فصل [في الشهادة على السماع في الرباع والنسب والولاء وفي شروط جواز الشهادة على السماع المعتبر]
وتجوز سمعوا فيما قدم وإن لم يقع بها العلم، وهي على ثلاثة أوجه: يبقى بها ما في اليد. ولا ينتزع بها ما عليه يد. واختلف هل يؤخذ بها ما ليس عليه يد. قال شهادة السماع في الرباع، محمد: ولا تجوز في ذكر الحقوق ولا في الودائع.
قال الشيخ -رضي الله عنه-: وتجوز في الديار والأرضين لمن هي في يديه، إذا قالوا: لم نزل نسمع أن هذا أو أباه أو جده، اشتراها من أب هذا القادم، أو من جده. فيسقط قيام هذا فيها وإن كان حوزها في غيبته. وإن كان خرابا لا يد عليه، [ ص: 5471 ] أو شيئا من عفو من الأرض، قضي به لمن شهد له به على السماع بعد يمينه على قول وبغير يمين على قول ابن القاسم، أشهب كالشهادة على السماع في الولاء والنسب.
وكذلك الشهادة على الحبس تصح لمن ذلك الربع في يديه. ولا ينتزع بها من يد ويؤخذ بها ما ليس عليه يد.
واختلف في الولاء والنسب، إذا شهدوا أن هذا الميت مولى هذا أو ابنه، لا يعلمون له وارثا غيره، أو شهد شاهد واحد بمثل ذلك. فقال لا أرى للإمام أن يعجل في ذلك، فإن لم يأت أحد يستحق ذلك، وإلا قضي به لهذا مع اليمين. وقال مالك: يقضي له بذلك المال دون الولاء، ولا يقضى له به في مال آخر، إلا بعد يمينه. وقال ابن القاسم: يقضي بشهادة السماع، في المال والولاء والنسب، ولا يقضى بشهادة الشاهد الواحد في مال ولا ولاء، إلا أن يكون سماعا منتشرا يقع به العلم. [ ص: 5472 ] أشهب:
قال مثل قول ابن القاسم: فيجر المال والولاء، قيل له: فنشهد أنك نافع مولى ابن عمر، ولا نعلم ذلك إلا بالسماع. قال: نعم، يقطع بهذه الشهادة ويقطع بالنسب. قال ابن القاسم في هذا الأصل إذا شهد رجلان، شيخان قديمان قد أدركا الناس، وباد ذلك القرن أنهما سمعا أن هذه الدار حبس، جازت شهادتهما. قيل له: فالرجلان يشهدان وفي القبيل رجال من أسنانهما لا يعرفون شيئا من ذلك. قال: فلا تقبل شهادتهما إلا بأمر يفشو، ويكون عليه شهود أكثر من اثنين. ابن القاسم
واختلف فقال هل من شرط جواز شهادة السماع أن يسمعا من عدول. -في المدونة-: إذا شهدوا على السماع أنها حبس، ولم يشهدوا على قوم أنهم أشهدوهم على السماع، ولا على قوم بأعيانهم، إلا أنهم قالوا: بلغنا أنها حبس فذلك جائز. قال: وإنما سألنا ابن القاسم عن السماع، ولم نسأله عن شهادة قوم عدول أشهدوهم، ولو أشهدوهم لم يكن سماعا وكانت شهادة. مالكا
قال: وسئل عن دار لم يزالوا يسمعون أنها حبس، ولم يزل الناس يعرفون [ ص: 5473 ] الرجل من ولده يهلك، ولا ترث امرأته من الدار شيئا، وتهلك ابنته ولها زوج وولدها، فلا يرث زوجها ولا ولدها من الدار شيئا، ولا يشهدون على أصل الحبس بعينه. قال مالك أراها حبسا ثابتا. مالك:
قال محمد: قلت: فإن قالت البينة في شهادة السماع: إن قالوا لم نزل نسمع ولا نعرف ممن سمعنا. قال: قد قيل لا ينتفع بذلك، حتى يعرفوا أن الذين كانوا يسمعون منهم عدولا. قال ولا تجوز شهادة السماع من غير أهل العدل، من سامعين أو مسموعين أن دار فلان لفلان الغائب. عبد الملك:
قال الشيخ -رضي الله عنه-: وهذا انتزاع بالسماع فاحتيج إلى العدالة; لأن الشهادة للغائب بالدار لينتزعها، وللحاضر بالحوز لتبقى في يديه، فإذا كانت لينتزع بها طلب بالعدالة قولا واحدا، وإنما الاختلاف إذا كانت ليقر بها في اليد. وكذلك إذا كانت ليأخذ بها ما ليس عليه يد.
وقال -فيمن أقر لقوم أن أباهم كان أسلفه مالا وقضاه والدهم-: القول قوله فيما طال زمانه، وإن [ ص: 5474 ] قرب لم يقبل قوله. يريد فيما بعد وادعى بعد القضاء، ولو ادعى أن القضاء تراخى إلى قرب موته لم يقبل قوله. مالك
والإقرار على أربعة أوجه: في مخاصمة، وفي غير مخاصمة على الحديث، أو الشكر، أو الذم.
فإن كان في مخاصمة لم يقبل قوله فيما قرب، ويقبل قوله فيما بعد إذا كان الأشبه أنه لا يتراخى القضاء إلى ذلك الوقت، إلا أن يقر أن القضاء تراخى، وأنه قضاه قرب مخاصمتهما، فلا يقبل قوله.
وإن اختلفا فقال المطلوب: كانت المداينة من مدة كذا، لمدة بعيدة. وقال الطالب غيره، كان القول قول الطالب، على قول لأنه مقر بالدين مدع لمدة تسقطه عنه. وعلى قول ابن القاسم; القول قول المطلوب في المدة، ولا يؤخذ بغير ما أقر به. وكذلك إن كان إقراره على وجه الحديث، كان القول قول المطلوب فيما بعد، وقول الطالب فيما قرب. أشهب
واختلف إذا كان على وجه الشكر، أو الذم في غير مخاصمة. فقال [ ص: 5475 ] إذا كان على وجه الشكر أو الذم، فالقول قول المقر في القضاء وإن قرب. وقال مالك: -في كتاب ابن حبيب، فيمن قال لقوم أسلفني فلان مائة دينار وقضيته إياها-: فهو مصدق، ولو قال ذلك عند السلطان لم يصدق. ابن الماجشون
قال: والفرق بينهما أن ما جره الحديث على وجه الشكر أو الذم لا يؤخذ به. قاله وذكر مطرف: عن أصبغ إذا كان على وجه الشكر، وأقر لحي صدق وإن قرب، وإن أقر لميت كان القول قوله فيما طال، وإن قرب لم يصدق; لأن الميت لعل عنده وثيقة بحقه. ولم يصدقه ابن القاسم: فيما كان على وجه الذم بخلاف الشكر. سحنون
واتفق مالك وابن القاسم ومطرف وابن الماجشون أنه مصدق فيما كان على وجه الشكر وإن قرب، وكذلك ما كان على وجه الذم، ولا فرق بينهما; لأن كل ذلك ليس على وجه الإقرار بشيء في الذمة. وأصبغ:
وقال -في العتبية فيمن قال لرجل: قضيتني مائة دينار من مائتين لي عندك، وقال الآخر: المائة سلف أو وديعة-: كان القول قول الدافع مع يمينه. ابن القاسم
وقال -فيمن قال لرجل: أشهد أني قبضت من فلان مائة دينار، كانت لي [ ص: 5476 ] عليه فأحسن قضائي جزاه الله خيرا. وقال الآخر: أسلفتها لك وما لك عندي شيء-: فالقول قول الذي قال أسلفتك، إلا أن يأتي الآخر ببينة أنه كان يتقاضاه في دين. وعلى أصل قول المتقدم، يجب أن يقبل قول القابض; لأنه على وجه الشكر. ابن القاسم
وقال -فيمن قال قبضت هذه الألف درهم من فلان، كانت لي عليه دينا أو وديعة، وقال الآخر: دفعتها إليك سلفا ولا شيء لك عندي- فقال: قد قيل إن القول قول الدافع، ويحلف ويأخذها. وقيل: القول قول القابض إذا أشبه ما قال في مداينة مثله، وقاله أكثر أصحابنا. وقاله ابن سحنون سحنون.
وأرى إن كان ذلك في مخاصمة، أن يكون القول قول القابض، إذا كان هو الذي أتى بالآخر ليطلب ما بقي له عنده، وإن كان الدافع هو الذي أتى بالقابض وادعى أنه سلف، كان القول قوله مع يمينه أنها سلف. [ ص: 5477 ]
كتاب الشهادات الثاني