[ ص: 81 - 82 ] الفرق السابع والثلاثون والمائتان بين ) قاعدة من يشرع إلزامه بالحلف وقاعدة من لا يلزمه الحلف
فالذي يلزمه الحلف كل من توجهت عليه دعوى صحيحة مشبهة فقولنا صحيحة احتراز من المجهولة أو غير المحررة ، وما فات فيه شرط من الشروط المتقدمة في هذه القاعدة ، وقولنا مشبهة احتراز من التي يكذبها العرف ، وقد تقدم أن الدعوى على ثلاثة أقسام ما يكذبها العرف ، وما يشهد بها ، وما لم يتعرض لتكذبيها وتصديقها ؛ فما شهد لها كدعوى سلعة معينة بيد [ ص: 81 ] رجل أو دعوى غريب وديعة عند جاره أو مسافر أنه أودع أحد رفقائه .
وكالدعوى على الصانع المنتصب أنه دفع إليه متاعا ليصنعه أو على أهل السوق المنتصبين للبيع أنه اشترى من أحدهم أو يوصي في مرض موته أن له دينا عند رجل فيشرع التحليف هاهنا بغير شرط ، وتتفق الأئمة فيها ، والتي شهد بأنها غير مشبهة فهي كدعوى دين ليس على من تقدم فلا يستخلف إلا بإثبات خلطته له قال ابن القاسم ، وهي أن يسالفه أو يبايعه مرارا ، وإن تقابضا في ذلك الثمن أو السلعة ، وتفاضلا قبل التفرق .
وقال سحنون لا بد من البيع ، والشراء بين المتداعيين ، وقال الأبهري هي أن تكون الدعوى تشبه أن يدعي مثلها على المدعى عليه ، وإلا فلا يحلف إلا أن يأتي المدعي بلطخ ، وقال لا بد أن يكون المدعى عليه يشبه أن يعامل المدعي فهذه أربعة أقوال في القاضي أبو الحسن بن القصار التي هي شرط في هذا القسم . تفسير الخلطة
وقال الشافعي يحلف على كل تقدير لنا ما رواه وأبو حنيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { سحنون } وزيادة العدل مقبولة ، وقال البينة على من ادعى واليمين على من أنكر إذا كانت بينهما خلطة علي بن أبي طالب رضي الله عنه لا يدعي الحاكم على الخصم إلا أن يعلم أن بينهما معاملة ، ولم يرو له مخالف من الصحابة فكان إجماعا ، ولأن عمل المدينة كذلك ، ولأنه لولا ذلك لتجرأ السفهاء على ذوي الأقدار بتبذيلهم عند الحاكم بالتحليف ، وذلك شاق على ذوي الهيئات ، وربما التزموا ما لا يلزمهم من الجمل العظيمة من المال فرارا من الحلف كما فعله عثمان رضي الله عنه .
وقد يصادفه عقب الحلف مصيبة فيقال هي بسبب الحلف فيتعين حسم الباب إلا عند قيام مرجح لأن صيانة الأعراض واجبة ، والقواعد تقتضي درء مثل هذه المفسدة احتجوا بالحديث السابق بدون زيادة ، وهو عام في كل مدعى عليه فيسقط اعتبار ما ذكرتموه من الشرط ، ولقوله عليه السلام { } ، ولم يذكر مخالطة ، ولأن الحقوق قد تثبت بدون الخلطة فاشتراطها يؤدي إلى ضياع الحقوق ، وتختل حكمه الحكام ، والجواب عن الأول أن مقصود الحديث بيان من عليه البينة ، ومن عليه اليمين لا بيان حال من تتوجه عليه ، والقاعدة أن اللفظ إذا ورد لمعنى لا يحتج به في غيره لأن المتكلم معرض عن ذلك الغير ، ولهذه القاعدة وقع الرد على شاهداك أو يمينه في استدلاله على وجوب الزكاة في الخضراوات بقوله عليه السلام [ ص: 82 ] { أبي حنيفة } أن مقصود الحديث بيان الجزء الواجب في الزكاة لا بيان ما تجب فيه الزكاة . فيما سقت السماء العشر
وعن الأول أيضا جواب آخر ، وهو أن العام في الأشخاص غير عام في الأحوال والأزمنة والبقاع والمتعلقات كما تقرر في علم الأصول فيكون الحديث مطلقا في أحوال الحالفين فيحمل على الحالة المحتملة المتقدمة ، وهي الحالة التي فيها الخلطة لأنها المجمع عليها فلا يحتج به في غيرها ، وإلا لكان عاما في الأحوال .
وليس كذلك ، والجواب عن الثاني أن مقصوده بيان الحصر ، وبيان ما يختص به منهما لا بيان شرط ذلك ألا ترى أنه أعرض عن شرط البينة من العدالة وغيرها ، أو نقول ليس هو عاما في الأشخاص لأن المخالطة للشخص الواحد لا تعم فيحمل على الحالة التي ذكرناها ، والحديث الذي رويناه ، وعن الثالث أنه معارض بما ذكرناه من تسلط الفسقة السفلة على الأتقياء الأخيار بالتحليف عند القضاة ، وأنه يفتح باب دعوى أحد العامة على الخليفة أو القاضي أنه استأجره أو أعيان العلماء أنه قاوله ، وعاقده على كنس مرحاضه أو خياطة قلنسوته ، ونحو ذلك مما يقطع بكذبه فيه فطريق الجميع بين النصوص والقواعد ما ذكرناه من اشتراط الخلطة فهذا هو المنهج القويم ، وهاهنا ثلاث مسائل :
( المسألة الأولى ) أن الخلطة حيث اشترطت قال في الجواهر فثبت بإقرار الخصم والشاهدين والشاهد واليمين لأنها أسباب الأموال فتلحق بها في الحجاج ، وقال ابن لبابة تثبت بشهادة رجل واحد ، وامرأة ، وجعله من باب الخبر ، وروي عن ابن القاسم
( المسألة الثانية ) إذا دفع الدعوى بعداوة ، والمشهور أنه لا يحلف لأن العداوة مقتضاها الإضرار بالتحليف والبذلة عند الحاكم ، وقيل يحلف لظاهر الخبر
( المسألة الثالثة ) قال أبو عمر أن الصانع ، والمتهم بالسرقة ، والقائل عند موته لي عند فلان دين ، والمتضيف عند الرجل فيدعي عليه والعارية ، الوديعة . خمس مواطن لا تشترط فيها الخلطة
[ ص: 83 - 85 ]