فصل [في إصابة من له الخيار بالجنون أو الإغماء أو الموت]
وإذا نظر له السلطان في من يقيمه للنظر له في ماله، فإن رأى أن يمضي البيع أمضاه وإلا رده. جن في أيام الخيار من له الخيار، من بائع أو مشتر جنونا مطبقا،
واختلف إذا أغمي على المشتري، فقال ليس للسلطان أن يأخذ له ويترك حتى يفيق فيأخذ أو يترك، فإن تطاول به الإغماء ورأى السلطان ضررا فسخ البيع، وليس له أن يأخذ له، وقال ابن القاسم: للسلطان أن يأخذ له في أيام الخيار، أو يجعل ذلك إلى من يرضى من ورثته، فإن لم يفعل حتى مضت أيام الخيار، لم يكن للسلطان إلا الرد. وقوله (إن للسلطان أن يأخذ له في أيام الخيار) حسن; لأنه قد علم أن للمشتري غرضا في اشترائها وتقدم منه عقد فيها، وليس هو بمنزلة من لم يتقدم منه عقد. أشهب:
وقول ابن القاسم أن لا يفسخ البيع بمضي أيام الخيار أحسن، وإذا كان الخيار ثلاثة أيام فأفاق بعد يومين كان له الخيار في اليوم الباقي ويومين بعده; لأنه إنما اشترى على أن يؤامر نفسه ثلاثة أيام، ولا مضرة على البائع في زيادة اليومين. [ ص: 4542 ]
وإن كان الخيار للبائع فانقضت أيام الخيار وهو مغمى عليه، كان أبين أن لا مقال للمشتري إذا قال البائع أنا أستأنف الخيار ثلاثة أيام; لأن الزائد لا مضرة على المشتري في الصبر إليه، وإن فقد المشتري في أيام الخيار لم يؤخذ له على قول ابن القاسم، وعلى قول أشهب يؤخذ له في ثلاثة أيام قياسا على المغمى عليه، وإذا جاز أن يؤخذ للمغمى عليه مع قرب الأيام التي ترجى إفاقته فيها، كان أحرى أن يؤخذ للمفقود.
وإن مات من له الخيار من بائع أو مشتر، كان ورثته في مكانه هم بالخيار بين الأخذ أو الترك، وإن خلف ولدين فاتفقا على أخذ أو ترك فذلك لهما، وإن اختلفا فاختار أحدهما الأخذ والآخر الترك، وكان الخيار للمشتري وهو الميت، كان البائع بالخيار بين أن يقبل نصيب من رد ويمضي نصيب من تمسك، أو يقول لمن قبل إما أن تأخذ الجميع أو ترد، أو يقبل نصيب من رد ويرد نصيب من قبل; لأن البائع يقول: رد هذا لنصيبه علي جائز، وقد عاد ذلك النصيب على ملكي، ورد نصيب الآخر; لأنه دخل على البيع من واحد، ولم يكن للميت أن يبعض فيأخذ البعض ويرد البعض وكذلك ورثته.
قال هذا القياس، والاستحسان أن لمن قبل أن يأخذ نصيب من رد، إذا كره البائع التبعيض; لأنه يقول أنا أرفع عنك عيب التبعيض، وإن كان الخيار للبائع كان ورثته بالخيار بين أن يقبلا أو يردا، فإن اختار أحدهما الرد والآخر أن يمضي البيع كان من اختار الرد على نصيبه، وكان المشتري بالخيار [ ص: 4543 ] في نصيب من أمضى له، بين أن يقبله أو يرده وليس للوارث إذا رد نصيبه أن يأخذ نصيب من أجاز، ولا للمشتري أن يأخذ نصيب من رد، والقياس والاستحسان إذا كان الخيار للبائع سواء. أشهب:
وقول في هذا الوجه ليس بحسن، ولو كان الوارث مولى عليه كان النظر لوصيه، وإن كانا وصيين فاختلفا نظر السلطان في ذلك، فإن كان الآخذ أولى رد فعل من رد وصار جميع ذلك مأخوذا، وإن كان الرد أولى رد جميعه، وإن كان وصي وكبير فاختلفا، فإن كان رأي الوصي الرد كان نصيبه مردودا، وكان مقال البائع مع الكبير، وإن كان رأي الوصي الأخذ خرج الكبير، وكان مقال البائع مع الوصي حسب ما تقدم لو كانا كبيرين، وكذلك إذا كانا وصيين وكبيرا واتفق الوصيان واختلفا مع الكبير فعلى ما تقدم لو كانا كبيرين، وإن اختلف الوصيان فأخذ أحدهما ورد الآخر ورد الكبير، نظر السلطان في ذلك، فإن رأى الرد أولى رد وصار جميع ذلك مردودا، وإن رأى الأخذ أولى كان جميع نصيب الصغير مأخوذا، وعاد المقال بين البائع والوصيين، وإن اختار الكبير الأخذ ورأى السلطان الأخذ أولى صار جميعه مأخوذا، وإن رأى الرد أولى كان جميع نصيب الصغير مردودا، وعاد المقال بين البائع والكبير، وعلى مثل هذا يكون الجواب إذا كان الخيار للبائع فمات وخلف صغيرا وكبيرا واختلفا. أشهب
وإن كان على الميت دين واتفق رأي الغرماء والورثة على أخذ أو ترك كان الأمر على ما اتفقوا عليه، وإن اختلفوا فرأى أحدهم الأخذ والآخرون الرد، فإن كان فيه فضل بدئ بالغرماء، فإن أحبوا الأخذ كان ذلك لهم وإن كره الورثة، وإن أحبوا الرد كان ذلك لهم، ولا يلزمهم أن يتركوا ناضا ويتجروا [ ص: 4544 ] به للميت، ثم يكون الورثة بالخيار بين أن يأخذوا ذلك من أموالهم أو يتركوا، وإن لم يكن فضل سقط مقال الغرماء، وكان للورثة أن يأخذوا ذلك من أموالهم أو يتركوا.