[ ص: 48 ] ( الفرق الرابع والستون بين قاعدة التشبيه في الدعاء وبين قاعدة التشبيه في الخبر )
والفرق بينهما أن التشبيه في الخبر يصح في الماضي والحال والمستقبل فتشبه ما وقع لك أمس بما وقع أمس لشخص آخر وتشبه ما وقع لك اليوم بما وقع لغيرك اليوم وتشبه ما يقع لك غدا بما يقع لغيرك غدا وكل ذلك حقيقة ولا يقع التشبيه في الدعاء إلا في المستقبل خاصة بسبب أن عشرة ألفاظ في كلام العرب لا تتعلق إلا بمستقبل وهي الأمر والنهي والدعاء والشرط والجزاء والوعد والوعيد والترجي والتمني والإباحة فلا يؤمر إلا بمعدوم مستقبل ولا ينهى إلا عن معدوم مستقبل ولا يدعى إلا بمعدوم مستقبل وكذلك البواقي وإذا كانت هذه الألفاظ لا تتناول إلا المعدوم المستقبل فمتى وقع التشبيه في باب من هذه الأبواب بين لفظين دعاء أو أمر أو نهي أو واحد مما ذكر معها إنما يقع في أمرين مستقبلين معدومين لم يوجدا بعد .
وباعتبار الفرق بين هاتين القاعدتين ظهرت فائدة عظيمة ذلك أن الشيخ عز الدين بن عبد السلام كان يورد سؤالا في قوله عليه السلام { محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد } فيقول كيف وقع التشبيه بين الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والصلاة على قولوا اللهم صل على إبراهيم عليه السلام مع أن الصلاة من الله تعالى هي إعطاؤه وإحسانه وعطية النبي صلى الله عليه وسلم كانت أعظم من عطية الله لإبراهيم عليه السلام والتشبيه يقتضي أن يكون المشبه أدنى رتبة من المشبه به أو مساويا فكيف وقع هذا التشبيه وكان يجيب عن هذا السؤال بأن آل إبراهيم عليه السلام أنبياء وآل النبي عليه السلام ليسوا أنبياء والتشبيه إنما وقع بين المجموع الحاصل [ ص: 49 ] للنبي عليه السلام وآله والمجموع الحاصل لإبراهيم عليه السلام وآله فيحصل ؛ لآل إبراهيم عليه السلام من تلك العطية أكثر مما يحصل لآل النبي عليه السلام من هذه العطية فيكون الفاضل للنبي عليه السلام بعد أخذ آله من هذه العطية أكثر من الفاضل لإبراهيم عليه السلام من تلك العطية وإذا كانت عطية النبي عليه السلام أعظم كان أفضل فاندفع السؤال فجعل التشبيه في الدعاء كالتشبيه في الخبر وليس الأمر كذلك بل إنما وقع التشبيه بين عطية تحصل للنبي عليه السلام لم تكن حصلت له قبل الدعاء فإن الدعاء إنما يتعلق بالمعدوم المستقبل وحينئذ يكون الذي حصل للنبي عليه السلام قبل الدعاء لم يدخل في التشبيه وهو الذي فضل به إبراهيم عليه السلام فهما صلوات الله عليهما كرجلين أعطي لأحدهما ألف وللآخر ألفان ثم طلب لصاحب الألفين مثل ما أعطي لصاحب الألف فيحصل له ثلاثة آلاف والآخر ألف فقط فلا يرد السؤال من أصله ؛ لأن التشبيه وقع في دعاء لا في خبر نعم لو قيل إن العطية التي حصلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم مثل العطية التي حصلت لإبراهيم عليه السلام لزم الإشكال لكون التشبيه وقع في الخبر لكن التشبيه ما وقع إلا في الدعاء فتأمل الفرق بين ذلك واضبط القاعدة والفرق يندفع لك بهما أسئلة كثيرة وإشكالات عظيمة