( الفرق الخامس والثلاثون بين قاعدة الأسباب الفعلية وقاعدة الأسباب القولية )
فالأسباب الفعلية كالاحتطاب والاحتشاش والاصطياد والأسباب القولية كالبيع والهبة والصدقة والقراض وما هو في الشرع من الأقوال سبب انتقال الملك وافترقت هاتان القاعدتان من وجوه تظهر [ ص: 204 ] بذكر مسائلها ولنذكر من ذلك خمس مسائل ( المسألة الأولى ) فلو صاد مالك الصيد أو احتش مالك الحشيش أو احتطب مالك الحطب أو استقى ماء ملكه وترتب له الملك على هذه الأسباب بخلاف ما لو اشترى أو قبل الهبة أو الصدقة أو قارض أو غير ذلك من الأسباب القولية لا يترتب له عليها ملك بسبب أن الأسباب الفعلية غالبها خير محض من غير خسارة ولا غبن ولا ضرر فلا أثر لسفهه فيها فجعلها الشرع معتبرة في حقه تحصيلا للمصالح بتلك الأسباب فإنها لا تقع إلا نافعة مفيدة غالبا وأما القولية فإنها موضع المماكسة والمغابنة ولا بد فيها من آخر ينازعه ويجاذبه إلى الغبن ، وضعف عقله في ذلك يخشى عليه منه ضياع مصلحته عليه فلم يعتبرها الشرع منه لعدم تعين مصلحتها بخلاف الفعلية . ( المسألة الثانية ) لو الأسباب الفعلية تصح من السفيه المحجور عليه دون القولية صارت له بذلك أم ولد وهو سبب فعلي يقتضي العتق ولو أعتق عبده لم ينفذ عتقه مع علو منزلة العتق عند صاحب الشرع لا سيما المنجز والفرق بين هذا السبب الفعلي وهذا السبب القولي أن نفسه تدعوه إلى وطء أمته فلو منعناه منها لأدى ذلك إلى وقوعه في الزنى ويطؤها وهي محرمة عليه فيقع في عذاب الله تعالى ولا داعية تدعوه لعتق عبده أو أمته من جهة الطبع فإذا قلنا له ليس لك ذلك لا يلزم من ذلك محذور وإذا جوزنا له الوطء وجب أن يقضى باستحقاق الأمة العتق عند موت سيدها لأن الوطء سبب تام للعتق عند موت السيد وقد أبحنا له الإقدام عليه والسبب التام إذا أذن فيه من قبل صاحب الشرع وجب أن يترتب عليه مسببه لأن وجود السبب المأذون فيه دون المسبب خلاف القواعد والسبب القولي لم يأذن فيه صاحب الشرع فكان كالمعدوم لأن المعدوم شرعا كالمعدوم حسا والسبب المعدوم لا يترتب عليه أثره . ( المسألة الثالثة ) وطئ المحجور عليه أمته
اختلف العلماء فقيل الفعلية أقوى لنفوذها من المحجور [ ص: 205 ] عليه ومن غيره وقيل القولية أقوى بدليل أن العتق بالقول يستعقب العتق والعتق بالوطء لا يستعقب العتق والسبب الذي يستعقب مسببه أقوى مما لا يستعقبه . ( المسألة الرابعة ) نص أصحابنا على أن هل الأسباب الفعلية أقوى أو القولية أقوى فهي له دون صاحب السفينة لأن حوزه أخص بالسمكة من حوز صاحب السفينة لأن حوز السفينة يشمل هذا الرجل وغيره وحوز هذا الرجل لا يتعداه فهو أخص بالسمكة من صاحب السفينة والأخص مقدم على الأعم كما قلنا في السفينة إذا وثبت فيها سمكة في حجر إنسان يصلي في الحرير ويقدم النجس في الاجتناب لأنه أخص والأخص مقدم على الأعم المصلي لا يجد إلا نجسا وحريرا يقدم الصيد في الاجتناب على الميتة لأن تحريم الصيد أخص بالإحرام من الميتة وتحريم الميتة يشمل الحاج وغيره كما أن تحريم الحرير يشمل المصلي وغيره فقاعدة تقديم الأخص على الأعم له نظائر في الشريعة . ( المسألة الخامسة ) والمحرم لا يجد ما يقوته إلا ميتة أو صيدا على أصل الملك بالإحياء أضعف من تحصيل الملك بالشراء لأنه إذا زال الإحياء عنه بطل الملك ولا يبطل الملك في القولي إلا بسبب ناقل والإحياء سبب فعلي فيكون هذا الفرع مما يدل على أن الأسباب الفعلية أضعف من القولية على قاعدة مالك أما مالك فلا يزيل الملك بزوال الإحياء فلا مقال معه وكذلك يقول الشافعي إذا مالك يزول الملك في ذلك كله وكذلك توحش الصيد بعد حوزه أو الحمام بعد إيوائه أو النحل بعد ضمه بجبحه . السمكة إذا انفلتت في البحر فصادها غير صائدها الأول