فصل [في حكم القضاء في الديار وأهلها غائبون]
ومن المدونة قال مالك ، مثل في الدار: لا يقضى على أهلها فيها وهم غيب إلا أن تطول الغيبة فيها الأندلس وطنجة فينظر السلطان في ذلك ، يريد: الأندلس من المدينة.
وقال في كتاب ابن الماجشون أما علماؤنا ابن حبيب: بالمدينة وحكامنا [ ص: 5887 ] فقولهم والعمل عندهم أن يحكم على الغائب في جميع الأشياء بعد ضرب الأجل على قدر مسافة البلد الذي هو به، والآجال في الديون أطول منها في الرباع. قال: ويحضر وكيله، فإن لم يكن فالمعني بأمره من أهله والصديق والصاحب، ومن يستضيف إليه ويعلم من أمره، وأنكر قول ابن القاسم.
وإنما رأى أن الآجال في الدين أوسع من القضاء في الديار؛ لأنه إذا ادعيت وحكم بها للمدعي، ثم قدم الغائب فأثبت ما يسقط الدعوى انتزعها، وإن تداولها رجال بالبيع، وإن بيعت لقضاء دين، فأثبت الغائب أنه قد قضاه بعد أن تداولتها بياعات لم يرد، وإنما يأخذها إذا وجد في يد المشتري من القاضي بعد دفع الثمن.
واختلف إذا ادعى ميراثا، فرأى الجواب فيها كالأول لا يقضى بها إلا في ما يقضى به لو ادعيت بغير ميراث. ابن القاسم
وقال في مدونته: إذا ادعيت بغير ميراث سمعت بينة المدعي، وأخر القاضي حتى يقدم أو يكتب إليه، إلا أن يكون كونه في يده قريبا مثل أن يموت أبوه من سنة أو سنتين، أو يعلم أنها في يد الغائب بميراث وأقام هذا البينة أنه ابن الميت، فيقضى له بنصيبه فيها ولا ينتظر قدوم الغائب؛ إلا أن يطول كون الدار في يد الغائب السنين الكثيرة ، وينقطع الخبر بما صارت إليه، فيلحق نسب هذا ولا يقضى له بالدار حتى يقدم الغائب. [ ص: 5888 ] أشهب
قال الشيخ - رضي الله عنه -: يريد: إذا كان أمر الدار مشهورا أنها دار الميت قضي له بنصيبه منها الآن، فإن اندرس خبرها وصارت عملها أنها له بالبحث والشهادة، كانت الدعوى فيها بالميراث وغيره سواء.
واختلف بعد القول ألا يحكم على الغائب في الرباع، هل تكون المحاكمة في موضع الدار أو في موضع المحكوم عليه؟
فقال إذا كان المدعى عليه غائبا كتب إليه ليقدم ليخاصم أو يوكل، وقيل: المحاكمة في موضع المطلوب، والأول أحسن. ومن حق الطالب أن يسمع بينته ويستقصي منافعه، ثم يكتب إلى الغائب بما ثبت عنده بالخيار بين أن يقدم فيدفع عن نفسه، أو يكتب إلى القاضي بما عنده ولا يؤخر القضاء بعد ذلك ولا يكلف الطالب أن يخرج فيخاصم؛ لأن ثبات البينات بغير موضع الدار يتعذر ولا يستطاع نقل البينات. وإن اجتمع المدعي والمدعى عليه في بلد والدار في بلد آخر، فإن كان كل واحد منهما يدعيها لنفسه لم يحكم بينهما؛ لأن البينات ومعرفة الحائز لها يتعذر هناك، وإن كان يدعي أنه باعها منه وأنكر الآخر البيع، كان للمدعي أن يحاكمه ها هنا إن وجد بينة وإلا حلفه، ثم هو على حجته إذا قدم البلد الذي به الدار. ابن القاسم:
[ ص: 5889 ] واختلف إذا بعدت الغيبة، هل يقيم القاضي للغائب وكيلا؟
فقال في الغائب والصغير ينظر لهما القاضي ولا يقيم لهما وكيلا . ابن القاسم
وقال يقام لهما وكيل مأمون وهو أبين؛ لأن الوكيل يبلغ من الكشف والبحث ما لا يبلغه القاضي لسبب اشتغاله، ولو وجد القاضي إلى البحث والكشف سبيلا لاستغنى عن الوكيل، وهذا في الدعوى على الغائب. وأما الدعوى له فلا تصح إلا بوكالة من الغائب، إلا أن يغصب له شيء في غيبته أو يأبق له عبد، وما أشبه ذلك من الأمور التي يعلم أنه تعدي عليه فيها، فينظر له في غير وكالة. وإن كان له دين على من يخشى فقره، أو على من أراد السفر إلى موضع بعيد، أو كان له طعام يخشى فساده ينظر له في ذلك كله . [ ص: 5890 ] أصبغ: