باب في أحكام الخطبة
واختلف في الخطبة في أربعة مواضع، اختلف، هل هي فرض أو سنة؟ واختلف بعد القول إنها فرض: هل الطهارة لها فرض؟ أو تجزئ بغير طهارة؟ وهل الفرض خطبتان أو خطبة؟ وهل يجزئ من ذلك ما قل؟ أو لا يجزئ إلا ما له قدر وبال؟
فقال وغير واحد من أصحابه: مالك وأعادوا في الوقت وبعده، ولم يذكر وجوب الطهارة، وقال الخطبة فرض فمن صلى بغير خطبة لم تجزئهم، سحنون: فمن الخطبة فرض، والطهارة لها فرض، لم تجزئهم وأعادوا أبدا، وقال أبو محمد عبد الوهاب: الخطبة فرض. والطهارة لها مستحبة، فمن صلى بغير خطبة لم تجزئهم، فإن صلى بخطبة على غير طهارة، أجزأتهم. صلى بخطبة وهو على غير طهارة
وقال الخطبة سنة، وقال في ثمانية عبد الملك بن الماجشون: أبي زيد: من صلى بغير خطبة أجزأه، ولم يعد، والقول بوجوبها دون الطهارة لها أحسن؛ لقول الله -عز وجل-: إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله [الجمعة: 9] الآيتان، ودليل وجوبها من وجوه: [ ص: 583 ]
أحدها: تحريم البيع حين النداء، فلو كانت غير واجبة لم يحرم البيع إلا عند الدخول في الصلاة.
والثاني: قوله سبحانه: فاسعوا إلى ذكر الله وأول الذكر في الجمعة الخطبة، فكان محموله على أول ذكر يكون بعد النداء، وهي الخطبة، إلا أن يقوم دليل أن المراد الذكر الثاني، وهو ما يكون في الصلاة.
والثالث: أن الأحاديث الصحاح وردت أن السبب في نزول الآية كان في الذين فروا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو قائم يخطب؛ لعير قدمت من الشام، فنزل ذمهم بذلك، والذم يكون لترك واجب.
ولا تجب الطهارة لها; لأنه ذكر الله -عز وجل- وحمد وثناء وصلاة على نبيه عليه السلام ووعظ، ولا خلاف في أن هذا الصنف لا يفتقر إلى طهارة، فوجب أن يرد ما اختلف فيه من ذلك إلى ما أجمعوا عليه، ولا حجة في أن الشأن كون الإمام في ذلك متطهرا; لأن ذلك للصلاة التي هي عقيب الخطبة، وليس بحسن أن يخطب ثم يخرج للوضوء أو يتوضأ في الجامع.