التفسير:
يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول : قال أبو عبيدة: معنى {استجيبوا}: أجيبوا.
إذا دعاكم لما يحييكم أي: إلى الإيمان الذي تحيون به.
وقيل: لما تصيرون به إلى الحياة الدائمة في الآخرة.
وقيل: إذا دعاكم إلى إحياء أمركم بجهاد عدوكم.
واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه : قال : المعنى: يحول بين المرء وعقله؛ حتى لا يدري ما يصنع. مجاهد
وقيل: يحول بين المؤمن والكفر، وبين الكافر والإيمان.
[ ص: 181 ] وقيل: يحول بين المرء وقلبه بالموت وغيره من الآفات؛ فلا يمكنه استدراك ما فات.
وقيل: المعنى: يقلب الأمور من حال إلى حال.
وقيل: هو تمثيل يراد به القرب؛ كما قال: ونحن أقرب إليه من حبل الوريد [ق: 16].
وقيل: خافوا من عدوهم، فأعلمهم الله أنه يحول بين المرء وقلبه؛ بأن يبدلهم بعد الخوف أمنا، ويبدل عدوهم من الأمن خوفا.
واختار : أن يكون ذلك إخبارا من الطبري وأنه يحول بينهم وبينها إذا شاء؛ حتى لا يدرك الإنسان شيئا إلا بمشيئة الله عز وجل. الله عز وجل بأنه أملك لقلوب العباد منهم،
واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة : قال : أمر الله المؤمنين ألا يقروا المنكر بين أظهرهم؛ فيعمهم العذاب. ابن عباس
: هو من قوله: ابن مسعود أنما أموالكم وأولادكم فتنة [الأنفال: 28].
[ : الفتنة: البلية]. الحسن
وقيل: هو نهي بعد أمر، والمعنى: واتقوا فتنة ، ثم قال: [ ص: 182 ] لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ؛ أي: لا يتعرض الذين آمنوا لما ينزل بهم معه من العذاب، فهو كقولك: (لا أرينك ههنا).
وقيل: نزلت في أصحاب الجمل.
وقيل: ليس هو بنهي، وإنما دخلته النون؛ لما فيه من معنى الجزاء، وقيل: لأنه خرج مخرج جواب القسم.
علي بن سليمان : هو دعاء.
وقوله: تخافون أن يتخطفكم الناس يعني بـ {الناس}: مشركي قريش، عن ، قتادة . وعكرمة
وهب بن منبه: فارس، والروم.
نزل ذلك في يوم الكلبي: بدر؛ لأنهم كانوا قلة؛ فقواهم بنصره.
: {فآواكم} إلى السدي المدينة، وأيدكم بنصره ؛ يعني: بالأنصار.
[ ص: 183 ] وقوله: لا تخونوا الله والرسول : : أي: كما خانه المنافقون. السدي
روي: أنها نزلت بسبب منافق كتب إلى أبي سفيان يخبره بخبر النبي صلى الله عليه وسلم.
وقيل: المعنى: لا تخونوا مال الله؛ يعني: الغنائم.
وقيل: نزلت في أبي لبابة، حين أشار إلى بني قريظة أنه الذبح.
وتخونوا أماناتكم : سميت الأمانة؛ لأنها يؤمن معها من منع الحق، مأخوذة من (الأمن).
وأنتم تعلمون أي: تعلمون ما في الخيانة، وقيل: تعلمون أنها أمانة.
يجعل لكم فرقانا : قال : أي: نجاة. السدي
: يفرق في قلوبكم بين الحق والباطل. ابن زيد
، وغيره: يجعل لكم مخرجا. مجاهد
: يجعل لكم فتحا ونصرا. الفراء
وقيل: يجعل لكم فرقانا في الآخرة؛ فيدخلكم الجنة، ويدخل الكفار النار.
وقوله تعالى: وإذ يمكر بك الذين كفروا ... الآية:
هذا إخبار بما اجتمع المشركون عليه من المكر بالنبي صلى الله عليه وسلم بمكة في دار الندوة، وقد ذكرت خبره في "الكبير"، ومعنى {ليثبتوك}: ليحبسوك، وقد تقدم القول [ ص: 184 ] في معنى إضافة (المكر) إلى الله عز وجل.
وقوله إخبارا عنهم: لو نشاء لقلنا مثل هذا : قالوا ذلك؛ لأنهم توهموا أنهم يأتون بمثله؛ كما توهمت السحرة مع موسى، ثم راموا ذلك، فعجزوا عنه.
وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك ... الآية:
قال ، مجاهد : قائل هذا وابن جبير النضر بن الحارث، وقالوا: من السماء تأكيدا؛ لأن المطر لا يكون من مكان دون السماء.
وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون : قيل: إن الضمير لـ المسجد الحرام ، عن ، وغيره، وقيل: لله عز وجل. الحسن
وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية : قال : السدي يقال له: (المكاء)، (المكاء): التصفير على لحن طير أبيض، بأرض الحجاز، و (التصدية): التصفيق بالأيدي، وروي نحوه عن ، وعنه أيضا: أن (المكاء) إدخالهم أصابعهم في أفواههم، و (التصدية): التصفير؛ ليشغلوا [ ص: 185 ] به النبي صلى الله عليه وسلم. مجاهد
: (المكاء): ضرب بالأيدي، و (التصدية): صياح. قتادة
وقيل: إن بعضهم كان يتصدى لبعض، ويصفر له؛ كي يراه، أو يعرف مكانه.
سعيد بن جبير، وابن زيد: صدهم عن البيت، فالأصل على هذا: (تصددة). معنى (التصدية):
وقوله: فذوقوا العذاب يعني: عذاب السيف، عن ، وغيره، وقيل: عذاب الآخرة. الحسن
إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل يعني: إنفاق أبي سفيان وأصحابه يوم أحد، ويروى: أن قريشا جعلت العير التي خلصت مع أبي سفيان لحرب النبي صلى الله عليه وسلم.
ليميز الله الخبيث من الطيب أي: المؤمن من الكافر.
فيركمه جميعا فيجعله في جهنم أي: يجعل الكفار بعضهم على بعض في النار.
[ ص: 186 ] وقيل: المعنى: يميز ما أنفقه الكافر، فيجعله في جهنم يعذبه به، ويميز ما أنفقه المؤمن، فيثيبه عليه.
قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ... الآية:
قال ، الحسن : معنى ومجاهد وإن يعودوا : إلى قتال النبي عليه الصلاة والسلام.
فقد مضت سنت الأولين : في القتل والأسر.
فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير أي: مجازيهم على أعمالهم.