المسألة الرابعة: الوصية بمرتب دائم من عين التركة:
كالوصية بألف ريال كل سنة للمسجد أو الفقراء: وفيها أمور:
الأمر الأول: مشروعيتها:
اختلف العلماء في مشروعيتها على ثلاثة أقوال: القول الأول: صحتها ولزومها، وهو قول جمهور أهل العلم، لعموم الأدلة.
القول الثاني: بطلانها: وهو مذهب الظاهرية كما سبق قريبا.
القول الثالث: صحتها بأول مرتب، وبطلانها فيما بعده، فإذا أوصى [ ص: 219 ] بمئة كل سنة وجبت مئة في أول سنة إذا حملها الثلث، وبطلت في السنوات القادمة ، فلا يستحق الموصى له إلا المئة الأولى.
وهو قول للمالكية.
وحجته: أنها تبطل فيما بعد المرتب الأول للجهل بالقدر الموصى به في المستقبل، فلا يعلم هل يخرج من الثلث أم لا ؟ والأقرب: القول الأول; إذ الأصل صحة الوصية.
الأمر الثاني: تكييفها:
فإن هنا قولين:
القول الأول: وهو المشهور في مذهب أنها وصية بالثلث فقط ابتداء. مالك:
القول الثاني: أنها وصية بجميع المال ابتداء، فإن أجازها الورثة فذاك، وإلا ردت للثلث.
وهو مذهب الحنفية ، وأحد قولين في المذهب المالكي.
ووجه القول الأول: أن الموصي ممنوع شرعا من الوصية بأكثر من الثلث، فإذا لم ينص على مقدار الوصية فإنها تحمل على الثلث ; لأنه الجائز شرعا، فيحمل قوله على ما وافق الشرع.
ودليل القول الثاني: أن تنفيذ الوصية على الوجه الذي ذكره الموصي يستغرق جميع التركة; لأن التركة محدودة، والوصية غير متناهية، فتكون وصيته بجميع المال، إلا أن يمنع الورثة.
وتظهر ثمرة الخلاف: في اجتماع الوصية بمرتب دائم، والوصية بقدر [ ص: 220 ] معلوم، مثل الوصية لمعين بألف ريال، والوصية للفقراء كل شهر بمئة ريال، والتركة ثلاثة آلاف ريال، فإذا لم تجز الورثة أكثر من الثلث تحاصص المعين وأصحاب المرتب في الثلث، يضرب الموصى له بألف بالثلث; لأنه ثلث التركة، ويضرب الموصى لهم بالثلث، ويقسم بينهم أنصافا لكل خمسمئة.
وعلى القول الثاني: يضرب أصحاب المرتب بجميع المال، وأما الموصى له بألف فإنه يضرب بالمسمى وهو الألف، ويقسم الثلث بينهما أرباعا بنسبة وصية كل واحد من الفريقين إلى مجموع الوصيتين، فيعطى الموصى له بألف ربع الثلث، وهو مئتان وخمسون، ويوقف لأصحاب المرتب ثلاثة أرباع الثلث، سبعمئة وخمسون.
وفي حالة إجازة الورثة الوصيتين معا على القول الثاني يقسم المال بينهما أرباعا، وعلى القول الأول يأخذ الموصى له بألف ألفه، ويأخذ أصحاب المرتب ألفا أخرى; لأن الوصية بالمرتب، وصية بالثلث، والثلث الباقي للورثة.