[ ص: 567 ] الإعراب:
قوله تعالى: والذي أنـزل إليك من ربك الحق : يجوز أن يكون موضع {الذي} رفعا؛ على العطف على {آيات}، أو على إضمار (هو)، أو على أنه مبتدأ.
ويجوز أن يكون موضعه جرا؛ على تقدير: وآيات الذي أنزل إليك، وارتفاع {الحق} على هذا على إضمار مبتدأ، أو على أنه صفة لـ {الذي}.
وقوله: بغير عمد ترونها : يجوز أن يكون {ترونها} حالا من {السماوات} ؛ التقدير: خلق السماوات مرئية بغير عمد.
ويجوز أن يكون {ترونها} صفة {عمد} ؛ فيكون التقدير: خلق السماوات بغير عمد مرئية.
ويجوز ألا يكون لـ {ترونها} موضع من الإعراب؛ فيكون التقدير: وأنتم ترونها؛ أي: ترون السماوات، وقد تقدم مذهب المفسرين في ذلك.
وقوله: وجنات من أعناب : من كسر التاء؛ فـ {جنات} منصوبة على تقدير: وجعل فيها جنات، فهو محمول على قوله: وجعل فيها رواسي ، ويجوز أن تكون مجرورة على الحمل على {كل} ؛ التقدير: ومن كل الثمرات، ومن جنات.
ومن رفع؛ فعلى تقدير: وبينهما جنات، وكذلك من رفع {وزرع} وما عطف عليه؛ فهو معطوف على {جنات}، ومن جر؛ جاز أن يكون معطوفا [ ص: 568 ] على {أعناب} ؛ فيكون الزرع والنخيل من الجنات، وجاز أن يكون معطوفا على {كل} حسب ما تقدم في {جنات}.
وقوله: {صنوان}: الضم والكسر في الصاد لغتان، وهما جمع (صنو)، وليس بجمع سلامة؛ لأن جمع السلامة إنما يكون بالواو والنون، أو بالألف والتاء، و {صنوان} وإن سلم فيه بناء الواحد، فليست كسرة الصاد في الواحد ككسرتها في الجمع، وإنما هو اتفاق في اللفظ، والتقديران مختلفان.
ومن فتح الصاد؛ فليس من أمثلة التكسير، لكنه اسم للجمع؛ كما كان (الباقر) و (الجامل) كذلك.
والقول في التاء والياء من {تسقى}، والياء والنون من {ونفضل}: بين.
ومن جمع بين الاستفهامين في المواضع المذكورة؛ فهو على ما قدمناه من [ ص: 569 ] القول في مثل ذلك في (سورة الأعراف).
وموضع {إذا} من قوله: أإذا كنا ترابا نصب بإضمار فعل؛ التقدير: أنبعث إذا كنا ترابا؟ ولا تعمل فيها {كنا} ؛ لأن المضاف لا يعمل في المضاف إليه، و {إذا} مضافة إلى {كنا}، ولم ينكر القوم كونهم ترابا، إنما أنكروا البعث بعد كونهم ترابا.
ولا يعمل في {إذا} (مبعوثون) ؛ لأن ما بعد (إن) لا يعمل فيما قبلها.
ومن قرأ: {المثلات} ؛ بضم الميم والثاء؛ جاز أن يكون جمع (مثلة)، وهي لغة في (مثلة)، فيكون كـ (غرفة وغرفات)، وجاز أن تكون الواحدة (مثلة) ؛ كـ (بسرة) في لغة من ضم السين، وجاز أن يكون أراد تخفيف (مثلة) ؛ فنقل ضمة الثاء إلى الميم، وأسكن الثاء، فصار (مثلة)، ثم جمعه على (فعلات).
[ ص: 570 ] الزجاج: من قال: {المثلات} ؛ فهو يقول في الواحدة: (مثلة)، والضمة عوض من حذف هاء التأنيث.
أبو علي: لا يصح العوض من حذف هاء التأنيث في هذا الموضع؛ لأن فيه ما هو عوض منها، ونائب عنها؛ وهو علامة الجمع الدالة على التأنيث كدلالتها، فلا يصح أن يثبت منها عوضان، ولو جاز العوض منها في الأسماء التي هي فيها؛ لجاز في غير هذا الاسم، ولجاز أن يعوض من حذفها في الصفات، كما عوض في الأسماء؛ لأن الحذف يلحق في الموضعين لحاقا واحدا.
قال: لكنه يجوز لمن قال: {المثلات} وهو يقول في الواحد: (مثلة) أن تكون (مثلة) مخففة من (مثلة)، ورد في الجمع إلى أصله، أو يكون وافق في الجمع من يقول: (مثلة) في الواحد، وإن لم يوافقه في الواحد؛ كما قال -فيمن قال: (شاة لجبة) ثم قال: (لجبات) -: إنه وافق في الجمع من يقول: (لجبة) في الواحد، فحرك العين. سيبويه
[ ص: 571 ] ومن قرأ: {المثلات} ؛ جاز أن يكون خفف (مثلة)، فصار (مثلة)، ثم جمعه على لفظه من غير إتباع؛ كراهة أن يرجع إلى مثل ما فر منه، وجاز أن يكون أراد (المثلات) ؛ فآثر إسكان الثاء في هذا الجمع؛ استخفافا، فنقل ضمتها إلى الميم، وأسكنها.
ومن قرأ بفتح الميم، وإسكان الثاء؛ فهو مخفف من {المثلات}.
ومن قرأ: {المثلات} ؛ فهو جمع (مثلة) ؛ كـ (سمرة، وسمرات).
وقوله: ولكل قوم هاد : يجوز أن يكون {هاد} معطوفا على {منذر}، فتكون اللام متعلقة بـ {هاد}، وبـ {منذر} ؛ والتقدير: إنما أنت منذر وهاد لكل قوم، ويجوز أن يكون {هاد} مبتدأ، فتتعلق اللام بالاستقرار.
الله يعلم ما تحمل كل أنثى : يجوز أن يكون {ما} بمعنى: (الذي)، والعائد محذوف، ويجوز أن يكون {ما} والفعل مصدرا، ولا يحتاج إلى عائد، ويجوز أن يكون {ما} استفهاما في موضع نصب بـ {تحمل}، أو في موضع رفع بالابتداء، والخبر: {تحمل} ؛ على تقدير حذف الهاء من الخبر، وهو قليل، و {ما} في قوله: وما تغيض الأرحام معطوفة على {ما} الأولى.
[ ص: 572 ] وكل شيء عنده بمقدار : الباء متعلقة بمحذوف؛ والتقدير: وكل شيء مقدر عنده بمقدار.
سواء منكم من أسر القول ومن جهر : تقديره: سواء منكم إسرار من أسر القول وجهر من جهر به، والجار في سواء منكم يحتمل أن يكون وصفا لـ {سواء} ؛ التقدير: سر من أسر القول وجهر من جهر به سواء منكم، ويجوز أن يتعلق بـ {سواء} ؛ على معنى: يستوي منكم؛ كقولك: (مررت بزيد)، ويجوز أن يكون على تقدير: سر من أسر منكم وجهر من جهر منكم سواء، ويجوز أن يكون التقدير: ذو سواء منكم من أسر القول، ومن جهر به، ويجوز أن يكون {سواء} بمعنى: (مستو)، فلا يحتاج إلى تقدير حذف مضاف.
وقوله: وهو شديد المحال : من فتح الميم؛ فهو بمعنى: الحول، ومن كسرها؛ احتمل أن يكون (فعالا) ؛ من (محل)، أو (مفعلا) ؛ من (الحول)، على ما تقدم في التفسير.
[ ص: 573 ] وقوله: لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء أي: كاستجابة باسط كفيه إلى الماء، فالمصدر المحذوف في تقدير الإضافة إلى المفعول، وفاعل المصدر مراد في المعنى؛ وهو الماء؛ والمعنى: إلا كإجابة باسط كفيه إلى الماء، واللام في قوله: ليبلغ فاه متعلقة بالبسط.
وقوله: وما هو ببالغه : كناية عن الماء؛ أي: وما الماء ببالغ فيه، ويجوز أن يكون {هو} كناية عن الفم؛ أي: ما الفم ببالغ الماء، ولا يكون {هو} كناية عن الفم و (بالغ) للماء؛ لأن (بالغا) إذا كان للماء، وجرى على {هو} الذي يكون كناية عن الفم؛ فقد جرى على غير من هو له، فلزم أن يظهر، فيقال: (وما هو ببالغه هو)، فيكون (هو) مرتفعا بأنه فاعل البلوغ، وأظهر؛ لجريه على غير من هو له.
وقوله: وما دعاء الكافرين إلا في ضلال : فيه تقدير حذف مفعول؛ المعنى: وما دعاء الكافرين الأصنام إلا في ضلال.
وقوله: وظلالهم بالغدو والآصال : يجوز أن تكون {ظلالهم} معطوفة على {من}، ويجوز أن تكون مرتفعة بالابتداء، والخبر محذوف؛ التقدير: وظلالهم سجد بالغدو والآصال.
و (الغدو): يجوز أن تكون مصدرا، ويجوز أن تكون جمع (غد)، ويقوي [ ص: 574 ] كونه جمعا: مقابلة الجمع الذي هو {الآصال} به.
والقول في: أم هل تستوي الظلمات والنور ، و ومما يوقدون : ظاهر، وقوله: في النار متعلق بمحذوف، وهو في موضع الحال، وذو الحال الهاء التي في {عليه} ؛ التقدير: ومما توقدون عليه ثابتا في النار، أو كائنا، وفي قوله: في النار ضمير مرفوع يعود إلى الهاء التي هي اسم ذي الحال، ولا يستقيم تعلق في النار بـ {توقدون} من حيث لا يستقيم: (أوقدت عليه في النار) ؛ لأن الموقد عليه يكون في النار، فيصير قوله: في النار غير مفيد.
وقوله: ابتغاء حلية : مفعول له.
زبد مثله : ابتداء وخبر؛ أي: زبد مثل زبد السيل.
وقيل: إن خبر {زبد} قوله: في النار .
الكسائي: {زبد}: ابتداء، و {مثله}: نعت له، والخبر في الجملة التي قبله.
* * *