غشيها نور الرب، والملائكة تقع عليها كما تقع الغربان على الشجرة. الربيع بن أنس:
وعن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: إذ يغشى السدرة ما يغشى )) . ((رأيت السدرة يغشاها فراش [ ص: 253 ] من ذهب، ورأيت على كل ورقة من ورقها ملكا قائما يسبح، وذلك قوله تعالى:
ما زاغ البصر وما طغى : قال أي: ما عدل يمينا، ولا شمالا، ولا جاوز الحد. ابن عباس:
وقوله: لقد رأى من آيات ربه الكبرى : قال رأى رفرفا سد الأفق، وقيل: عنى به: رؤيته جبريل عليه السلام. ابن عباس:
{من} : يجوز أن تكون للتبعيض، وتكون {الكبرى} مفعولة لـ {رأى} ، وهي في الأصل صفة، ويجوز أن تكون {من} زائدة، و {الكبرى} نعت لـ {آيات} على اللفظ، أو على الموضع.
وقوله: أفرأيتم اللات والعزى الآيات: المعنى: أفرأيتم الأصنام التي جعلتموها بنات الله تعالى؟ أتجعلون لأنفسكم الذكور وله البنات على زعمكم؟
وقوله: تلك إذا قسمة ضيزى أي: جائرة. عن وغيره: ابن عباس منقوصة. الثوري:
ووزن {ضيزى} : (فعلى) ، كسر أولها لتصح الياء، ولا يكون وزنها (فعلى) ؛ إذ ليس في الصفات ذلك، يقال: (ضزته حقه أضيزه) ، و(ضزته أضوزه) ، ولم [ ص: 254 ] تقلب الياء واوا وتقر الضمة على حالها؛ لأن الياء والكسرة أخف من الواو والضمة، ولم يخف فيه لبس؛ إذ ليس في الصفات (فعلى) ، ومن قال: (ضزته) ؛ جعله من الواو، ووجب أن يقول: (ضوزى) .
ومن قرأ: {ضئزى} ؛ بالهمز؛ جعله مصدرا؛ مثل: (ذكرى) ، وليس بصفة؛ إذ ليس في الصفات (فعلى) ، ولا يكون أصلها (فعلى) ؛ إذ ليس فيها ما يوجب القلب، وهي من قولهم: (ضأزته) ؛ أي: ظلمته؛ فالمعنى: قسمة ذات ظلم، وقد قيل: هما لغتان بمعنى، وحكي فيها أيضا سواهما: {ضيزى} ، و (ضازى) ، و (ضوزى) ، و (ضؤزى) .
و {اللات} فيما ذكره بعض المفسرين- أخذه المشركون من اسم (الله) تعالى، و {العزى} : من (العزيز) ، و {مناة} : من (منى الله الشيء) ؛ إذا قدره.
{العزى} : شجرات كانوا يعبدونها. مجاهد:
{العزى} : حجر أبيض كانوا يعبدونه. ابن جبير:
هو بيت كان ببطن نخلة، و {مناة} : صنم لخزاعة. قتادة:
ابن إسحاق: {مناة} : صخرة لهذيل وخزاعة.
[ ص: 255 ] وقيل: {اللات} : صنم لثقيف، و {العزى} : سمرة لهم عبدوها من دون الله.
وقوله: {أفرأيتم} : من رؤية البصر؛ ولذلك نصب بها، ولو كانت التي للسؤال لم تتعد؛ نحو: أفرأيت الذي تولى [النجم: 33].
وقوله: أم للإنسان ما تمنى أي: أم للإنسان ما تمنى من غير جزاء؟ ليس الأمر كذلك؛ لأن الله له الأخرة والأولى، يعطي من يشاء، ويمنع من يشاء.
وقوله: وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى : هذا وزعم أن ذلك يقربه إلى الله عز وجل، فأعلم أن توبيخ من الله تعالى لمن عبد الملائكة والأصنام، الملائكة لا تشفع إلا لمن أذن لها أن تشفع له.
وقوله: ذلك مبلغهم من العلم : هذا متصل بقوله: ولم يرد إلا الحياة الدنيا يعني: أنهم إنما يبصرون أمر دنياهم، ويجهلون أمر دينهم.
وقوله: ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا : اللام متعلقة بالمعنى الذي دل عليه: ولله ما في السماوات وما في الأرض ؛ كأنه قال: هو مالك ذلك، [يهدي من يشاء، ويضل من يشاء]؛ ليجزي الذين [أساءوا بما [ ص: 256 ] بما عملوا، ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى].
وقوله: الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم : قال ابن عباس {اللمم} : كل ما دون الزنا، وعن والشعبي: أيضا: هو الرجل يلم بذنب، ثم يتوب، وقال: ألم تسمع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: [من الرجز] (( ابن عباس
إن تغفر اللهم تغفر جما وأي عبد لك لا ألما
)) مجاهد هو الذي يأتي الذنب، ثم لا يعود. والحسن:هو ما كان في الجاهلية؛ فقد عفا الله عنه، وعنه أيضا قال: هو النظرة، والغمزة، والقبلة، والمباشرة؛ فإذا مس الختان الختان؛ فقد وجب الغسل، وهو الزنا، وروي معناه عن أبو هريرة: ابن مسعود.
{اللمم} : ما دون الشرك. عبد الله بن عمرو بن العاص:
وقيل: {اللمم} : الذنب بين الحدين، وهو ما لم يأت عليه حد في الدنيا، ولا توعد عليه بعذاب في الآخرة، تكفره الصلوات الخمس.
وقيل: {اللمم} : أن يأتي ذنبا لم يكن له بعادة، قاله نفطويه، قال: والعرب [ ص: 257 ] تقول: (ما تأتينا إلا إلماما) ؛ أي: في الحين بعد الحين، قال: ولا يكون أن يهم ولا يفعل؛ لأن العرب لا تقول: (ألم بنا) إلا إذا فعل الإتيان، لا إذا هم به ولم يفعله.
وقوله: فلا تزكوا أنفسكم أي: لا تقولوا: إنا زاكون؛ فإنكم لا تدرون كيف أنتم عند الله تعالى؟
وقوله: أفرأيت الذي تولى وأعطى قليلا وأكدى : قال المراد به: مجاهد: الوليد بن المغيرة، أعطى قليلا، ثم قطع.
وأصل {أكدى} : من (الكدية) ، يقال لمن حفر بئرا، ثم بلغ إلى حجر لا يتهيأ فيه حفر: (قد أكدى) ، ثم استعمله العرب لمن أعطى ولم يتمم، ولمن طلب شيئا فلم يبلغ آخره.
وقوله: وإبراهيم الذي وفى أي: أدى ما افترض عليه، وفعل ما أمر به، روي معناه عن وعنه أيضا: كانوا قبل ابن عباس، إبراهيم يأخذون الولي بالولي، حتى كان إبراهيم، فبلغ: ألا تزر وازرة وزر أخرى ؛ أي: بلغ ألا يحمل أحد ذنب أحد.
وقال أبو مالك الغفاري: قوله تعالى: ألا تزر وازرة وزر أخرى ، إلى قوله: فبأي آلاء ربك تتمارى : في صحف إبراهيم وموسى، قال: وعنى بقوله: ألا تزر وازرة وزر أخرى رجلا من المشركين كان ضمن للوليد بن المغيرة وقد كان الوليد اتبع [ ص: 258 ] النبي صلى الله عليه وسلم أنه إن رجع عنه تحمل عنه عذاب الآخرة، فقال الله تعالى: ألم يخبر هذا المضمون له بما في صحف إبراهيم وموسى وأنه لا يحمل أحد ذنب أحد؟
وقوله: وأن سعيه سوف يرى أي: يريه الله جزاءه يوم القيامة.
وقوله: وأنه هو أضحك وأبكى : قيل: معناه: أضحك أهل الجنة، وأبكى أهل النار في الآخرة، وقيل: أضحك من شاء في الدنيا بأن سره، وأبكى من شاء بأن غمه.
وقوله: وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تمنى أي: إذا تقدر، عن أبي عبيدة.
غيره: {تمنى} : تدفق.
وقوله: وأن عليه النشأة الأخرى يعني: البعث.
وقوله: وأنه هو أغنى وأقنى : قال {أغنى} : مول، و {أقنى} : أخدم، وقيل: معنى {أقنى} : جعل لكم قنية تقتنونها، وقيل: معناه: أرضى. مجاهد:
المعنى: أغنى من شاء، وأفقر من شاء، واختاره الطبري. ابن زيد:
وقوله: وأنه هو رب الشعرى يعني: الكوكب الذي خلف الجوزاء، وهو أحد ذراعي الأسد، ويروى: أنهم كانوا يعبدونه في الجاهلية.
[ ص: 259 ] وقوله: وأنه أهلك عادا الأولى يعني: عاد بن إرم بن عوص بن سام بن نوح، وعاد الثانية: هي من ولد عاد الأولى.
إنما قيل لها: ابن زيد: عادا الأولى ؛ لأنها أول أمة هلكت بعد نوح عليه السلام.
وقيل: إن عادا الآخرة هي ثمود.
وقوله: والمؤتفكة أهوى يعني: مدائن قوم لوط، رفعها جبريل، ثم أهوى بها، فغشاها ما غشى ؛ يعني: من العذاب.
وقوله: فبأي آلاء ربك تتمارى أي: فبأي نعم ربك تتشكك؟ والمخاطبة للإنسان.
وقوله: هذا نذير من النذر الأولى : قال يعني: محمدا صلى الله عليه وسلم، وقيل: يعني: القرآن. محمد بن كعب:
وقوله: أزفت الآزفة أي: قربت القريبة، يعني: القيامة.
وقوله: ليس لها من دون الله كاشفة أي: حال كاشفة، أو فرقة كاشفة، وقيل: إن {كاشفة} بمعنى: كاشف، والهاء للمبالغة، وقيل: معناها: انكشاف.
وقوله: أفمن هذا الحديث تعجبون يعني: القرآن.
وقوله: وأنتم سامدون أي: لاهون معرضون، عن وعنه أيضا: هو الغناء بلغة حمير، يقال: (أسمد لنا) ؛ أي: تغن لنا، وكانوا إذا سمعوا القرآن [ ص: 260 ] يتلى؛ تغنوا. ابن عباس،
{سامدون} : شامخون، وقيل: معناه: غافلون. الضحاك:
يعني به: القيام قبل الإمام في الصلاة]. [النخعي:
وروي: أن رضي الله عنه خرج إلى الصلاة، فرأى الناس قياما، فقال: ما لهم سامدون؟ عليا
والمعروف في اللغة: (سمد يسمد سمودا) ؛ إذا لها وأعرض.
وقوله: فاسجدوا لله واعبدوا : قال لما تلاها النبي عليه الصلاة والسلام؛ سجد، وسجد معه المسلمون، والمشركون، والجن، والإنس. ابن عباس: