فصل [في أنواع الطواف] 
طواف الحج  ثلاثة : طواف القدوم ، وطواف الإفاضة ، وطواف الوداع . وهي مختلفة الأحكام ؛ سنة وفرضا وندبا . فطواف القدوم سنة ؛ لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه له وطواف الإفاضة فرض ؛ لأمر الله تعالى به ، فقال بعد ذكر الوقوف والتحريم : ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق  وطواف الوداع مندوب إليه ؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - :  "لا ينفرن أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت" أخرجه  مسلم  ،  والبخاري  نحوه . 
وقد يجزئ عن جميعها طواف الإفاضة ، إذا أضاف إليه السعي لمن أتى مراهقا ، وكان نفره عقب الطواف ، والأصل في سقوطه عن المراهق  [ ص: 1186 ] إحرام الصحابة بالحج من مكة  بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ثم نفروا إلى عرفات  ، ولم يطوفوا بالبيت . 
وقال  مالك   : بلغني أن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا يأتون مراهقين ، فينفرون بحجهم ولا يطوفون ولا يسعون ، ثم يقدمون منى  ، ولا يفيضون من منى  إلى آخر أيام التشريق ، فيأتون فينيخون عند باب المسجد ، ثم يدخلون ويطوفون بالبيت ويسعون ، ثم ينصرفون . وهذا أصل في سقوطه فيمن خرج عقب طواف الإفاضة ، ولأن آخر عهده بالبيت ، فدخل بذلك الطواف في عموم الحديث . ولا يجزئ طواف القدوم عن طواف الإفاضة ؛ لأنه قدم الشيء قبل وجوبه ، بمنزلة من صلى صلاة قبل وقتها . 
واختلف في طواف الوداع  ، هل يجزئ عن طواف الإفاضة ؟ فقال  مالك   : يجزئه . وقال محمد بن عبد الحكم   : لا يجزئه . وأصل المذهب : ألا يجزئ التطوع عن الواجب ، فمن تطوع بركعتين ثم ذكر أن عليه صلاة الفجر ، أو بصوم يوم ، ثم ذكر أن عليه صوم يوم من رمضان ؛ لم تجزئه تلك الصلاة ، ولا  [ ص: 1187 ] ذلك الصوم عن الفرض . 
واختلف إذا تقدمت نية الفرض ، ثم أحدث نية التطوع ناسيا للفرض ، وأتى به عقب نية الفرض ، فقال مالك : لا يجزئه عن الفرض . وقال  عبد الملك   : يجزئه . وذلك فيمن سلم من ركعتين من الظهر ، ثم أتى بركعتين عقب ذلك بنية التطوع ، أنه يجزئ عن تمام الظهر . أو صام تسعة وخمسين يوما من ظهاره ، ثم نوى في الآخر تمام الستين التطوع . أو بيت الفطر ، ثم ذكر قبل أن يأكل ؛ فقال : يجزئه ذلك اليوم عن تمام الشهرين . ورأى أنه باق على النية الأولى ، وطوافه باق على النية الأولى ؛ لأنه لم ينو رفضها ، وإنما أحدث النية الثانية ظنا منه أنه وفى بالنية الأولى . 
وينبغي أن يرد الجواب في الطواف إلى ذلك ، فإن نوى التطوع وهو ذاكر لما عليه من طواف الإفاضة ؛ لم يجزئه التطوع عنه . وإن كان ذلك على وجه النسيان بعد أن نوى طواف الإفاضة ، ثم انحلت نيته بقرب ذلك أجزأه . 
وإن أحدث نية التطوع أجزأه على قول  عبد الملك  ، ولم يجزئه على أصل قول  مالك  في الصلاة والصوم . 
وقد اختلف فيما بعدت فيه النية في الحج ، هل يجزئه فعله بغير نية محدثة ؟ فقيل فيمن أتى عرفة  ولم يعرفها : أنها تجزئه عن الوقوف . وقيل : لا تجزئه .  [ ص: 1188 ] 
				
						
						
