التفسير:
قوله تعالى: إنا أنزلناه الهاء لـ {الكتاب}، وقيل: لخبر يوسف عليه السلام.
[ ص: 465 ] وروي: أن يوسف عليه السلام؛ فنزلت السورة. اليهود سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن خبر
ومعنى قوله تعالى: قرآنا عربيا : بلسان عربي مبين.
وقوله: نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن : قال أي: نحن نقص عليك من الكتب الماضية وأخبار الأمم السالفة أحسن القصص بوحينا إليك هذا القرآن. قتادة:
وإن كنت من قبله لمن الغافلين أي: من الغافلين عن أخبار الأمم.
وقوله تعالى: إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا المعنى: اذكر إذ قال يوسف لأبيه، وقيل: التقدير: نحن نقص عليك إذ قال يوسف؛ أي: نذكرك بذلك.
كانت رؤياهم وحيا؛ فـ (الكواكب): إخوته، وكانوا أحد عشر، و (الشمس): أمه، و (القمر): أبوه. ابن عباس:
وقال وغيره: (الشمس): خالته. قتادة،
وأخبر تعالى عن الكواكب، والشمس، والقمر، كما يخبر عمن يعقل، فقال: رأيتهم لي ساجدين ؛ إذ تفسيرها في من يعقل.
[ ص: 466 ] وقوله: قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك الآية:
قال له ذلك لما علم من تأويل رؤياه، فخاف أن يحسدوه، وكان قد تبين له الحسد منهم له.
وقوله: وكذلك يجتبيك : وجه التشبيه: أنه شبه إعطاءه تأويل الرؤيا بإعطاء الاجتباء، ومعنى {يجتبيك}: يختارك للنبوة، و (الاجتباء): اختيار معالي الأمور للمجتبى.
وقوله: ويعلمك من تأويل الأحاديث يعني: عبارة الرؤيا، عن مجاهد، وغيرهما. وقتادة،
يعلمك عواقب الأمور التي لا تعلم إلا بوحي. الحسن:
وقيل: المعنى: يعلمك أخبار الأمم.
وقوله: كما أتمها على أبويك من قبل يعني: إنجاء إبراهيم من النار، وإسحاق من الذبح، عن عكرمة.
وأعلمه الله تعالى بقوله: وعلى آل يعقوب : أنه سيعطي بني يعقوب كلهم النبوة، قاله جماعة من المفسرين.
ومعنى قوله: آيات للسائلين يعني: من سأل عن حديثهم.
وقوله: ونحن عصبة : (العصبة): الجماعة التي يتعصب بعضها لبعض، وقيل: (العصبة): من عشرة إلى خمسة عشر، وقيل: من عشرة إلى أربعين.
وقوله: إن أبانا لفي ضلال مبين يعنون: في رأيه في يوسف عليهم في [ ص: 467 ] المحبة، وأصل (الضلال): الضياع، والذهاب، فكأنهم أرادوا أنه في ذهاب عن طريق الصواب الذي فيه التعديل بينهم في المحبة، وقد يأتي (الضلال) بمعنى: الغفلة؛ نحو: تفضيل ووجدك ضالا فهدى [الضحى: 7] في قول بعضهم، قال: معناه: غافلا عن النبوة، [قيل: لا تعرف شريعة الإسلام، فهداك لها؛ فهو مثل قوله: وعلمك ما لم تكن تعلم [النساء: 113]].
وفيه أقوال غير ذلك مذكورة في موضعها إن شاء الله، وقد ذكرت وجوه (الضلال) في "الكبير".
والقول في قوله: إنك لفي ضلالك القديم [يوسف: 95] حسب ما قدمناه.
وقوله: اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا لم يكونوا -فيما ذكره المفسرون- حين قالوا ذلك أنبياء، والمعنى: اطرحوه في أرض تأكله بها السباع، وقيل: المعنى: اطرحوه أرضا يبعد فيها عن أبيه.
وقوله: وتكونوا من بعده قوما صالحين أي: من بعد الطرح، وقيل: من بعد القتل، وقيل: من بعد يوسف.
قال أي: تحسن منزلتكم عند أبيكم، وقيل: تتوبون من بعده. الحسن:
[ ص: 468 ] وقوله: قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابت الجب : قيل: هو روبيل، عن وغيره، وهو ابن خالة قتادة يوسف.
هو مجاهد: شمعون.
هو الزجاج: يهوذا.
و (الغيابة): الموضع الذي يغيب فيه صاحبه.
و (الجب) الذي ألقي فيه يوسف -فيما ذكره المفسرون: بئر ببيت المقدس، و (الجب) في اللغة: البئر المقطوعة التي هي غير مطوية.
وقوله تعالى: يلتقطه بعض السيارة يعني: بعض من يمر في الطريق.
وقوله: أرسله معنا غدا يرتع ويلعب : مذكور في الإعراب.
وقوله: وأخاف أن يأكله الذئب قيل: إنما خاف يعقوب الذئب دون سائر السباع؛ لأنه كان رأى في منامه أن ذئبا شد على يوسف.
وقوله: وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون : قيل: المعنى: لا يشعرون أنك يوسف، وقيل: المعنى: وأوحينا إليه وهم لا يشعرون: لتنبئنهم بأمرهم هذا، وكان هذا قبل بلوغ يوسف الحلم، قيل: كان برسول، وقيل: كان بإلهام، وقيل: بمنام.
وقيل: المعنى: لا يشعرون أنه نبي يوحى إليه.
[ ص: 469 ] وقيل: (الهاء) ليعقوب، أوحى الله تعالى إليه بما فعله بنوه بيوسف، وأنه سيعرفهم بأمره، وهم لا يشعرون بما أوحي إليه.
قال نزل الضحاك: جبريل على يوسف عليهما السلام وهو في الجب، فقال له: ألا أعلمك كلمات إذا أنت قلتهن عجل الله تعالى لك خروجك من هذا الجب؟ فقال: نعم، فقال له: قل: يا صانع كل مصنوع، ويا جابر كل كسير، ويا شاهد كل نجوى، ويا حاضر كل ملأ، ويا مفرج كل كربة، ويا صاحب كل غريب، ويا مؤنس كل وحشة؛ ائتني بالفرج والرجاء، واقذف رجاءك في قلبي؛ حتى لا أرجو أحدا سواك. فرددها يوسف في ليلته مرارا، فأخرجه الله تعالى في صبيحة يومه ذلك من الجب.
وقوله تعالى: إنا ذهبنا نستبق أي: نستبق بالعدو؛ لننظر أينا أسرع؟ وقال نستبق في الرمي. الزجاج:
وقوله تعالى: وما أنت بمؤمن لنا أي: بمصدق، عن وغيره. الحسن،
ولو كنا صادقين أي: ولو كنا عندك من أهل الثقة والصدق؛ لاتهمتنا؛ لشدة محبتك في يوسف.
[ ص: 470 ] المعنى: وإن كنا صادقين، ولم يصدقهم المبرد: يعقوب عليه السلام، لما ظهر له من قوة التهمة، وكثرة الأدلة على خلاف ما قالوه.
وقوله تعالى: وجاءوا على قميصه بدم كذب أي: ذي كذب.
كان دم سخلة. ابن عباس:
[قال الموفق -أعزه الله- في قوله تعالى بدم كذب : إنه محمول على المعنى، كأنه قال: وجاؤوا على قميصه بحديث دم كذب، فحذف لعلم السامع؛ فـ {كذب}: نعت لـ (حديث) المحذوف].
وقال يعقوب -فيما ذكر-: لو أكله الذئب، لخرق القميص.
وقوله: بل سولت لكم أنفسكم أمرا أي: زينت.
فصبر جميل أي: فأمري صبر جميل، أو فصبر جميل أولى.
[ ص: 471 ] قال بعض المفسرين: (الصبر الجميل): هو الصبر الذي لا جزع فيه.
وقوله تعالى: وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم : (الوارد): الذي يرد الماء ليتناول منه.
وقوله: فأدلى دلوه أي: أرسلها، (أدليت الدلو) ؛ إذا أرسلتها، و (دلوتها)، إذا أخرجتها ممتلئة.
قال قتادة، لما أدلى المدلي دلوه، تعلق بها والسدي: يوسف عليه السلام، قال يا بشرى هذا غلام .
بشر أصحابه بأنه وجد عبدا. قتادة:
نادى رجلا اسمه (بشرى). السدي:
و وأسروه بضاعة أي: أسره صاحب الدلو ومن كان معه من التجار، لئلا يسألهم أصحابهم الشركة فيه، قاله مجاهد، والسدي.
وقيل: أسره إخوته إذ كتموا أنه أخوهم، وتابعهم على ذلك، لئلا يقتلوه، قاله ابن عباس.
و (البضاعة): القطعة من المال تجعل للتجارة، مشتقة من (بضعت الشيء) إذا قطعته.
وقوله تعالى: وشروه بثمن بخس أي: باعوه، يعني: إخوة يوسف، عن ابن عباس، ومجاهد.
[ ص: 472 ] الذين باعوه السيارة. قتادة:
المعنى: اشتراه السيارة من إخوته بثمن بخس، ثم خافوا أن يشركهم فيه أصحابهم. الطبري:
وقوله: وكانوا فيه من الزاهدين يعني: إخوته الذين باعوه.
وقيل: الذين رفعوه من الجب.
وقيل: الذين أسروه بضاعة هم التجار الذين اشتروه من الذين رفعوه من الجب.
وقوله: بثمن بخس : (البخس): النقص من الحق، وقيل: الحرام، وقيل: القليل.
قال ابن مسعود، وغيرهما: كان ثمنه عشرين درهما. وابن عباس،
كان أربعين درهما. عكرمة:
كان اثنين وعشرين درهما. مجاهد:
أخذ كل واحد من إخوته درهمين. عكرمة: