فإن قيل: فما تقولون إذا لم تعد السلعة إليه بل رجعت إلى ثالث، هل تسمون ذلك عينة ؟
قيل: هذه لأن المقصود منها الورق، وقد نص أحمد في رواية أبي داود على أنها من العينة، وأطلق عليها اسمها. مسألة التورق؛
وقد اختلف السلف في كراهيتها، فكان يكرهها، وكان يقول " عمر بن عبد العزيز ". التورق آخية الربا
ورخص فيها إياس بن معاوية.
وعن أحمد فيها روايتان منصوصتان، وعلل الكراهة في إحداهما بأنه [ ص: 477 ] بيع مضطر، وقد روى عن أبو داود " علي " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المضطر
وفي المسند عن علي قال " سيأتي على الناس زمان عضوض، يعض الموسر على ما في يده ولم يؤمر بذلك، قال تعالى ولا تنسوا الفضل بينكم ويبايع المضطرون، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المضطر "، وذكر الحديث.
فأحمد رحمه الله تعالى أشار إلى أن العينة إنما تقع من رجل مضطر إلى نفقة، يضن عليه الموسر بالقرض، فيضطر إلى أن يشتري منه سلعة، ثم يبيعها، فإن اشتراها منه بائعها كانت عينة، وإن باعها من غيره فهي التورق.
ومقصوده في الموضعين: الثمن فقد حصل في ذمته ثمن مؤجل مقابل لثمن حال أنقص منه، ولا معنى للربا إلا هذا لكنه ربا بسلم، لم يحصل له صعوده إلا بمشقة، ولو لم يصعده كان ربا بسهولة.
وللعينة صورة رابعة - وهي أخف صورها - وهي أن يكون عند الرجل المتاع فلا يبيعه إلا بنسيئة، ونص أحمد على كراهة ذلك، فقال: العينة أن [ ص: 478 ] يكون عند الرجل المتاع فلا يبيعه إلا بنسيئة، فإن باع بنسيئة ونقد فلا بأس.
وقال أيضا: أكره للرجل أن لا يكون له تجارة غير العينة فلا يبيع بنقد.
قال ابن عقيل: إنما كره ذلك لمضارعته الربا، فإن البائع بنسيئة يقصد الزيادة غالبا.
وعلله شيخنا ابن تيمية رضي الله عنه بأنه يدخل في بيع المضطر، فإن غالب من يشتري بنسيئة إنما يكون لتعذر النقد عليه، فإذا كان الرجل لا يبيع إلا بنسيئة كان ربحه على أهل الضرورة والحاجة، وإذا باع بنقد ونسيئة كان تاجرا من التجار.
وللعينة صورة خامسة - وهي أقبح صورها، وأشدها تحريما - وهي أن وهذه تسمى الثلاثية؛ لأنها بين ثلاثة، وإذا كانت السلعة بينهما خاصة فهي الثنائية. المترابيين يتواطآن على الربا، ثم يعمدان إلى رجل عنده متاع، فيشتريه منه المحتاج، ثم يبيعه للمربي بثمن حال ويقبضه منه، ثم يبيعه إياه للمربي بثمن مؤجل، وهو ما اتفقا عليه، ثمن يعيد المتاع إلى ربه، ويعطيه شيئا،
وفي الثلاثية: قد أدخلا بينهما محللا يزعمان أنه يحلل لهما ما حرم الله من الربا.
وهو كمحلل النكاح.
فهذا محلل الربا، وذلك محلل الفروج، والله [ ص: 479 ] تعالى لا تخفى عليه خافية. بل يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.