الدرجة الثالثة
أن الألوهية هي العبادة، وأن العبادة معناها التوحيد.
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس: nindex.php?page=treesubj&link=29613_29428كل ما ورد في القرآن من العبادة، فمعناها التوحيد.
وقال تعالى في سورة الذاريات:
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون [الذاريات: 56] أي: يوحدون.
[ ص: 208 ]
وقال تعالى في فاتحة كتابه العزيز:
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إياك نعبد وإياك نستعين [الفاتحة: 5] أي: إياك نوحد، ونطيع، ونستمد.
وتقديم المعمول على العامل يفيد الحصر والاختصاص كما صرح بذلك علماء المعاني والبيان.
ومثله قوله سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=56فإياي فاعبدون [العنكبوت: 56]؛ أي: وحدون.
وهذا تضمن الأمر بالعبادة لله وحده، والنهي عن الشرك فيها؛ لأن الضمير الظاهر المتقدم أفاد النهي عن الإشراك بالله في عبادته، والأمر أفاد الوجوب.
ومثله قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا [النساء:36].
وقال في سورة «البقرة» وهي أول آية ذكر فيها كلمة: «أيها»، التي هي للنداء:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=21يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم [البقرة:21] أي: وحدوه كما قاله المفسرون.
وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=2لا أعبد ما تعبدون [ الكافرون:1-2] إلى آخر السورة، وهي تسمى سورة الإخلاص، كما تسمى سورة
nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=1قل هو الله أحد بذلك.
والعبادة المذكورة فيها هي التوحيد، وهو الدين المرضي، وكرر النفي ليعم الماضي، والمستقبل.
والتكرير يفيد التأثير، والمراد بها التوحيد العملي، ويحتاج الشرك العملي في نفيه إلى مثل ذلك البيان.
والمراد هنا: أن العبادة هي المختصة بالله تعالى.
وهي في اللغة: غاية التذلل، ونهاية الخضوع.
وفي الشرع ما أمر به الشارع من أفعال العباد، وأقوالهم المختصة بجلال الله تعالى، وعظمته، وهي اسم الجنس يشمل أنواعا كثيرة.
وأصل العبودية: الخضوع، والتذلل، فالتعبد: هو التذلل، والعبادة: هي الطاعة.
[ ص: 209 ]
ومنها: الاستعانة، والاستعاذة، والذبح، والنذر، والدعاء، والعكوف، والطواف، ونحوها.
والطاعة والعبادة قد تجتمعان، وقد تفترقان.
ولا يقال: إن الرد والتكفير، والذم والتحقير إنما ورد فيمن عبد الأصنام والأحجار، وتذلل للأوثان والأشجار، أو عبد الطواغيت من الكهان، أو الشيطان، وغيرها من الكفار.
فكيف يكون ما نزل فيهم محمولا على من عبد الملائكة المقربين، والأولياء الصالحين، والأنبياء المرسلين؟
لأن ما يعبد به الأصنام وغيرها من الدعاء، والذبح، والاعتقاد هو الذي يفعل للأولياء، وغيرهم، والذي يطلب منهم هو الذي يطلب من أولئك.
ففعل المشركين الأولين هو عين فعل المشركين الآخرين، واستوت الكفتان، وتشابهت الطائفتان.
رق الزجاج وراقت الخمر فتشابها وتشاكل الأمر فكأنما خمر ولا قدح
وكأنما قدح ولا خمر
وإذا استوى الأصل والفرع في العلة، استويا في حكم الملة.
فكيف إذا وجد النص المتقدم على القياس؟! فإنه يرتفع الإشكال والالتباس.
وإذا لم يبق الفرق بين عبادة الصالح والطالح، فهاك الدليل البين الواضح:
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=3خلق الإنسان nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=4علمه البيان nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=5الشمس والقمر بحسبان nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=6والنجم والشجر يسجدان nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=7والسماء رفعها ووضع الميزان nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=8ألا تطغوا في الميزان nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=9وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان : [الرحمن: 1- 9].
الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ
أَنَّ الْأُلُوهِيَّةَ هِيَ الْعِبَادَةُ، وَأَنَّ الْعِبَادَةَ مَعْنَاهَا التَّوْحِيدُ.
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ: nindex.php?page=treesubj&link=29613_29428كُلُّ مَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْعِبَادَةِ، فَمَعْنَاهَا التَّوْحِيدُ.
وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الذَّارِيَاتِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ [الذَّارِيَاتُ: 56] أَيْ: يُوَحِّدُونَ.
[ ص: 208 ]
وَقَالَ تَعَالَى فِي فَاتِحَةِ كِتَابِهِ الْعَزِيزِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الْفَاتِحَةُ: 5] أَيْ: إِيَّاكَ نُوَحِّدُ، وَنُطِيعُ، وَنَسْتَمِدُّ.
وَتَقْدِيمُ الْمَعْمُولِ عَلَى الْعَامِلِ يُفِيدُ الْحَصْرَ وَالِاخْتِصَاصَ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ عُلَمَاءُ الْمَعَانِي وَالْبَيَانِ.
وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=56فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ [الْعَنْكَبُوتُ: 56]؛ أَيْ: وَحِّدُونِ.
وَهَذَا تَضَمَّنَ الْأَمْرَ بِالْعِبَادَةِ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَالنَّهْيَ عَنِ الشِّرْكِ فِيهَا؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ الظَّاهِرَ الْمُتَقَدِّمَ أَفَادَ النَّهْيَ عَنِ الْإِشْرَاكِ بِاللَّهِ فِي عِبَادَتِهِ، وَالْأَمْرُ أَفَادَ الْوُجُوبَ.
وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [النِّسَاءُ:36].
وَقَالَ فِي سُورَةِ «الْبَقَرَةِ» وَهِيَ أَوَّلُ آيَةٍ ذَكَرَ فِيهَا كَلِمَةَ: «أَيُّهَا»، الَّتِي هِيَ لِلنِّدَاءِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=21يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [الْبَقَرَةُ:21] أَيْ: وَحِّدُوهُ كَمَا قَالَهُ الْمُفَسِّرُونَ.
وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=2لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ [ الْكَافِرُونَ:1-2] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، وَهِيَ تُسَمَّى سُورَةَ الْإِخْلَاصِ، كَمَا تُسَمَّى سُورَةَ
nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=1قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ بِذَلِكَ.
وَالْعِبَادَةُ الْمَذْكُورَةُ فِيهَا هِيَ التَّوْحِيدُ، وَهُوَ الدِّينُ الْمَرْضِيُّ، وَكَرَّرَ النَّفْيَ لِيَعُمَّ الْمَاضِيَ، وَالْمُسْتَقْبَلَ.
وَالتَّكْرِيرُ يُفِيدُ التَّأْثِيرَ، وَالْمُرَادُ بِهَا التَّوْحِيدُ الْعَمَلِيُّ، وَيَحْتَاجُ الشِّرْكُ الْعَمَلِيُّ فِي نَفْيِهِ إِلَى مِثْلِ ذَلِكَ الْبَيَانِ.
وَالْمُرَادُ هُنَا: أَنَّ الْعِبَادَةَ هِيَ الْمُخْتَصَّةُ بِاللَّهِ تَعَالَى.
وَهِيَ فِي اللُّغَةِ: غَايَةُ التَّذَلُّلِ، وَنِهَايَةُ الْخُضُوعِ.
وَفِي الشَّرْعِ مَا أَمَرَ بِهِ الشَّارِعُ مِنْ أَفْعَالِ الْعِبَادِ، وَأَقْوَالِهِمُ الْمُخْتَصَّةِ بِجَلَالِ اللَّهِ تَعَالَى، وَعَظَمَتِهِ، وَهِيَ اسْمُ الْجِنْسِ يَشْمَلُ أَنْوَاعًا كَثِيرَةً.
وَأَصْلُ الْعُبُودِيَّةِ: الْخُضُوعُ، وَالتَّذَلُّلُ، فَالتَّعَبُّدُ: هُوَ التَّذَلُّلُ، وَالْعِبَادَةُ: هِيَ الطَّاعَةُ.
[ ص: 209 ]
وَمِنْهَا: الِاسْتِعَانَةُ، وَالِاسْتِعَاذَةُ، وَالذَّبْحُ، وَالنَّذْرُ، وَالدُّعَاءُ، وَالْعُكُوفُ، وَالطَّوَافُ، وَنَحْوُهَا.
وَالطَّاعَةُ وَالْعِبَادَةُ قَدْ تَجْتَمِعَانِ، وَقَدْ تَفْتَرِقَانِ.
وَلَا يُقَالُ: إِنَّ الرَّدَّ وَالتَّكْفِيرَ، وَالذَّمَّ وَالتَّحْقِيرَ إِنَّمَا وَرَدَ فِيمَنْ عَبَدَ الْأَصْنَامَ وَالْأَحْجَارَ، وَتَذَلَّلَ لِلْأَوْثَانِ وَالْأَشْجَارِ، أَوْ عَبَدَ الطَّوَاغِيتَ مِنَ الْكُهَّانِ، أَوِ الشَّيْطَانِ، وَغَيْرِهَا مِنَ الْكُفَّارِ.
فَكَيْفَ يَكُونُ مَا نَزَلْ فِيهِمْ مَحْمُولًا عَلَى مَنْ عَبَدَ الْمَلَائِكَةَ الْمُقَرَّبِينَ، وَالْأَوْلِيَاءَ الصَّالِحِينَ، وَالْأَنْبِيَاءَ الْمُرْسَلِينَ؟
لِأَنَّ مَا يُعْبَدُ بِهِ الْأَصْنَامُ وَغَيْرُهَا مِنَ الدُّعَاءِ، وَالذَّبْحِ، وَالِاعْتِقَادِ هُوَ الَّذِي يُفْعَلُ لِلْأَوْلِيَاءِ، وَغَيْرِهِمْ، وَالَّذِي يُطْلَبُ مِنْهُمْ هُوَ الَّذِي يُطْلَبُ مِنْ أُولَئِكَ.
فَفِعْلُ الْمُشْرِكِينَ الْأَوَّلِينَ هُوَ عَيْنُ فِعْلِ الْمُشْرِكِينَ الْآخَرِينَ، وَاسْتَوَتِ الْكِفَّتَانِ، وَتَشَابَهَتِ الطَّائِفَتَانِ.
رَقَّ الزُّجَاجُ وَرَاقَتِ الْخَمْرُ فَتَشَابَهَا وَتَشَاكَلَ الْأَمْرُ فَكَأَنَّمَا خَمْرٌ وَلَا قَدَحٌ
وَكَأَنَّمَا قَدَحٌ وَلَا خَمْرُ
وَإِذَا اسْتَوَى الْأَصْلُ وَالْفَرْعُ فِي الْعِلَّةِ، اسْتَوَيَا فِي حُكْمِ الْمِلَّةِ.
فَكَيْفَ إِذَا وُجِدَ النَّصُّ الْمُتَقَدِّمُ عَلَى الْقِيَاسِ؟! فَإِنَّهُ يَرْتَفِعُ الْإِشْكَالُ وَالِالْتِبَاسُ.
وَإِذَا لَمْ يَبْقَ الْفَرْقُ بَيْنَ عِبَادَةِ الصَّالِحِ وَالطَّالِحِ، فَهَاكَ الدَّلِيلُ الْبَيِّنُ الْوَاضِحُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=3خَلَقَ الإِنْسَانَ nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=4عَلَّمَهُ الْبَيَانَ nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=5الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=6وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=7وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=8أَلا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=9وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ : [الرَّحْمَنُ: 1- 9].