعة ، فإن ذلك شأن من ينوي الاقتداء ، والأصح في متابعة من ليس بإمام البطلان . 
الثالث لا يشترط تعيين عدد الركعات  ، فلو نوى الظهر خمسا أو ثلاثا ، لم يصح لكن قال في المهمات : إنما فرض الرافعي  في المسألة في العلم ، فيؤخذ منه أنه لا يؤثر عند الغلط . 
قلت : ذكر النووي  المسألة في شرح المهذب في باب الوضوء ، وفرضها في الغلط فقال : ولو غلط في عدد الركعات ، فنوى الظهر ثلاثا أو خمسا  ، قال أصحابنا : لا يصح ظهره ، هذه عبارته ، ويؤيده تعليله البطلان في باب الصلاة بتقصيره . 
ونظير هذه المسألة : من صلى على موتى ، لا يجب تعيين عددهم ولا معرفته  ، فلو اعتقدهم عشرة فبانوا أكثر ، أعاد الصلاة على الجميع لأن فيهم من لم يصل عليه ، وهو غير معين ، قاله في البحر . قال : وإن بانوا أقل ، فالأظهر الصحة ، ويحتمل خلافه لأن النية قد بطلت في الزائد لكونه معدوما ، فتبطل في الباقي . 
الرابع : نوى قضاء ظهر يوم الاثنين ، وكان عليه ظهر يوم الثلاثاء  ، لم يجزئه . 
الخامس : نوى ليلة الاثنين صوم يوم الثلاثاء ، أو في سنة أربع صوم رمضان سنة ثلاث  ، لم يصح بلا خلاف . 
السادس : عليه قضاء يوم الأول من رمضان ، فنوى قضاء اليوم الثاني  ، لم يجزئه على الأصح . 
السابع : عين زكاة ماله الغائب ، فكان تالفا  لم يجزئه عن الحاضر . 
الثامن : نوى كفارة الظهار فكان عليه كفارة قتل  لم يجزئه . 
التاسع : نوى دينا ، وبان أنه ليس عليه  ، لم يقع عن غيره ، ذكره السبكي  ، وخرج عن ذلك صور : 
منها : لو نوى رفع حدث النوم ، مثلا ، وكان حدثه غيره ، أو رفع جنابة الجماع وجنابته باحتلام ، أو عكسه ، أو رفع حدث الحيض وحدثها الجنابة ، أو عكسه  ، خطأ لم يضر وصح الوضوء والغسل في الأصح . 
واعتذر عن خروج ذلك عن القاعدة بأن النية في الوضوء والغسل ليست للقربة ، بل  [ ص: 17 ] للتمييز ، بخلاف تعيين الإمام والميت مثلا ، وبأن الأحداث وإن تعددت أسبابها فالمقصود منها واحد وهو المنع من الصلاة ، ولا أثر لأسبابها من نوم أو غيره . ومنها : ما لو نوى المحدث رفع الأكبر غالطا  فإنه يصح كما ذكره في شرح المهذب ، ولم يستحضره الإسنوي  ومن تابعه فنقلوه عن  المحب الطبري  وعبارة شرح المهذب لو نوى المحدث غسل أعضائه الأربعة عن الجنابة غلطا ظانا أنه جنب صح وضوءه ، وأما عكسه ، وهو أن ينوي الجنب رفع الأصغر غلطا  فالأصح أنه يرتفع عن الوجه واليدين والرجلين فقط دون الرأس ; لأن فرضها في الأصغر المسح فيكون هو المنوي دون الغسل ، والمسح لا يغني عن الغسل . 
ومنها : إذا قلنا باشتراط نية الخروج من الصلاة ، لا يشترط تعيين الصلاة التي يخرج منها  ، فلو عين غير التي هو فيها خطأ ، لم يضر ، بل يسجد للسهو ويسلم ثانيا ، أو عمدا بطلت صلاته . وإن قلنا بعدم وجوبها ، لم يضر الخطأ في التعيين مطلقا . 
تنبيه : 
أما لو وقع الخطأ في الاعتقاد دون التعيين فإنه لا يضر ، كأن ينوي ليلة الاثنين صوم غد ، وهو يعتقده الثلاثاء  ، أو ينوي صوم غد من رمضان هذه السنة وهو يعتقدها سنة ثلاث . فكانت سنة أربع  ، فإنه يصح صومه . 
ونظيره في الاقتداء : أن ينوي الاقتداء بالحاضر مع اعتقاد أنه زيد ، وهو عمرو  فإنه يصح قطعا ، صرح به الروياني  في البحر . وفي الصلاة : لو أدى الظهر في وقتها ، معتقدا أنه يوم الاثنين فكان الثلاثاء  صح ، نقله في شرح المهذب عن البغوي  قال : ولو غلط في الأذان ، فظن أنه يؤذن للظهر ، وكانت العصر  فلا أعلم فيه نقلا ، وينبغي أن يصح ; لأن المقصود الإعلام ممن هو أهله ، وقد حصل . 
ولو تيمم معتقدا أن حدثه أصغر ، فبان أكبر ، أو عكسه  يصح ، ولو طاف الحاج معتقدا أنه محرم بعمرة ، أو عكسه  أجزأه . 
تنبيه : 
من المشكل على ما قررناه ما صححوه من أن الذي أدرك الإمام في الجمعة بعد ركوع الثانية  ينوي الجمعة مع أنه إنما يصلي الظهر ، وعلله الرافعي  بموافقة الإمام ، قال الإسنوي    : ولا يخفى ضعف هذا التعليل ، بل الصواب ما ذكروه فيمن لا عذر له ، إذا ترك الإحرام بالجمعة ، حتى رفع الإمام من الركعة الثانية ، ثم أراد الإحرام بالظهر قبل السلام ، فإنهم قالوا : إن الأصح عدم انعقادها ، وعللوه بأنا تيقنا انعقاد الجمعة وشككنا في فواتها ; إذ يحتمل أن يكون الإمام قد ترك ركنا من الركعة الأولى ويتذكره قبل السلام ، فيأتي به ، وعلى هذا فليس لنا من ينوي غير ما يؤدي إلا في هذه الصورة . 
				
						
						
