باب في البيع والشراء يوم الجمعة بعد النداء للجمعة ووجوب السعي إليها
لقول الله -عز وجل-: النداء للجمعة يوجب السعي إليها ويمنع البيع والشراء؛ يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع [الجمعة: 9].
وهذا فيمن كان قريب الدار إذا سعى بعد النداء أدرك الخطبة فما بعدها، وإن كان بعيد الدار وجب عليه أن يسعى قبل ذلك بما يعلم أنه إذا سعى أدرك، ويمنع البيع والشراء حينئذ، وليس من هو في طرف المدينة كمن هو في وسطها، ولا المدينة الكبيرة كالصغيرة.
واختلف فقال فيمن باع أو اشترى بعد النداء، في المدونة: يفسخ البيع، وقال في المجموعة: البيع ماض وليستغفر الله، وقال مالك المغيرة: يفسخ ما لم يفت، فإن فات بتغير الأسواق مضى بالثمن، وقال ابن القاسم في الواضحة: يفسخ ما لم يفت، فإن فات مضى بالقيمة. وأشهب
واختلف في القيمة متى تكون; فقال حين قبضها مشتريها، وقال ابن القاسم: بعد صلاة الإمام وحين يحل البيع، وقال أشهب: في ثمانية عبد الملك بن [ ص: 574 ] الماجشون أبي زيد: إذا كان قوم اعتادوا البيع ذلك الوقت، فسخت تلك البياعات كلها، وإن لم تكن عادة زجروا عن ذلك، ولم يفسخ البيع.
واختلف بعد القول أن البيع يمضي، في الربح، فقال مالك: الربح للمشتري، ولا أراه عليه حراما، وقال في العتبية: لا يأكل الربح، وأحب إلي أن يتصدق به، وقال ابن القاسم يكره أن ينتفع بذلك الربح؛ لما كان اشتغاله به عن العبادة، وقد فعل مثل ذلك أصبغ: سليمان - عليه السلام - لما اشتغل بالخيل فقتلها.
قال الشيخ: وقول المغيرة في ذلك حسن، أنه ينقض البيع مع القيام؛ عقوبة وحماية؛ لئلا يعودا إلى مثل ذلك، فإن فات مضى; لأن الثمن والمثمون صحيحان لا فساد فيهما. [ ص: 575 ]
واختلف بعد القول بفسخ البيع في فسخ ما لا يتكرر نزوله، فقال محمد بن عبد الحكم في الإقالة والشركة والتولية والأخذ بالشفعة: يفسخ; لأنه بيع.
وقال في العتبية في النكاح: إنه يمضي بالعقد ولا يفسخ، قال: والهبة والصدقة نافذة، إلا في البيع، وقال أصبغ في النكاح: يفسخ; لأنه بيع. ابن القاسم
قال الشيخ: قول في هذا أحسن، فلا يفسخ النكاح ويحتاط للفروج، ولا تباح لأحد مع قوة الخلاف، وتمضي الهبة والصدقة بالعقد، بخلاف البيع; لأنه في البيع يرد إلى كل واحد ماله، فلا يلحقه كبير مضرة، وليس كذلك الهبة والصدقة; لأنه ملك شيئا بغير عوض، فيبطل عليه، إلا أن تكون الهبة للثواب; لأنها بيع. انتهى. ابن القاسم