وأولو الأمر صنفان    : الأمراء والعلماء ، وهم الذين إذا صلحوا صلح الناس ، فعلى كل منهما أن يتحرى ما يقوله ويفعله ، طاعة الله ورسوله ، واتباع كتاب الله ، ومتى أمكن في الحوادث المشكلة معرفة ما دل عليه الكتاب والسنة ، كان هو الواجب ، وإن لم يمكن ذلك لضيق الوقت أو عجز الطالب ، أو تكافؤ الأدلة عنده أو غير ذلك ، فله أن يقلد من يرتضي علمه ودينه    . 
هذا أقوى الأقوال . 
وقد قيل : ليس له التقليد بكل حال ، والأقوال الثلاثة في مذهب  أحمد  وغيره ، وكذلك ما يشترط في القضاة والولاة من الشروط يجب فعله بحسب الإمكان ، بل وسائر شروط العبادات من الصلاة والجهاد وغير ذلك ، كل ذلك واجب مع القدرة ، فأما مع العجز فإن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها . 
ولهذا أمر الله المصلي ، أن يتطهر بالماء ، فإن عدمه ، أو خاف الضرر باستعماله ; لشدة البرد أو جراحة أو غير ذلك ،  [ ص: 215 ] تيمم الصعيد فمسح بوجهه ويديه منه . 
{ قال النبي صلى الله عليه وسلم  لعمران بن حصين    : صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا ، فإن لم تستطع فعلى جنب   } . 
فقد أوجب الله فعل الصلاة في الوقت على أي حال أمكن ، كما قال تعالى : { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين فإن خفتم فرجالا أو ركبانا فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون    } . 
فأوجب الله الصلاة على الآمن والخائف ، والصحيح والمريض ، والغني والفقير ، والمقيم والمسافر ، وخففها على المسافر والخائف والمريض ، كما جاء به الكتاب والسنة ، وكذلك أوجب فيها واجبات من الطهارة ، والستارة ، واستقبال القبلة ، وأسقط ما يعجز عنه العبد من ذلك .  [ ص: 216 ] 
فلو انكسرت سفينة قوم ، أو سلبهم المحاربون ثيابهم  ، صلوا عراة بحسب أحوالهم ، وقام إمامهم وسطهم لئلا يرى الباقون عورته . 
ولو اشتبهت عليهم القبلة  ، اجتهدوا في الاستدلال عليها فلو عميت الدلائل ، صلوا كيفما أمكنهم ، كما قد روي أنهم فعلوا ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهكذا الجهاد والولايات ، وسائر أمور الدين ، وذلك كله في قوله تعالى : { فاتقوا الله ما استطعتم    } وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " . 
كما أن الله - تعالى لما حرم المطاعم الخبيثة قال : { فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه    } وقال تعالى : { وما جعل عليكم في الدين من حرج    } . 
وقال تعالى : { ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج    } فلم يوجب ما لا يستطاع ، ولم يحرم ما يضطر إليه ، إذا كانت الضرورة بغير معصية من العبد . 
				
						
						
