باب فيمن عقد صرفا على ما في ملك غيره، وفيما يكره من التراخي في الصرف ولا يحرم، وفي المواعدة في الصرف والخيار، والصرف على التصديق
ثم يتناجزان بفور العقد، ولا يؤخران ذلك وإن لم يفترقا، ولا يقومان إلى موضع آخر ليتناجزا فيه. ولا يعقد المتصارفان صرفا إلا على ما هو حاضر معهما،
وقال إذا عقدا الصرف على ما ليس معهما، عقدا صرف دينار بعشرين درهما، ثم التفت أحدهما إلى إنسان إلى جانبه فاستقرض منه دينارا، والتفت الآخر إلى من بجنبه فاستقرض منه عشرين درهما، ثم تناجزا، فلا خير فيه. ابن القاسم:
واختلف إذا صارف أحدهما على ما معه، واستقرض الآخر، فقال إذا كان ذلك متصلا بمنزلة النفقة يحملها من كمه، ولا يبعث رسولا يأتي بها، فلا بأس به. ابن القاسم:
وقال لا خير فيه; لأنكما عقدتما على ما لا يجوز من غيبة الدينار. [ ص: 2783 ] أشهب:
واستثقل ذلك إذا استقرضا جميعا، وقال: لا خير فيه؛ حماية لئلا يتذرع الناس إلى التأخير في الصرف. ابن القاسم
واستخف ذلك إذا استقرض أحدهما; لأنه لا يتقى من ذلك مثله إذا استقرضا جميعا.
ولم يمنع ذلك; لأنه صرف على الذمم، وإنما الممنوع أن يعقدا على ما تتراخى مناجزته قبل الافتراق أو بعده.
ولو أن هذين عقدا الصرف ابتداء على ما يقرضانهما هذان، وقد رضيا لهما بذلك قبل عقد الصرف أو بعده، وقالا: إن أقرضانا أمضينا ذلك وتناجزنا في الصرف، وإن لم يقرضانا فلا صرف بيننا، لم يحرم ذلك، ويكره حماية.
وإن أو افترقا أو قاما جميعا إلى موضع غير الذي عقدا فيه الصرف- فسد متى وقع الطول بشيء من هذه الوجوه. طال ما بين العقد والمناجزة بين المتصارفين إما لغيبة العينين أو لأحدهما، أو قصد التأخير مع بقاء المجلس،
واختلف إذا كان التراخي يسيرا ولم يطل، فكرهه مرة، واستخفه أخرى، فقال في كتاب مالك محمد فيمن صرف دراهم بدنانير، فقال: اذهب بها إلى الصراف فأرى وأزن، قال: أما الشيء اليسير القريب فأرجو ألا يكون به [ ص: 2784 ] بأس، قال: وهو يشبه ما لو قاما إليه جميعا. فأجاز القيام عن المجلس إذا كان يسيرا، وعلى هذا يجوز العقد على ما هو غائب عنهما على مثل ذلك القرب إذا كان في ملكه.
وقال في المدونة فيمن يصرف دينارا من الصراف ويزنه منه، فيدخله الصراف تابوته: لا يعجبني، وليترك الدينار على حاله حتى يخرج دراهمه فيزنها ثم يأخذ الدينار ويعطي الدراهم. مالك
قال محمد: وليرد ديناره إليه، ثم يتناجزان.
وكل هذا حماية، ولا يفسد به الصرف. وقال ذلك في كتاب ابن وهب محمد.
وقال في الحلي يباع في الميراث، ثم يقوم معه صاحبه -يريد: إلى الصراف ليعطيه ثمنه- قال: لا يفارقه. مالك
قال ألا تسمع إلى قول مالك: - رضي الله عنه -: وإن استنظرك إلى أن [ ص: 2785 ] يلج بيته، فلا تنظره، قال: قلت: قول عمر بن الخطاب يغيب عنه حتى يلج بيته، وهذا معه لا يفارقه، فقال: أرأيت لو سار معه ميلين؟ لا أرى ذلك حتى يعطيه مكانه، وقال: يحمل معه كيسه حتى يعطيه. عمر
ولا يجوز اليوم لمن صرف دينارا بدراهم أن يودعها بعد المناجزة عند الصراف; لأن القصد بتركها أن يبرأ من نقصها ونحاسها، وقد علم ذلك منهم، ومحمل قول في الذي قبض من دين له طوق ذهب، فافترقا قبل قبضه الطوق: "لا خير فيه"، على أنه بقي فيه وجه من التوفية وزن أو غير ذلك، ولو لم يبق فيه شيء من التوفية لكانت مصيبته من مشتريه، وإيداعه جائز، بخلاف إيداع الدنانير والدراهم. مالك